هل تنجح حكومة "الوفاق" الليبية في تفكيك التشكيلات المسلحة؟

هل تنجح حكومة "الوفاق" الليبية في تفكيك التشكيلات المسلحة؟

15 أكتوبر 2020
تأتي الإجراءات الحكومية قبيل اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة (Getty)
+ الخط -

بدأت الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة الوفاق الليبية تنفيذ سلسلة من الاعتقالات بحق مسؤولين تابعين للحكومة، ضمن حزمة إجراءات بدأتها السلطات القضائية في طرابلس لمكافحة الفساد، ومن بين المعتقلين وزير الحكم المحلي ومسؤولون بارزون في مؤسسات الدولة، لكن اللافت في تلك الاعتقالات أنها طاولت أمراء تشكيلات مسلحة.

وأعلنت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق، مساء الأربعاء، إلقاء القبض على عبدالرحمن ميلاد الشهير بـ"البيدجا"، "بناء على التحقيقات التي يجريها مكتب النائب العام وعلى أمر الضبط والإحضار بحقه".

وأشار بيان للوزارة إلى صدور نشرة خاصة من منظمة الشرطة الدولية بحق "البيدجا"، بناء على طلب لجنة العقوبات بمجلس الأمن، وذلك لتورطه في الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، مشيرا إلى أن الوزارة كانت تجمع المعلومات للوصول إلى المكان المطلوب.

وتابع البيان أنه "بعد البحث والتحري وجمع المعلومات، تمكنت مديرية أمن طرابلس من ضبط المعني، وإبلاغ مكتب النائب العام لاتخاذ الإجراءات القانونية حياله، ومازال البحث جارٍ لضبط وإحضار باقي المتهمين"، مؤكدا أن الوزارة "ستعمل بكل حزم وجد لتطبيق القانون على الجميع، وأن يد العدالة ستطاول جميع المطلوبين".

وإثر القبض على "البيدجا"، شهدت منطقة غوط الشعال بطرابلس اشتباكات مسلحة بين مليشيا "البيدجا"، المنحدر من مدينة الزاوية المجاورة لطرابلس غربا، ومسلحي قوة الردع الخاصة التابعة لوزارة الداخلية لعدة ساعات.

 وقال وزير الدفاع بالحكومة صلاح الدين النمروش، في تصريح لتلفزيون محلي ليل البارحة، إنه طلب من مكتب المدعي العسكري إعداد تقرير مفصل حول الأحداث التي شهدتها غوط الشعال ليل البارحة بعد القبض على المطلوب.

وأقامت صباح اليوم الخميس، سيارات مسلحة تابعة لوزارة الداخلية حواجز تفتيش في مفاصل حي غوط الشعال، والطرقات الرئيسية، غرب طرابلس، المؤدية لمدينة الزاوية (30 كم غرب طرابلس).

ويشغل "البيدجا"، علاوة على رئاسة إحدى المجموعات المسلحة، منصبا بارزا في جهاز حرس خفر السواحل الليبي بمدينة الزاوية، وفي مطلع يونيو/حزيران عام 2018 أدرجه مجلس الأمن على قوائم العقوبات وطالب بضرورة اعتقاله وتقديمه للعدالة الدولية.

وبحسب مصادر حكومية من طرابلس فإن مكتب النائب العام أصدر أوامر بالقبض على أربعة من أمراء التشكيلات المسلحة صدرت بحقهم أوامر قبض من الشرطة الدولية، بناء على إدراج أسمائهم في لوائح عقوبات مجلس الأمن، فيما تعهدت وزارتا الداخلية والدفاع لمسؤولين تابعين للسفارة الأميركية ببدء تنفيذ برنامج شامل لدمج أكبر عدد ممكن من التشكيلات المسلحة في مؤسسات الحكومة الأمنية والعسكرية.

وكان وزير الدفاع النمروش قد أكد خلال لقاء جمعه الأحد الماضي برئيس قطاع إصلاح الأمن بالبعثة الأممية سليم رعد، أن وزارته رفقة رئاسة الأركان للجيش الليبي تعمل على برنامج متكامل للمرحلة القادمة وكيفية بناء الجيش "وكذلك ما يتعلق بدمج وحل التشكيلات المسلحة وآليات انضوائها تحت مظلة الدفاع أو الداخلية".

وسبق لوزير الداخلية بالحكومة فتحي باشاغا وصف مجموعات مسلحة بطرابلس بـ"المليشيات الخارجة عن شرعية حكومة الوفاق"، آخرها مطلع أكتوبر الجاري عندما اعتبر طرابلس "غير آمنة بسبب المليشيات"، التي تفشى الفساد بسبب توغلها في مفاصل الدولة، متعهدا بالعمل على تحجيم دورها.

وتأتي الإجراءات الحكومية في طرابلس ضد التشكيلات المسلحة قبيل اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5، التي ستبحث جملة من الملفات الأمنية والعسكرية، الأسبوع المقبل في جنيف، من بينها أوضاع التشكيلات المسلحة التابعة بشكل اسمي للطرفين، قيادة حفتر وحكومة الوفاق، كأحد أهم الترتيبات اللازمة لتثبيت وقف إطلاق النار وإعلانه بشكل نهائي.

تأتي الإجراءات الحكومية في طرابلس ضد التشكيلات المسلحة قبيل اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5

 

وفي نهاية يونيو الماضي قالت السفارة الأميركية في ليبيا إنها استأنفت النقاش مع وزير الداخلية لحكومة الوفاق فتحي باشاغا، بشأن "تسريح المليشيات المسلحة"، مشيرة إلى أن مسؤوليها سيعقدون اجتماعا مماثلا مع قيادة حفتر لنقاش ذات الملف.

ولفتت السفارة في بيانها وقتها، إلى أن "نهاية حصار العاصمة طرابلس خلق فرصة جديدة وضرورية لمخاطبة المليشيات في غرب وشرق ليبيا، كجزء من استمرار تواصل الولايات المتحدة مع جميع الأطراف".

قرب انتهاء مشاهد الحروب

ويرى الناشط السياسي الليبي عقيلة الأطرش، من جانبه إعلان قيادات عملية "بركان الغضب" تشكيل وفد يمثلهم في جلسات الحوار السياسي، الذي سينعقد في تونس الشهر المقبل، مؤشرا هاما على جنوح الأطراف المسلحة للحلول السياسية وقرب انتهاء مشاهد الحروب والسلاح.

ورغم وصف الأطرش في حديثه لـ"العربي الجديد" ملف دمج التشكيلات المسلحة في مؤسسات الدولة الشرطية والعسكرية بـ"الصعب وكثير العقبات"، إلا أنه يرى أن اتجاه حفتر من جانب، وقادة "بركان الغضب" من جانب آخر للمشاركة في جلسات الحوار السياسي "يعني قناعة الطرفين بعدم جدوى الحل العسكري، ويعني أكثر ضمانا بالقبول وتنفيذ مخرجات التسويات السياسية المقبلة".

وتابع "قبل أشهر لم يكن مقبولا لدى الكثير من الأوساط وصف مجموعات مسلحة في طرابلس بالمليشيات عكس اليوم، بسبب الاختراقات العديدة آخرها ليل الأمس، إذ فتحت مليشيات النار على جهاز أمني رسمي، كما أن قوات حفتر بات لدى العديد من الأوساط الدولية أنها خليط من المقاتلين المرتزقة والمحليين وأبرز دليل على ذلك استعانته بمليشيا مطلوبة للعدالة بجرائم ضد الإنسانية تعرف باسم الكانيات في ترهونة علاوة على وجود مطلوب للعدالة الدولية مثل قائد الإعدامات محمود الورفلي".

ورجح المحلل السياسي أن يسلم حفتر الورفلي للعدالة الدولية لإبداء حسن نيته تجاه المتغيرات الدولية الجديدة في الملف الليبي.

ولا يمكن حصر عدد التشكيلات المسلحة في ليبيا، سواء في الشرق أو الغرب، لكن حدة الاستقطابات طيلة سني الأزمة الماضية حدت بالكثير منها إلى الولاء لطرفي الصراع في البلاد، مع جعل الكثير منها ينضوي في شكل مجموعات للإبقاء على قوتها وللحصول على الشرعية.

موقف
التحديثات الحية

تجفيف منابع السلاح

وفي المقابل لا يرى المحلل السياسي الليبي مروان ذويب، أن خبر القبض على البيدجا "يبعث أملا كبيرا، فهذه التصريحات شاهدناها كثيرا إبان اعتقال فهمي بن سليم المشهور دوليا بلقب ملك التهريب قبل ثلاث سنين"، مشيرا إلى أن تصريحات باشاغا منذ منتصف العام الماضي أنذرت التشكيلات المسلحة في طرابلس بأن وقتها قد انتهى ولم يبقَ لها إلا القليل".

ويشير ذويب متحدثا لـ"العربي الجديد" إلى أن المجتمع الدولي لا ينتظر إجراءات من حكومة في طرابلس محاطة بأطنان من السلاح بل يسعى في طريق آخر أكثر نجاعة من خلال تجفيف منابع السلاح بتطبيق فعلي لقرار حظر توريد السلاح لليبيا، مؤكدا أن مجموعات السلاح في كلا طرفي الصراع تتغذى على من يسلحها من الخارج.

ويرجح المحلل السياسي الليبي أن تتناقل وسائل الإعلام أخبارا من جانب حفتر لـ"تسليم شخصيات لها صلة بالتنظيمات الإرهابية لأطراف دولية، كما يفعل جانب طرابلس في إطار سعيها لإثبات قدرتها على مواجهة المسلحين والخارجين عن القانون، وخصوصا أن مسار الأمم المتحدة المقبل سيستثني كل المشاركين في الحوارات من تقلد أي منصب سياسي أو سيادي".

واعتبر أن إرجاء المجتمع الدولي من خلال البعثة الأممية لحل ملف السلاح في ليبيا إلى فترات لاحقة إدراك منه لتعقد الملف، وأن حله يبدأ من منع وصوله لليبيا التي شرعن فيها كل طرف مليشيات للقتال تحت شرعيته.

 

المساهمون