لبنان "يُبرّر" تمنّعه عن التصويت على إنشاء هيئة مستقلة للمفقودين في سورية وسط استنكار واسع

30 يونيو 2023
وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب (حسين بيضون)
+ الخط -

توالت ردود الفعل المستنكرة لامتناع لبنان عن التصويت على مشروع قرار لإنشاء الهيئة المستقلة المعنية بالمفقودين في سورية تحت رعاية الأمم المتحدة، معتبرة الخطوة بمثابة طعنة لعائلات نحو 17 ألف لبناني مخفيين قسراً منذ الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990)، وذلك في وقتٍ "برّرت" الخارجية اللبنانية القرار بـ"التماشي مع شبه الإجماع العربي، وعدم تسييس الملف الإنساني بامتياز".

وتبّنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليل الخميس - الجمعة قراراً تنشئ بموجبه مؤسسة مستقلة تحت رعاية الأمم المتحدة، معنية بالمفقودين والمخفيين قسرياً في سورية، على أن يتمحور عمل الآلية حول "توضيح مصير الأشخاص المفقودين، وتقديم الدعم للضحايا والعائلات".

وحصل مشروع القرار، الذي صاغته لوكسمبورغ، على تأييد 83 دولة، ومعارضة 11 وامتناع 62 دولة من أصل 193 دولة عضواً في الجمعية العامة، أبرز الممتنعين بينها عربياً، لبنان، مصر، البحرين، الجزائر، العراق، الأردن، موريتانيا، المغرب، عُمان، السعودية، اليمن، الإمارات.

ويملك لبنان تاريخاً مع الإخفاء القسري، يعود إلى بدايات الحرب اللبنانية، التي شاركت فيها أطراف لا تزال تحكم البلاد حتى اليوم، وتسيطر على قراراتها ومراكز السلطة فيها، وذلك في ظلّ إهمال رسمي طويل للقضية، التي يحرص الأهالي على إبقائها حية منذ عام 1982، تاريخ بدء تحرّكاتهم.

وأصدرت وزارة الخارجية اللبنانية بياناً، اليوم الجمعة، أوضحت فيه أنه "بعد التشاور مع رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، أوعزت الوزارة لمندوبة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك بالامتناع عن التصويت على مشروع القرار حول المفقودين في سورية الذي طرح على الجمعية العامة للأمم المتحدة، تماشياً مع شبه الإجماع العربي بالامتناع عن التصويت، ورغبة منه بعدم تسييس هذا الملف الإنساني بامتياز، وانسجاماً مع سياسة عدم الانجرار وراء تصويت خلافي يزيد المشاكل ولا يحلّ قضية المفقودين اللبنانيين التي تشكل جرحاً نازفاً وألماً مستداماً لأهاليهم".

وأضاف البيان "كما يتمسّك لبنان بحلّ هذه القضية وقضية النازحين السوريين، من خلال الحوار والتفاهم بين لبنان وسورية، والأطراف العربية والدولية المعنية، علماً أنّ تصويت لبنان مع القرار، في حال كان قد حصل، سيُقَوّض عمل اللجنة الوزارية العربية المشارك فيها لبنان والساعية لحلّ المشاكل مع سورية"، بحسب البيان.

وجدّد لبنان وفق البيان "احترامه وتمسّكه بتطبيق كافة القرارات الشرعية الدولية المُطبق منها والقرارات العديدة التي لم تطبق أيضاً، لأنها جميعها تشكل مظلة حماية للسلم والأمن الإقليميين والدوليين".

وفي هذا السياق، يرى رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان وديع الأسمر أنّ "الدولة اللبنانية اتخذت منذ مدّة طويلة قرار التهرّب من قضية المخفيين قسراً في لبنان وفي السجون السورية، وذلك تُرجِم بمواقف ومراحل عدّة، ربما أهمّها طريقة إنشاء الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً عام 2020 وما شابها من عراقيل وخلافات داخلية، وتغييب المنظمات التي كانت تعمل على الملفين اللبناني والسوري".

ويشير الأسمر، في حديث مع "العربي الجديد"، اليوم الجمعة، إلى أنّ "الحكومة الحالية تابعة للنظام السوري في بعض المواقف، ومنها أخيراً ما يخصّ ملف اللاجئين السوريين، واليوم امتناعها عن التصويت على مشروع قرار لإنشاء هيئة مستقلة ترعاها المنظمات الدولية، مهمتها توضيح مصير المفقودين والمخفيين قسراً في سورية، علماً أنّ هذه الهيئة من شأنها أن تساعد بشكل كبير في إعادة تحريك ملف اللبنانيين في السجون السورية وحتى داخل الأراضي اللبنانية".

ويعتبر الأسمر أن "لبنان يجب أن يكون رأس حربة في هذه القضية وأوّل المطالبين بإنشاء الهيئة المستقلة، لكنه بدلاً من ذلك، يقوم بكل الوسائل الممكنة لتمييع الملف، وتحويله من جريمة يجب معاقبة من ارتكبها، إلى حدثٍ نحاول أن نستذكره سنوياً، وتبقى الإشكالية الأساسية في تخلّي البعض عن الشقّ القانوني للموضوع، وكون هذا الإخفاء القسري جريمة دولية".

ويضيف الأسمر أن "دليل استهتار الدولة اللبنانية وتهرّبها من مسؤولياتها أنه حتى اليوم لم يصدّق لبنان على المعاهدة الدولية لحماية الأشخاص من الإخفاء القسري، رغم أنه سبق أن وقع عليها عام 2007، ومنذ ذلك الوقت ونحن نحاول إقناع الدولة بالتوقيع، وهي ترفض ذلك".

استنكار واسع

وفي إطار ردود الفعل، اعتبر النائب إبراهيم منيمنة (يمثل قوى التغيير المنبثقة عن انتفاضة 17 أكتوبر) أنّ الامتناع عن التصويت "دليل إضافي على إمعان الحكومة في ضرب تموضع لبنان على الساحة الدولية، وتاريخه الدبلوماسي، هو المساهم البارز في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان".

وأشار، في بيان، إلى أنّ قرار وزير الخارجية "لا يمكن وضعه في إطار السياسة الخارجية الفاعلة المبنية على المصلحة الوطنية لأنه يشكل خرقاً لمقدمة الدستور والتزامات لبنان الدولية، ومن بينها اتفاقية مناهضة التعذيب، وتالياً، يُعدّ ذلك تنكّراً لدور لبنان التاريخي، وينقلنا إلى مصاف الدول المشجعة على التفلت من العقاب".

ولفت منيمنة إلى أنّ "القرار لا يراعي كذلك مصالح لبنان، وتحديداً قضية المصوّر اللبناني المخفي في سورية سمير كساب (فُقد في الشمال السوري أثناء إعداد تقارير لصالح قناة سكاي نيوز الإخبارية في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2013)، وكذلك المخفيين اللبنانيين في السجون السورية، واحتمال أن تسهم هذه اللجنة في كشف مصيرهم، معتبراً أنّ "قرار بو حبيب شكل نكئاً لجراح لبنان الذي خبِر معنى الإخفاء القسري والفقدان، وكذلك طعنة لأهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان الذين ناضلوا لعقودٍ لكشف مصير أحبائهم، فيما الحكومات المتعاقبة عمدت، ولا تزال، إلى عرقلة مساعيهم".

من جانبه، قال النائب ميشال دويهي (من قوى التغيير)، في تغريدة على "تويتر"، اليوم الجمعة، إنه كعضو في لجنة الشؤون الخارجية في المجلس النيابي طلب رسمياً من رئيس اللجنة دعوة وزير الخارجية للاستماع له فيما يخصّ الأسباب وراء امتناع الدولة اللبنانية عن التصويت لصالح القرار، "ممّا يشكّل فضيحة إضافية للسياسة الخارجية اللبنانية غير المتوازنة والمتعارضة مع أبسط حقوق الإنسان".

وأشار دويهي إلى أنّ "هذا القرار يحمّل الدولة اللبنانية مسؤولية أخلاقية عن قضية إنسانية تتعلق بعددٍ كبيرٍ من السوريين المخفيين قسرياً وعدد من اللبنانيين المعتقلين منذ عشرات السنين في السجون السورية".

بدوره، قال وزير العدل السابق، النائب أشرف ريفي، إنّ "امتناع لبنان عن التصويت في قضية جلاء المخفيين في سورية نكسة أخلاقية ووطنية، فالنظام ارتكب جرائم الخطف والتعذيب في سورية ولبنان، وهناك 622 عسكرياً لبنانياً مفقوداً، وعدد غير محدّد من المدنيين"، معتبراً، في تغريدة على "تويتر"، اليوم الجمعة، أنّ "الامتناع جريمة جبانة، وهروب من المسؤولية أمام أهالي المفقودين".