توسّع نفوذ "طالبان" في كابول يقسم الشارع

توسّع نفوذ "طالبان" في كابول يقسم الشارع

11 أكتوبر 2020
الوضع الأمني السيئ يقلق سكان كابول (وكيل كوهصار/فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أنّ حركة "طالبان" بدأت تستعدّ لمرحلة ما بعد المفاوضات مع الحكومة الأفغانية، مبقية كل الخيارات مفتوحة. وعلمت "العربي الجديد" من خلال مصادرها الخاصة، أنّ الحركة بدأت تتواصل مع بعض الأحزاب السياسية والدينية ورموز القبائل وعلماء الدين في العاصمة كابول والأقاليم، للتفاهم معهم استعداداً للمرحلة المقبلة. كما أنها استغلت وقف عملياتها الكبيرة في العاصمة، لتلجأ إلى توسعة نفوذها في كابول وضواحيها، ما يثير انقساماً بين سكان العاصمة حول نشاط الحركة في هذا الاتجاه.
ونشرت "طالبان" مشاهد مصورة تظهر مسلحي الحركة واقفين على امتداد الطريق الرئيسي في قلب كابول، وتحديداً في حي قلا حيدرخان بمنطقة كمبني، ويفتشون السيارات ويسألون سائقي السيارات الصغيرة والشاحنات التي تأتي من المناطق الجنوبية حول الوضع الأمني وموقفهم عن الحكومة التي يصفونها بـ"العميلة والفاسدة"، وحول رأيهم إزاء "طالبان". ويتحدث المسلحون مع السائقين من دون أن يكونوا على عجلة أو في حالة من الخوف، حاملين معهم أعلام الحركة البيضاء. وبعد انتقادات لاذعة من قبل المجتمع المدني، كسرت الحكومة الأفغانية صمتها، وقالت الداخلية الأفغانية أخيراً إنّ تلك المشاهد مزورة ومفبركة، وما هي إلا جزء من الحملة الإعلامية لـ"طالبان". لكن العديد من سكان منطقة حيدر خان أكدوا لـ"العربي الجديد"، أن عناصر "طالبان" موجودون في المنطقة، وخرجوا إلى الشارع أكثر من مرة.

مواطن أفغاني: لقد تحسنت الحالة الأمنية نسبياً بعد تحركات طالبان

وفي السياق، قال نجي الله، أحد سكان قلا حيدرخان، إنّ "عناصر طالبان موجودون، وكان لهم نشاط كبير في الأيام الأخيرة، لقد خرجوا أكثر من مرة إلى الشارع ليس في هذه المنطقة فقط، بل في نقطة أقرب منها إلى قلب العاصمة"، مؤكداً أنهم "خرجوا قبل أيام قرب منزل الرئيس الأفغاني الأسبق صبغت الله مجددي، وفتشوا السيارات". وأضاف: "إنهم يتجولون أحياناً على الدراجات النارية في الأحياء والمناطق السكنية والناس ترحب بهم".
وتعتبر منطقة كمبني، ومن أحيائها قلا حيدرخان، من المناطق غير الآمنة على مستوى العاصمة كلها، لكن لوحظ أنّ الحالة الأمنية تغيّرت فيها بعد ظهور عناصر "طالبان"، وبعد أن قامت الأخيرة بتوزيع منشورات في الشوارع والطرق، توعدت فيها السارقين والعصابات الإجرامية. وجاء في منشورات "طالبان"، أنّ مسلحي الحركة موجودون في المنطقة وهم يراقبون كل التحركات في الشوارع، من هنا، فإنّ السارقين والخاطفين والقتلة يتم التعامل معهم ميدانياً ومن خلال محاكم الحركة.

وما أثار استغراب المواطنين أنّ الحالة الأمنية في المنطقة قد تحسنت بعد ذلك. وقال أحد سكان منطقة كمبني، ويدعى أمين غول لـ"العربي الجديد": "لقد تحسنت الحالة في المنطقة نسبياً بعد تحركات طالبان، نحن الآن نخرج بعد صلاة المغرب والعشاء ولا نشعر بالخوف كما كنا سابقاً، لقد قلّت أحداث السرقة وجرائم الشوارع. في السابق كنا نخاف من أصحاب الدراجات الذين يعمد بعضهم إلى سرقة الهواتف النقالة للمارة وما معهم من نقود تحت قوة السلاح، لكن الآن بعد أنشطة طالبان لا تتجرّأ العصابات الإجرامية على السرقة والنهب أو الخطف".
من جهته، قال الخبير الأمني، أحمد زبير عصمت، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "طالبان اختارت لأنشطتها العلنية مناطق كمبني وخوشحال خان وقلا حيدرخان وما يجاورها لأمرين؛ الأول أنّ سكان تلك المناطق تضايقوا جداً بسبب أعمال الخطف والنهب والسرقة وهم يظنون أن رجال الأمن ضالعين في هذه الأعمال، والثاني لأنّ تلك المناطق مرتبطة بأقاليم مجاورة، كإقليم لوجر ووردك وبالتالي عناصرها تتنقل بين كابول وتلك الأقاليم بسهولة ولها نفوذ كبير هناك".

لا تزال الحركة تُتهم بالوقوف وراء اغتيال بعض الوجوه المعارضة لها
 

ومع أنّ "طالبان" أوقفت عملياتها التفجيرية في كابول، كما أشار المتحدث باسم المكتب السياسي للحركة محمد نعيم في تصريحات أخيرة له، إلا أنها لا تزال تُتهم بالوقوف وراء اغتيال بعض الوجوه المعارضة لها. رئيسة بلدية إقليم وردك المجاور للعاصمة، ظريفه غفاري، تعرضت لمحاولة اغتيال للمرة الثانية الأسبوع الماضي في كابول. وقالت في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "طالبان أوقفت عملياتها التفجيرية في كابول، كما تدعي، لكنها شغلت مسلحيها بأنشطة أخرى منها اغتيال الرموز"، مؤكدة أنها تعرضت لمحاولة اغتيال من قبل مسلحين في منطقة سراي شمالي كابول وبالقرب من حاجز أمني الأسبوع الماضي، حيث وقف مسلحون في وجه سيارتها المصفحة وأطلقوا عليها النيران من أطراف عدة، ما أدى لتضرر السيارة فيما نجت هي. وأشارت غفاري إلى أنّ المسلحين "لم يكونوا خائفين وهم ينفّذون العملية بالقرب من الحاجز الأمني، كما أنّ رجال الأمن لم يتجرأوا على التحرك صوب المسلحين، وهو أمر مؤسف". وخلال الأسبوع الماضي اغتيل أيضاً ثلاثة مسؤولين في وزارة الدفاع في منطقة باغرامي.

وتعليقاً على الوضع الحالي في كابول، قال المحلل السياسي، شفيق أمين، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "تحركات طالبان العلنية من جهة، والوضع الأمني السيئ من جهة ثانية، يقلق سكان كابول"، معتبراً أنّ "أداء الحكومة نفسها، أتاح الفرصة للأمرين، إنها غارقة في الفساد ومشغولة بالتجاذبات السياسية الداخلية، وبملف المصالحة مع طالبان".
هذا عن مدينة كابول. أما مديريات العاصمة، فأنشطة "طالبان" فيها كانت موجودة منذ فترة، وهي أصبحت مكثفة وأكثر علانية هذه الأيام. على سبيل المثال، قال محمد شوكت، أحد سكان مديرية قرباغ، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مسلحي طالبان يجتمعون بين الحين والآخر بالقرب من إحدى المقابر في المديرية، التي تغطيها الأشجار الكثيفة، ويتحدثون مع بعضهم البعض ثم يتوزعون على مجموعات صغيرة ويتجولون في أحياء المديرية وقراها". وأضاف "منذ أن بدأت تحركات الحركة على هذا الشكل، قليلا ما نسمع عن أعمال السرقة والنهب والقتل، غير أنّ طالبان تقوم باغتيال بعض المعارضين لها".

أصبحت أنشطة "طالبان" في مديريات العاصمة مكثفة وأكثر علانية هذه الأيام

وفي مديرية بغمان، المصيف الأفغاني الشهير، تتجول جماعات صغيرة لـ"طالبان" مكونة من عشرة أشخاص أو ثمانية، في القرى والأرياف وتتحدث مع المواطنين، بل للحركة هناك محكمة علنية متنقلة تسمع شكاوى الناس وتبت في القضايا. وقال محمد إبراهيم، أحد رموز قبائل أرغندي في مديرية بغمان، لـ"العربي الجديد"، إنّ "لطالبان محكمة يتم التواصل معها عبر الهاتف، والقائمون عليها في مناطق جبلية، يأخذ الناس إليهم الشكاوى، وهم يبتون في أسرع فرصة فيها".
أما الشارع الأفغاني، تحديداً سكان العاصمة، فانقسم رأيهم حيال أنشطة "طالبان"؛ فمنهم المرحبون بها فيما آخرون خائفون. وفي ظلّ الحالة الأمنية السائدة في كابول، تحديداً في ما يتعلّق بأعمال السرقة والنهب والخطف وجرائم الشوارع، فإنّ شريحة من سكان العاصمة ترحب بأنشطة الحركة، لأنّ بإمكانها القضاء على العصابات الإجرامية التي تشهر السلاح علناً في وضح النهار بوجه المواطنين، وفي الليل تقوم بأعمال السرقة. وفي السياق، قال عبد الولي شير، الذي تعرض في وقت سابق للسرقة في الساعة الثانية ظهراً في الشارع الرئيسي بدوار خير خانه بالعاصمة: "إننا نرحب بوجود طالبان لأن الحكومة عاجزة عن القضاء على العصابات الإجرامية، بل هي تغذيها عن قصد أو عن غير قصد". وروى عبد الولي قصة تعرضه للسرقة، قائلاً: "كنت أمشي بجانب الشارع الرئيسي، ثم وقفت سيارة بجانبي، وإذ باثنين يخرجان منها وبحوزتهما مسدس. وضعا المسدس في رأسي كي لا أتحرك، ثم أخذا مني مبلغ 200 دولار من راتبي وهاتفي النقال قبل أن يذهبا. صرخت ولكن بلا جدوى، فيما كان الناس ينظرون إلي".

عكس ذلك، ثمة شريحة أخرى تخاف من تكرار ما حدث إبان سقوط حكومة نجيب الله في تسعينيات القرن الماضي، بعدما ضعفت الحكومة في وجه الأحزاب الجهادية، ما أدخل العاصمة في أتون حرب دمرتها. وقال المحلل السياسي شفيق أمين: "إننا نتطلع إلى نجاح عملية السلام كي تأتي طالبان وتشارك في الحكومة، ولكن أن تدخل هي نتيجة ضعف الحكومة وبقوة السلاح، فإنها ستمهد الطريق بذلك مرة أخرى إلى حرب أهلية، لأنّ الحكومة مهما عجزت، فإنها تستطيع أن تقاوم طالبان. كما أنّ أمراء الحرب مازالوا يصولون ويجولون في ربوع البلاد، ولهم قوة ونفوذ، وبالتالي نخشى من تكرار سيناريو التسعينيات بعد تلاشي النظام، وعودة الفوضى إلى البلاد، وهو ما يعدّ أسوأ من الحالة السائدة حالياً".
ويبدو أنّ الحكومة الأفغانية، مع رفضها لنفوذ "طالبان"، قلقة حيال تحركات عناصر الأخيرة، وهو ما جعل الفيلق رقم 111 في الجيش الأفغاني، المتمركز في العاصمة، ينشر إعلانات ومقاطع فيديو يؤكد من خلالها أنّ الجيش مستعد لإحلال الأمن في كابول وضواحيها، وذلك بهدف طمأنة سكان العاصمة. وانتشرت قوات من هذا الفيلق أخيراً على المنافذ والطرق المؤدية إلى كابول.

تقارير دولية
التحديثات الحية

المساهمون