روسيا تتابع التطورات الأفغانية: حماية الحلفاء بلا تدخل مباشر

روسيا تتابع التطورات الأفغانية: حماية الحلفاء بلا تدخل مباشر

15 اغسطس 2021
لجأ مدنيون إلى العاصمة كابول هرباً من "طالبان" (الأناضول)
+ الخط -

تتابع روسيا عن كثب تطورات المشهد الميداني في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي ومواصلة حركة "طالبان" تقدّمها وسيطرتها على نحو ثلثي البلاد، وسط تزايد مخاوفها من انتقال حالة عدم الاستقرار إلى أراضي حلفائها في الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى. وزادت سرعة تقدّم "طالبان" وسط تخاذل الولايات المتحدة عن دعم القوات الحكومية الأفغانية، من الترجيحات الروسية بالقبول الضمني الأميركي بعودة الحركة إلى السلطة في كابول، بل تعمّد واشنطن زرع بؤرة جديدة من التوتر بالقرب من حدود خصميها الرئيسيين، روسيا والصين.

تتواصل موسكو مع الحكومة والحركة، بحسب لافروف

وفي الوقت الذي دعت فيه الحكومة الأفغانية إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الوضع في البلاد، اعتبر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن مثل هذا الاجتماع لن يكون مفيداً إلا في حال ساعد في إطلاق المفاوضات. وجدد، في تصريحات صحافية، أول من أمس الجمعة، انحياز روسيا للتسوية السياسية بمشاركة جميع القوى السياسية والإثنية والطائفية في البلاد، ومؤكداً تواصل بلاده مع الحكومة و"طالبان" على حد سواء.

وفي هذا الإطار، رجح أستاذ العلوم السياسية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، كيريل كوكتيش، أن هناك اتفاقاً غير معلن ما بين الولايات المتحدة و"طالبان"، معتبراً أن روسيا لن تتخاذل عن حماية حلفائها في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، مع استبعاد أي تدخل مباشر في أفغانستان.

وقال كوكتيش، في حديث مع "العربي الجديد": "يبدو وكأن هناك اتفاقات بين الولايات المتحدة وطالبان، إذ يصعب تفسير ترك الأميركيين قواعدهم وسلاحهم حتى تستحوذ عليها الحركة بأنه مجرد سوء التنسيق. يبدو أن الولايات المتحدة تنطلق من أنها خسرت الحرب في أفغانستان، وتصدر إشارات لسعيها إلى إقامة الحوار مع طالبان وتراهن على نصر الحركة، لا الحكومة".

وحول رؤيته لكيفية تعامل واشنطن مع "طالبان" في حال صعودها إلى السلطة في كابول، قال كوكتيش: "في حال تُركت الحكومة من دون دعم أميركي، فليس من المستبعد أن تسقط كابول بين أيدي طالبان، وفي هذه الحالة ستعترف الولايات المتحدة بها على نحو تدريجي مثلما كانت تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية ثم اعترفت بها سلطة شرعية. ولكن الاعتراف بطالبان سيلحق ضربة موجعة بصورة الولايات المتحدة، إذ سيتم تفسيره على أنه هزيمة لواشنطن".

وفي ما يتعلق بالموقف الروسي من الوضع الأفغاني الجديد، اعتبر كوكتيش أنه "في حال دعمت طالبان التنظيمات الإرهابية الأخرى، وفي مقدمتها القاعدة، وسمحت لها بالانتشار على الأراضي الأفغانية، فسيخلق ذلك وضعاً جديداً في المنطقة. وفي جميع الأحوال، ستضمن روسيا حماية حلفائها وفق التزاماتها في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي، ولكن تدخّل موسكو في كابول نفسها أمر مستبعد".

وتضم منظمة معاهدة الأمن الجماعي ست جمهوريات سوفييتية سابقة، وهي روسيا وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجكستان التي تتشارك الحدود مع أفغانستان. وتنص المادة الرابعة من المعاهدة على اعتبار العدوان على أي من الدول الأعضاء بمثابة عدوان على جميع الدول الأعضاء في المنظمة.

يستبعد الروس التدخل العسكري في أفغانستان

وبالتزامن مع تقدّم "طالبان" في أفغانستان، أجرت روسيا تدريبات عسكرية مشتركة مع طاجكستان وأوزبكستان انتهت في 10 أغسطس/آب الحالي، وذلك على بعد 20 كيلومترا فقط من الحدود الأفغانية، وبمشاركة 2500 عسكري ونحو 500 قطعة من الأسلحة والمعدات العسكرية.

من جهته، اعتبر المحرر العسكري، عقيد الاحتياط، ميخائيل خودارينوك، أن أيام السلطة في كابول قد تكون معدودة، مستشهداً بتجربة انسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان في فبراير/شباط 1989 والتدهور الحاد للوضع في البلاد عند كف موسكو عن تزويد نظام محمد نجيب الله بالسلاح بعد ثلاث سنوات. وقال خودارينوك في حديث إذاعي: "يعتبر تاريخياً أن من يسيطر على قندهار، يسيطر على الوضع في أفغانستان بأسرها. تقع هذه المدينة على تقاطع السبل التجارية، وهي مركز هام للغاية للاتصال. ومع سيطرة طالبان عليها، فإن هذا سيعزز مواقعها من جهة بسط نظامها في باقي ولايات أفغانستان. إذا كان الأمر كذلك، فهذا نجاح كبير للحركة سيتيح لها كسر السلطة القائمة في أفغانستان بشكل جدي". وتابع: "في جوهر الأمر، تحظى هذه الحركة بدعم جماهير شعبية واسعة، وما كان لها أن تحقق أي نجاحات لولا هذا الدعم".

ومع ذلك، لا تزال موسكو على الصعيد الرسمي تبدو متفائلة بصمود الحكومة الأفغانية في كابول، إذ اعتبر مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى أفغانستان، زامير كابولوف، أن سيطرة "طالبان" على قندهار لا تعني فتح الطريق أمامها إلى كابول وقدرتها على غزوها. ولفت، في تصريحات لوكالة "نوفوستي" الحكومية الروسية ساخراً، إلى أن السيطرة على قندهار "لم تحدث نتيجة لأعمال القتال والمقاومة الشجاعة للقوات الأفغانية، وإنما نتيجة فرار ذلك الجيش الذي دربه بمرح الأميركيون وأفراد حلف الأطلسي مجتمعين". كما أكد كابولوف أن الحكومة الأفغانية تقدمت إلى موسكو بطلب توريد مروحيات ضاربة من دون أن يتم البت فيه، قائلاً: "لا تجري مفاوضات. هناك طلب وتجري دراسته".