عودة الاحتجاجات إلى الأرجنتين: لا حلول لوقف التدهور

عودة الاحتجاجات إلى الأرجنتين: لا حلول لوقف التدهور

11 يوليو 2022
أرجنتينيون يحتجون أمام قصر الرئاسة أول من أمس السبت (لويس روبايو/فرانس برس)
+ الخط -

عادت الأزمات لتلقي بثقلها على الاقتصاد الأرجنتيني، على خلفية التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا، ما دفع متظاهرين أول من أمس السبت إلى تنظيم مسيرة احتجاجية على أبواب القصر الرئاسي في العاصمة بوينس أيرس.

ولا تُعتبر الأزمة الأرجنتينية وليدة ساعتها، بل هي جزء من تردٍ اقتصادي متناسل منذ الانقلاب العسكري في عام 1976، مروراً بثمانينيات وتسعينيات غير مستقرة، وصولاً إلى انفجار الأزمة عملياً في مطلع القرن الـ21.

ومساء أول من أمس السبت، دعا الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرنانديز إلى الوحدة، في الوقت الذي نظم فيه محتجون مسيرة إلى أبواب قصر الرئاسة في العاصمة منتقدين حكومته، بسبب التضخم المرتفع والدين العام الضخم. ودعا فرنانديز في كلمته بمناسبة الذكرى السنوية الـ206 لإعلان استقلال الأرجنتين عن إسبانيا في عام 1816، إلى الوحدة.

وطلب من مختلف الأحزاب العمل من أجل ذلك. وقال إن البلاد بحاجة إلى مسؤولية اقتصادية لأن تدني احتياطيات العملات الأجنبية وارتفاع التضخم العالمي "يلحق ضرراً خطيراً" بالاقتصاد المحلي. وأضاف: "يجب أن نسير على الطريق نحو التوازن المالي وتحقيق الاستقرار للعملة".

انتكاسة كبرى لحكومة فرنانديز

ويواجه فرنانديز المنتمي ليسار الوسط، تحدياً متزايداً من جناح يساري في الائتلاف الحاكم، يريد زيادة الإنفاق الحكومي لتخفيف مستويات الفقر المرتفعة والتضخم.

وشهدت حكومة فرنانديز انتكاسة كبرى، مع استقالة وزير الاقتصاد مارتن غوزمان، المهندس الرئيسي للاتفاق مع صندوق النقد الدولي، أواخر الشهر الماضي وذلك بعد عامين ونصف العام من شغله منصبه.

وواجه غوزمان تحدياً من الجناح اليساري البيروني للائتلاف الحكومي، الذي تمثله نائبة الرئيس (رئيسة الدولة السابقة بين عامي 2007 و2015) كريستينا فرنانديز دي كيرشنر. واعتبر غوزمان أن "مواصلة تعزيز قاعدة الاقتصاد الكلي، بما في ذلك سياسات المال والنقد وسعر الصرف"، هو أمر "أساسي" بالنسبة لخلفه، وهي سيلفينا باتاكيس.

استقال وزير الاقتصاد مهندس الاتفاق مع صندوق النقد في يونيو
 

وتواجه الأرجنتين المنتج الرئيسي لفول الصويا والذرة تضخماً يتجاوز معدله 60 في المائة، وضغوطاً ضخمة على عملة البيزو، وارتفاع تكاليف استيراد الغاز التي تستنزف احتياطيات العملات الأجنبية الضعيفة بالفعل.

وأبرمت الأرجنتين اتفاقاً بقيمة 44 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي في وقت سابق من العام الحالي لتحل محل برنامج فاشل تم التوصل إليه في عام 2018.

وينحي كثيرون باللوم على صندوق النقد الدولي في تشديد السياسات الاقتصادية. وفي الفترة الماضية حاولت بوينس أيرس استنباط حلول اقتصادية لوضع حدّ لأزماتها المتلاحقة.

وفي يونيو/حزيران الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الأرجنتينية أن الوزير سانتياغو كافيرو، تلقّى دعم الصين لمسألة انضمام بلاده إلى مجموعة دول "بريكس" (تضمّ البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا)، خلال اجتماع مع نظيره الصيني، وانغ يي.

وأيدت روسيا أيضاً انضمام الأرجنتين إلى المجموعة، وفقاً لوزير الصناعة والتجارة الروسي، دينيس مانتوروف، الذي أكد أن بلاده تدعم انضمام إيران والأرجنتين إلى مجموعة "بريكس"، معتبراً أن ذلك سيكون مفيداً من جهة تبادل التقنيات وإنشاء سلاسل تعاونية جديدة.

وفي يونيو الماضي، قررت وزارة الاقتصاد استبدال 358 مليار بيزو (2.9 مليار دولار) من أوراق الدين المحلية، المستحقة في نهاية الشهر نفسه، بأوراق جديدة مستحقة في وقت لاحق من العام الحالي.

وجاءت خطوة الوزارة، بعد تسبب توترات السوق المحلية، جنباً إلى جنب مع التضخم الذي تجاوز 60 في المائة وعمليات البيع المكثفة عالمياً للأصول المحفوفة بالمخاطر، في هبوط السندات الخارجية الأرجنتينية إلى مستويات قياسية.

مع ذلك، لا تبدو الحلول الحاسمة في أفق الأرجنتين، فقد اعتبر الكاتب في موقع "بلومبيرغ" ديفيد فاينر، في مقال له في إبريل/نيسان الماضي، أن القرض الأخير من صندوق النقد الدولي للأرجنتين، وقيمته 44 مليار دولار غير كافٍ لنجدة البلاد.

ومع إشارته إلى أن الاتفاق هو الـ22 بين الطرفين، اعتبر أن الاتفاق يهدف إلى "تمويل أكثر من 40 مليار دولار من الديون المستحقة الناجمة عن خطة الإنقاذ القياسية في عام 2018 (قدّم صندوق النقد 57 مليار دولار لحكومة الرئيس السابق ماوريسيو ماكري) وبموجبه، ستُخفّض الأرجنتين بالمقابل تدريجياً عجزها المالي، وتشدّد سياستها النقدية لمكافحة التضخم".

أبرمت الأرجنتين اتفاقاً بقيمة 44 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي في وقت سابق من العام الحالي

 

ورأى أن الاتفاق "لا يُمهّد الطريق أمام التغييرات التي يحتاجها اقتصاد الأرجنتين، ناهيك عن تحسين قدرتها طويلة الأجل على سداد ديونها"، معتبراً أنه "إن لم تضع إدارة الرئيس ألبرتو فرنانديز خطة أوضح لتحفيز استثمارات القطاع الخاص، والتنويع بعيداً عن الزراعة، وتوسيع القاعدة الضريبية، فسيكون محكوماً على الأرجنتين بالتخلّف عن سداد ديونها في وقت لاحق من هذا العقد".

أخطاء صندوق النقد الدولي

وكتب فاينر: "يدرك صندوق النقد الدولي أنه ارتكب أخطاء حين قدّم 57 مليار دولار لدعم حكومة ماكري في 2018. وتمّ إهدار الكثير من المال في محاولة فاشلة لدعم البيزو، مما ترك الأرجنتين مع عبء ديون يتنامى، فضلاً عن قليل مال لسداده".

ونقل عن مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، قولها إنه يتعين على الصندوق إدراك "حدود ما يمكن عمله خلال السنوات المقبلة".

وتوقع أنه "ما لم تحدث معجزة اقتصادية حقيقية، فإن الأرجنتين ستعاني عند تسديد القروض للمقرضين. وعكست عائدات السندات الأرجنتينية هذا التشاؤم حين تراجع عائد السندات المستحقة في عام 2038".

وكأن البلاد لا تنقصها المشاكل، مع تقديم مجلس روزاريو، تقريراً في إبريل الماضي، حذّر فيه من الجفاف في سهول بامباس، التي تنتج فول الصويا والذرة. واعتبر التقرير أن "الأرجنتين تستعد لخسارة 1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، مع انخفاض إيرادات المزارعين وشحن كميات أقل وانخفاض الخدمات المالية وخدمات الوساطة وتقلّص الاستهلاك".

(العربي الجديد، رويترز، فرانس برس)