نتائج "الانتخابات التمهيدية الشعبية" لا تنهي انقسامات اليسار الفرنسي

نتائج "الانتخابات التمهيدية الشعبية" لا تنهي انقسامات اليسار الفرنسي

01 فبراير 2022
تصدرت توبيرا نتائج الانتخابات التمهيدية الشعبية (ساويل بوافان/ Getty)
+ الخط -

أضافت نتائج "الانتخابات التمهيدية الشعبية" غير الرسمية لليسار الفرنسي، لاختيار مرشح للرئاسة الفرنسية، والتي أجريت من 27 يناير/ كانون الثاني الماضي، حتى أول من أمس الأحد، تعقيدات جديدة في صفوف هذا المعسكر، الذي يعاني من التخبّط السياسي منذ عهد الرئيس السابق فرانسوا هولاند، والذي لم يتمكن من التوافق (بعد) على مرشح واحد للرئاسة، للمنافسة في الاستحقاق الرئاسي الفرنسي الذي يجرى على دورتين في إبريل/ نيسان ومايو/ أيار المقبلين.

وتصدرت وزيرة العدل السابقة كريستيان توبيرا، التي أعلنت أخيراً ترشحها للانتخابات الرئاسية المقبلة، نتائج التصويت الشعبي، تلاها مرشح أحزاب البيئة يانيك جادو. وحلّ زعيم حزب "فرنسا غير الخاضعة" اليساري الراديكالي، جان لوك ميلانشون، ثالثاً، فيما جاءت عمدة باريس الاشتراكية آن هيدالغو في المرتبة الخامسة، إذ تقدّم عليها النائب الأوروبي بيار لاروتورو.

تصدرت وزيرة العدل السابقة كريستيان توبيرا نتائج التصويت الشعبي، تلاها مرشح أحزاب البيئة يانيك جادو

مفاجأة هيدالغو: استمرار التراجع

وأجريت الانتخابات التمهيدية الشعبية لليسار، بمبادرة شعبية مستقلة، سعياً لجمع صفوف اليسار الفرنسي، وأعلنت توبيرا دعمها لها مسبقاً، فيما رفض جادو وميلانشون وهيدالغو الاعتراف أو الالتزام بنتائجها. وجاء الرفض علماً أن هذه الانتخابات التمهيدية شهدت نسبة مشاركة قياسية، إذ سجل فيها قرابة نصف مليون شخص أسماءهم، من بينهم أكثر من مائة ألف عضو من أحزاب البيئة، و266 ألف مناصر لحزب "فرنسا غير الخاضعة" شاركوا فيها.

وقال سيريل ديتنس، أحد المشاركين في هذه "الانتخابات الشعبية"، لـ"العربي الجديد"، إنه منح صوته لتوبيرا، مؤكداً أن النتائج كانت "مرضية" بالنسبة إليه. لكنه أعرب عن امتعاضه من أداء اليسار تحضيراً لانتخابات الرئاسة. وأضاف ديتنس: "أعتقد أنه كان من الممكن القيام بهذه المبادرة في وقت مبكر أكثر، من أجل الحصول على برنامج يجمع أفكار اليسار ويجعل حملة اليسار الانتخابية ذات فعالية أكثر"، لكنه أقرّ في الوقت ذاته بأن "فرص اليسار (للفوز) بالانتخابات المقبلة ضئيلة جداً". واستعبد وصول اليسار الفرنسي إلى الدورة الثانية من الانتخابات، معرباً عن أمله في أن تتبدل حال اليسار حتى انتخابات عام 2027.

ووفق استطلاعات الرأي الرئاسية، لم يتمكن أي من مرشحي اليسار بعد تجاوز نسبة 10 في المائة من نوايا التصويت، ما يعكس حالة من التشتت والضياع لدى ناخبي هذا المعسكر.

انتخابات الرئاسة الفرنسية: ضعف تواصل لليسار

ويتصدر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حتى الآن نتائج استطلاعات الرأي، وتليه بالتوازي مرشحة حزب "الجمهوريين" فاليري بيكريس، وزعيمة حزب "التجمع الوطني" مارين لوبان، ثم المرشح اليميني المتطرف المثير للجدل إيريك زيمور.

هذه النتائج المخيبة للآمال لليسار "تعود خصوصاً إلى مشكلة في التواصل بين المرشحين للانتخابات الرئاسية من قوى اليسار مع ناخبيهم"، وفقاً لخبير التواصل آلان لوفيبر، معتبراً أن "الاستراتيجية التي تتبعها أحزاب اليسار في التواصل مع جمهورها ضعيفة جداً، وهي قائمة على نوع من التنافس من خلال ضرب مصداقية هذا المرشح أو ذاك، على الرغم من أن البرامج الانتخابية لمرشحي اليسار تتقاطع بشكل كبير". وبرأيه، فإن ذلك "زاد من الانقسام وتشتيت الأصوات".

واعتبر لوفيبر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "اليسار أضاع فرصة كبيرة لجمع صفوفه في هذه الانتخابات". وقال: "لدينا فاليري بيكريس، إيريك زيمور ومارين لوبان، 3 مرشحين يخوضون هذه الانتخابات بأيديولوجيا ليس لها أي معنى في مجتمع اليوم، فهم يعيشون في قوقعة اجتماعية ليس لها أي علاقة بالواقع الذي يعيشه المجتمع الفرنسي اليوم على اختلاف مشاربه وانتماءاته السياسية".

وفق استطلاعات الرأي الرئاسية، لم يتمكن أي من مرشحي اليسار بعد تجاوز نسبة 10 في المائة من نوايا التصويت

في المقابل، رأى خبير المفاوضات الفرنسي أن "توبيرا وميلانشون يعملان بجد: الأولى نراها بين الناس تتحدث عن العدالة الاجتماعية، وهو موضوع في غاية الأهمية بالنسبة للمجتمع الفرنسي، ولدينا ميلانشون الذي يمكن أن تراه يتجول في الأحياء الشعبية كل يوم، لكن إذا ما نظرنا إلى حملات كل المرشحين اليساريين، فسنرى أنانية مفرطة تقودنا إلى حقيقة محزنة، وهي أننا نملك يساراً منقسماً على نفسه".

ووفق آراء وتحليلات كثيرة للمتابعين للشأن الانتخابي الفرنسي، فإن عمدة مدينة باريس آن هيدالغو تبدو أكبر الخاسرين من إقامة "انتخابات شعبية"، ومن ورائها الحزب الاشتراكي، الذي استثمر بـ"حصان خاسر" بحسب توصيف البعض. 

لكن هيدالغو لم تعر أهمية لنتائج "التمهيديات الشعبية"، على الرغم من أنها كانت مؤيدة لإجرائها قبل ترشح توبيرا للرئاسة. ونقلت قناة "فرانس إنفو" الإذاعية، عن أحد مرافقيها، قوله، أمس الإثنين، خلال مشاركته في جولة لهيدالغو بمنطقة كليرمون فيران، إن "آن هيدالغو تعمل، وتواصل السفر في جميع أنحاء فرنسا للقاء الفرنسيين". وأكد رئيس كتلة الاشتراكيين في مجلس الشيوخ الفرنسي، باتريك كانر، عبر الإذاعة ذاتها: "إن آن هيدالغو لن تغرق، لديها ما يكفي من الحزم والقلب الشجاع لتمضي طوال الطريق من دون أن تفشل".

وعلى الرغم من تقارب البرامج الانتخابية للمرشحين، والتي تتمحور حول مسألة العدالة الاجتماعية والبيئة، إلا أن أياً منهم لم يتخذ قراراً بالانسحاب لمصلحة أي مرشح آخر، كما لم يتمكنوا من الاجتماع للاتفاق على مرشح واحد لخوض السباق الرئاسي. علماً أن مرشح البيئة للرئاسة يانيك جادو، كان انسحب في دورة الانتخابات الرئاسية الأولى في عام 2017، لصالح المرشح الاشتراكي آنذاك بنوا هامون، الذي حصد نسبة تصويت متواضعة جداً، ولم يتمكن من الوصول إلى الدورة الثانية، التي أوصلت إيمانويل ماكرون (الجمهورية إلى الأمام)، إلى سدة الرئاسة، بتغلبه على زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان.

وفي خضم هذا الانقسام، يترقب اليسار الفرنسي أيضاً إمكانية إعلان هولاند ترشحه أيضاً للرئاسة، وهو ما أوحت به تصريحات أخيرة صدرت عنه، علماً أن ذلك يبقى في دائرة التكهنات الإعلامية. لكن الأكيد، أن هولاند، والذي كان ضعف رئاسته أحد أسباب تراجع اليسار الفرنسي، بالإضافة إلى حالة القلق التي يعيشها الفرنسيون عموماً، لا سيما في ظلّ جائحة كورونا، سيدلي بدلوه حول الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث من المرجح أن يوجه انتقادات لاذعة لجميع المرشحين.

 

المساهمون