تحذيرات إسرائيلية من "نتائج عكسية" للإجراءات ضد الفلسطينيين

تحذيرات إسرائيلية من "نتائج عكسية" للإجراءات ضد الفلسطينيين

13 ديسمبر 2015
يخشى الاحتلال انضمام مسلّحين إلى الانتفاضة (عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -
تمكنت الهبة الشعبية الفلسطينية، التي دخلت شهرها الثالث قبل نحو أسبوعين، من وضع حدٍّ لكثير من المظاهر التي عكست "التعايش" الاضطراري لقطاعات من الفلسطينيين مع الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان طوال السنوات الماضية، في الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال تصعيده ضد الفلسطينيين في مختلف الأراضي المحتلة، إن من خلال العقوبات الجماعية أو من خلال عمليات الاعتقال والملاحقات التي تطال الفلسطينيين.

وبعد تعاظم عمليات المقاومة، أصدرت المجالس المحلية في عدد كبير من المستوطنات، قرارات بوقف تشغيل عمال فلسطينيين فيها، وذلك تحت ضغط المستوطنين الذين باتوا يرون في العمال مجرّد "مصدر خطر أمني محتمل". وتحت ضغط المستوطنين، أوعزت الحكومة الإسرائيلية للجيش بمنع السائقين الفلسطينيين من التزوّد بالوقود في المحطات الواقعة على تخوم المستوطنات، لتقليص فرص تنفيذ عمليات الدهس. في الوقت عينه، قرّر الجيش منع الفلسطينيين الذين يقطنون منطقة وسط وجنوب الضفة الغربية، من التسوّق في مجمّع التسوق الضخم الذي يملكه رجل الأعمال اليهودي رامي ليفي، جنوبي القدس.

في المقابل، فإن قطاعات كبيرة من المستوطنين داخل الضفة الغربية والعمق الإسرائيلي باتوا مضطرين للتنازل عن بعض "المزايا" التي كانوا يتمتعون بها قبل اندلاع هذه الموجة من العمليات. وقد كان الكثير من الإسرائيليين، حتى اندلاع الهبّة، يفدون من داخل إسرائيل للتسوّق في مدن في الضفة الغربية، وكثر منهم كانوا يتجهون لصيانة سياراتهم في محلات صيانة داخل الضفة، مستغلين انخفاض الأسعار مقارنة بإسرائيل. وقد وصل الأمر إلى حد أن الكثير من الإسرائيليين كانوا يتجهون لعيادات الأسنان، تحديداً في المدن والبلدات الفلسطينية المتاخمة للخط الأخضر، وذلك بسبب الكلفة الباهظة لزيارة طبيب الأسنان في إسرائيل.

وعلى الرغم من أن العقوبات الجماعية التي طالت الفلسطينيين، تم تبريرها كإجراء وقائي لتقليص قدرة المقاومين الفلسطينيين على استغلال مظاهر الاحتكاك بين الفلسطينيين والمستوطنين في تنفيذ عمليات، فإن قيادة الجيش الإسرائيلي تقرّ بأنها طبّقتها تحت وطأة ضغط المستوى السياسي، تحديداً وزراء الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل.

اقرأ أيضاً: غزيون يناصرون القدس بطريقة مبتكرة

ولا تفوّت قيادات الجيش الفرصة للتحذير من أن "هذه الإجراءات ستكون لها تداعيات عكسية". ونقل كبير معلّقي قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية أمنون أبراموفيتش، عن جنرالات في جيش الاحتلال، قولهم إن "العقوبات الجماعية التي تُفرض على الفلسطينيين في أعقاب موجة العمليات، تزيد من فرص انضمام قطاعات واسعة منهم لها. وهو ما يعني أنها ستزيد من وتيرة الفعل المقاوم بدلاً من أن تفضي إلى تقليصه".

وفي تعليق بثّته القناة، أخيراً، ينوّه أبراموفيتش بأن "السيناريو الذي يُفزع قادة الجيش، هو أن ينضم لموجة عمليات المقاومة جزء من الفلسطينيين الذين يملكون أسلحة نارية، على اعتبار أن هذا الأمر يُرسي قواعد جديدة أكثر خطورة للمواجهة الحالية".

ويقرّ وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه يعالون، في إفادته أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، بأنه "لا يوجد ما يؤشر على تراجع وتيرة عمليات المقاومة، على الرغم ممّا تبذله إسرائيل من جهود أمنية". ونظراً لإدراكها لطابع المفاعيل العكسية للعقوبات الجماعية المفروضة على الفلسطينيين، فقد عمدت قيادات الجيش إلى توظيف وسائل الإعلام الإسرائيلية، في محاولة الضغط على المستوى السياسي لفرملة هذا التوجه.

وتذكر مراسلة الشؤون السياسية في قناة التلفزة الثانية رينا متسليح، أن "رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو استشاط غضباً، عندما اقتبست وسائل الإعلام انتقادات وجهها قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال الجنرال روني نوما، لسياسات الحكومة تجاه الانتفاضة".

وأكثر ما يثير القلق لدى قادة الأمن في تل أبيب، هو الخوف من أن تُعجّل العقوبات الجماعية بانهيار السلطة الفلسطينية، وتتحمّل إسرائيل التبعات المباشرة لاحتلالها الأراضي الفلسطينية. وقد نقلت قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية، أخيراً، عن المفتش الجديد للشرطة الإسرائيلية الجنرال روني الشيخ، قوله إن "السلطة الفلسطينية مثل مريض يرقد على السرير في غرفة الإنعاش، وعلينا الحرص على مدّه بالدواء والعلاج والعناية، لأنه في حال فارق الحياة، فإننا، نحن الإسرائيليين، سنرقد مكانه". وتكتسب شهادة الشيخ هذه أهمية خاصة، لكونه معروفاً بتوجّهاته اليمينية الدينية المتطرفة، ولا يمكن لأحد أن يعزو تحذيره هذا إلى توجّهات "يسارية".

وممّا يزيد من قيمة وجود السلطة الفلسطينية في نظر المستويات الأمنية الإسرائيلية، حقيقة أن الانتقادات التي يوجّهها رئيس السلطة محمود عباس، لسياسات إسرائيل، لا تؤثر على وتيرة التعاون الأمني مع جيش الاحتلال. وتنقل وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني، في مقابلة مع قناة التلفزة الأولى، عن جنرالاتٍ، قولهم إن "أجهزة السلطة الأمنية تتعاون مع الجيش الإسرائيلي لتقليص حدة العمليات".