لبنان: مبادرة بري أمام معوقات "التشكيك".. وباسيل يلجأ لأسلوب جديد

لبنان: مبادرة بري أمام معوقات "التشكيك".. وباسيل يلجأ لأسلوب جديد للضغط

01 يونيو 2021
الأزمة الحكومية تراوح مكانها (حسين بيضون)
+ الخط -

رغم أن الوقائع تشي بالتشاؤم، يحرص المعنيون بتشكيل الحكومة اللبنانية والمبادرون إلى إيجاد حلول تخرق أزمة الجمود على الإشارة علانية إلى إيجابية الأجواء، لا سيما في ظل استئناف رئيس البرلمان نبيه بري المشاورات السياسية.
وأكد مصدر مقرب من بري لـ"العربي الجديد" أن الحركة إيجابية ورئيس البرلمان سيضع رئيس الجمهورية، ميشال عون، في أجواء مشاوراته التي تشمل أيضاً البطريرك الماروني بشارة الراعي.
المصدر ذاته، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، استدرك بالإشارة إلى أنه لا تقدم جذرياً بعد، خصوصاً في ظلّ تمسك جبران باسيل، رئيس "التيار الوطني الحر" وصهر رئيس الجمهورية، بالوزيرين المسيحيين واستمرار عقدة وزارتي العدل والداخلية، وإصرار رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على أنه لا يريد أن يشكل حكومة يمليها عليه عون أو أي فريق سياسي. ومع ذلك، يرى المصدر ذاته أن الأمور ستحسم قريباً لأن بري يرفض إضاعة المزيد من الوقت في ظلّ ما تشهده البلاد من أزمات يفاقمها الجمود الحكومي.
وفي ظل الصورة الضبابية لمصير مبادرة بري والخطوات التصعيدية التي يلوّح بها كل فريق سياسي، خرج باسيل، اليوم الثلاثاء، بدعوة رئيس الجمهورية إلى "طاولة حوارٍ في حال استمرّت المماطلة أكثر" وتخطت مهلة الأسبوعين كحد أقصى التي تحدّث عنها بري.

وربط باسيل هذه الدعوة، التي سبقتها رسالة "الضغط" من عون إلى مجلس النواب، بضرورة حصول مكاشفة حول الطاولة تؤدي إلى تسريع تشكيل حكومة الحريري وتسهيل ذلك، قائلاً "عندما تطرح الأمور أمام الجميع بشكل واضح يتوقف القيل والقال وتحل المشاكل مباشرة". وتابع قائلاً "أما في حال حصل امتناع عن حضور الحوار، فمن الطبيعي عندها أن نفكر بمبادرة جديدة وخطوات ضاغطة أكثر وملزمة لعملية التأليف".
وشدد باسيل، المتهم الأول من قبل الحريري بالعرقلة والتعطيل، بعد ترؤسه اجتماع تكتل "لبنان القوي" النيابي، على تأييده الكامل لمسعى بري بمعاونة "حزب الله" من أجل الإسراع بتأليف الحكومة. ورمى من جديد الكرة في ملعب الحريري، متمسكاً بقوله إن "هناك فبركة للحجج لعدم التأليف" في موقفٍ مستمر لتبادل الاتهامات.
وحاول باسيل الرد على الاتهامات التي تطاوله وعون بالتمسك بالثلث المعطل، أو طلب أكثر من ثماني وزراء، وتكريس أعراف ليست بدستورية، قائلاً "سنطفئ أي ذريعة جديدة لعدم تشكيل الحكومة، ولن نترك مجالاً لأي أمر يمكن أن نقوم به إلا ونفعل للتسهيل، لأننا نريد حكومة وبرئاسة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري". ومضى قائلا: "رئيس الجمهورية واضح بأنه لا يريد أي وزير إضافي على الثمانية، ويؤيد أي آلية أو وسيلة لتسمية وزراء لا يمتون إليه لا سياسياً ولا بأي صلة، كأن يكونوا من المجتمع المدني أو الإدارة اللبنانية أو غيرها".
ولم تمرّ دقائق على انتهاء مؤتمر باسيل، حتى نشر مستشار الحريري الإعلامي، حسين الوجه، مقالاً صحافياً هاجم من خلاله باسيل وعون، متوقفاً بالأخص عند محاولات الإيحاء بالأجواء الإيجابية التي تطبع تشكيل الحكومة.

وأعاد الوجه تحديداً نشر مقطع يؤكد عمق الأزمة المستمرّة، وكتب "أيها المواطن اللبناني التعيس، عليك أن تعرف أن لا إيجابية ولا من يحزنون، وأن هناك من يستغل واقعك لتحقيق مكاسب سياسية… فعملية التشكيل لا تزال معقّدة طالما الطائفية تحكم ممارسات رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يواصل رحلة تجاوز الدستور". وكان الحريري نفسه أشار في بيان أمس إلى إيجابية اللقاء مع بري.

في غضون ذلك، ترأس الحريري اليوم الثلاثاء اجتماعاً لكتلة "المستقبل" النيابية، بحث آخر المستجدات السياسية والتطورات الحكومية.
وأعلن مكتبه الإعلامي أنه "وضع الكتلة في أجواء الاتصالات الجارية بشأن تشكيل الحكومة، وعرض أمامهم بالتفاصيل كافة التسهيلات التي قدمها طوال هذه الفترة من أجل تشكيل حكومة إنقاذ ضمن إطار الدستور وشروط المبادرة الفرنسية".

وقال مصدر مقرّب من الحريري لـ"العربي الجديد"، اشترط عدم ذكر اسمه، إنه "يعطي وقتاً لمبادرة رئيس البرلمان، وينتظر موقف الرئيس عون الذي حتى الساعة لا يؤشر إلى أنه سيكون إيجابياً ويلاقي فيه الحريري، وفي المقابل، هو يدرس كل الخيارات المتاحة أمامه، من ضمنها الاعتذار، وهو خيار يعارضه بشدّة المحيطون به، وكذلك الاستقالة من مجلس النواب، بيد أنه يتمهّل بذلك معوِّلاً على نجاح مبادرة بري".
في المقابل، لا تزال أوساط عون وباسيل تشكك بنوايا الحريري، وتتهمه بخلق أعذار لعدم تأليف الحكومة لأسباب قد تكون خارجية أكثر منها داخلية.
وتكثفت اللقاءات بين المكونات السياسية الأساسية منذ أمس الاثنين، خصوصاً على صعيد لقاء الحريري بري، مروراً بالاجتماع الذي عقده الأوّل مع رؤساء الحكومات السابقين، فالاجتماع الذي ضمّ باسيل والمعاون السياسي للأمين العام لـ"حزب الله" حسين الخليل، ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في "حزب الله" وفيق صفا ومعاون بري النائب علي حسن خليل.

وعمّمت أوساط "حزب الله"، كما فعل بري والحريري عقب لقائهما أمس الاثنين، أجواء إيجابية متقدّمة على الاجتماع الذي عقد في منزل باسيل، وبحث مبادرة رئيس البرلمان بتأليف حكومة من 24 وزيراً تضم اختصاصيين غير حزبيين لا ثلث معطلاً فيها، وتطرق إلى العقد الحكومية على رأسها تسمية الوزيرين المسيحيين، والمخارج المطروحة لحلّها.

وتتجه الأنظار إلى تحركات "الخليلَين" (علي حسن خليل وحسين الخليل)، وهما الموفدان دائماً لحلّ الأزمات بين القوى السياسية ولا سيما على المستوى الحكومي ونقل الرسائل المتبادلة بين الأفرقاء، وينتظر ما ستؤول إليه الأمور بعدما دخل "حزب الله" جدياً على خطّها بحسمه أخيراً مسألة بقاء عون والحريري، وتدخل بري للمبادرة فالتسريع بتشكيل الحكومة.
وعلى وقع استمرار مبدأ التسويات والصفقات والمحاصصة من جانب السلطة السياسية، وصف تقرير للبنك الدولي اليوم لبنان بأنه "يغرق"، مرجّحاً أن تحتل الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان مرتبة من الثلاث الأولى من الأزمات الأكثر حدة على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
وشدد التقرير على أن "حجم الكساد الاقتصادي الذي يعاني منه البلد، مع عدم وجود نقطة تحول واضحة في الأفق، هو بسبب التقاعس الكارثي المتعمد في السياسة".