خلافات وانشقاقات تعصف بـ"طالبان" بعد تعيين الملا منصور

خلافات وانشقاقات تعصف بـ"طالبان" بعد تعيين الملا منصور

01 اغسطس 2015
كان لتكتّم "طالبان" عن وفاة زعيمها تداعيات خطيرة(فرانس برس)
+ الخط -
بعد مشاورات مطوّلة في مجلس شورى حركة "طالبان" في أفغانستان، أعلن المتحدث باسم الحركة، ذبيح الله مجاهد، أمس الجمعة، الملا أختر محمد منصور، زعيماً جديداً للحركة، وخلفاً للملا عمر، والذي أعلنت الحكومة الأفغانية، يوم الأربعاء، خبر وفاته منذ عامين، فيما التزمت الحركة الصمت، يوماً واحداً، لتعترف بموته، يوم الخميس.

وأوضح مجاهد في بيان للحركة أنّ "مجلس الشورى والعلماء بايعوا الملا أختر منصور، زعيماً للحركة وأميراً للمؤمنين"، مشيراً إلى أنّ الأخير كان شخصاً مقرباً جداً من الزعيم الراحل الملا عمر، إذ تولّى ملف "الشؤون التنفيذية" لـ"طالبان".

وتمّ تعيين الملا منصور خلال اجتماع عقد في مدينة كويته، عاصمة إقليم بلوشستان، جنوب غربي باكستان. كذلك تم تعيين نائبين للزعيم الجديد، وهما، نجل الزعيم الراحل، الشاب الثلاثيني ملا محمد يعقوب، والذي تخرج أخيراً من إحدى المدارس الدينية في مدينة كراتشي الباكستانية، ونجل زعيم شبكة حقاني، جلال الدين حقاني، سراج الدين حقاني.

غير أنّ غياب بعض أعضاء مجلس شورى "الحركة" عن الاجتماع، كان دليلاً على الخلافات القائمة، والتي قد تؤدي إلى تمزّق حركة وصفت بـ"المتماسكة" منذ نشأتها عام 1994، حتى نشوء تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وتمدده إلى الأراضي الأفغانية. بدأ الخلاف الجذري قبل أشهر بين المجلس السياسي، أي مجلس الشورى، والذي يقوده الملا منصور، والمجلس العسكري الذي كان يقوده الملا عبد القيوم ذاكر، على خلفية المفاوضات مع الحكومة الأفغانية، إذ كان الأوّل داعماً لعملية السلام، أمّا الثاني، فيرفض الحوار كلياً.

وبحسب مصدر مقرّب من "طالبان"، فإنّ أحد مؤسسي الحركة الملا عبد الرازق، ووالي قندهار، أيام حكومة "طالبان"، الملا حسن، والنائب السابق للملا عمر، الملا عبد السلام، لم يشاركوا في اجتماع اختيار الملا منصور. ويضيف المصدر لـ"العربي الجديد"، أنّه عند ترشيح الملا منصور إلى منصب خليفة الملا عمر، خرج كل من نجل الملا عمر، الملا يعقوب، ورئيس المجلس العسكري سابقاً، الملا ذاكر، وشقيق الملا عمر، الملا عبد المنان وقياديون آخرون من الاجتماع، ولم يعودوا إليه. ويشير المصدر إلى أنّ أعضاء أسرة الملا عمر وقياديون آخرون يدعون إلى اجتماع آخر بهدف تعيين خلف للملا عمر.

ويلفت المصدر إلى أنّ الملا ذاكر، سبق أن حاول مرات عدة طرح اسم نجل الملا عمر، الملا يعقوب زعيماً لـ"طالبان"، وانعقدت اجتماعات عدة، في هذا الشأن. وكان شقيق الملا عمر، الملا منان، قد شارك في هذه الاجتماعات، وأيّد فكرة تعيين ابن أخيه خلفاً لوالده. وعلى الرغم من تعيين الملا يعقوب، أحد نائبي الزعيم الجديد، إلّا أنّ الحركة لا تزال تتعرّض إلى خطر انقسامات داخلية، ربّما تخرج إلى العلن بعد تعيين الملا منصور.

اقرأ أيضاً: الملا منصور زعيم "طالبان" الجديد: البراغماتية قبل الدين

وبغض النظر عن الفترة الحساسة التي تمر بها "طالبان"، فإنّ تعيين الملا منصور زعيماً جديداً لها، يعد نجاحاً كبيراً لعملية السلام الأفغانية، لا سيما أن إعلان الحكومة الأفغانية وتأكيدها وفاة الملا عمر في الوقت الراهن، بعدما مضى على وفاته عامان، كان لهذا الغرض، بحسب مراقبين. في المقابل، أثار تعيين الملا منصور ضجة وإرباكاً في صفوف "الحركة" التي كانت تعتمد على زعيمها السابق على جميع الأصعدة.

ولد الملا أختر منصور عام 1960 في مديرية ميوند الحدودية مع باكستان، في إقليم هلمند، جنوبي أفغانستان، حيث تنشط "الحركة". شغل منصب وزير الطيران وحاكم إقليم قندهار في حكومة "طالبان" المقالة، وهو أحد المقربين لباكستان. وعقب الإطاحة بنظام "طالبان"، تمّ تعيين الملا منصور عضواً في مجلس شورى "الحركة". يعد الملا منصور من مؤسسي "الحركة". وبعد اعتقال كل من وزير الدفاع في حكومة "طالبان"، الملا عبيد الله، والملا عبد الغني برادر، على يد القوات الباكستانية في كراتشي، ترقّى الملا منصور وأصبح نائباً للزعيم الملا عمر. اعتقل الملا منصور لفترة وجيزة في مدينة كراتشي الباكستانية ثم أفرج عنه. ومنذ ذلك الحين، يدير كل ملفات "طالبان" على الرغم من أنّ الملا ذاكر، كان صاحب النفوذ العسكري آنذاك، وكان يتوقّع إدارة "الحركة".

وفي سياق منفصل، يوضح مراقبون أنّ بعض قيادات "الحركة" تتهم الملا منصور بإخفاء وفاة الزعيم الراحل الملا عمر، طوال هذه الفترة، من أجل مصالح وأغراض سياسية، بالتواطؤ مع بعض الأجهزة الأمنية الإقليمية. لكن يرى بعض آخر في "الحركة"، أنّ إخفاء الخبر، خطوة هدفت إلى الحفاظ على وحدة صفوف "الحركة" من الانقسامات والتصدعات الداخلية التي قد تتعرض لها في الفترة المقبلة.

يتوقّع مراقبون أن الملا منصور الذي يعول كثيراً على عملية المصالحة مع الحكومة الأفغانية، سيمضي قدماً، بعد فترة وجيزة، في الحوار مع الحكومة الأفغانية بالتنسيق مع باكستان والصين. ويشير المراقبون إلى أنّه في الوقت عينه، ثمة من سيخالف ذلك، وقد يعلن هؤلاء تياراً جهادياً جديداً، بقيادة الملا ذاكر، وبعض أعضاء أسرة الملا عمر. ولا يستبعد المراقبون أن يتصالح بعض قيادات "الحركة" مع الحكومة الأفغانية ويدخلوا بذلك في العملية السياسية. ويوضح المراقبون أنّ هناك من قام بالمصالحة فعلاً، وهم الرافضون لتنصيب الملا منصور زعيماً جديداً لـ"الحركة".

ويرى مراقبون باكستانيون وأفغان أن "داعش" الذي يخوض حروباً دامية مع "طالبان" في أكثر من منطقة في شرق أفغانستان وجنوبها، هو المستفيد الأكبر من وفاة الملا عمر، ومن الخلافات الداخلية. وبحسب المراقبين، يتوقع "داعش" مزيداً من الانشقاقات في صفوف "طالبان" وانضمامهم إليه. فقد انشق بعض القيادات الميدانية وانضمت إلى "داعش" بالفعل، بعد أن تداولت وسائل الإعلام المحلية أنباء وفاة الملا عمر، بحجة أن الأخير كان "خليفة المسلمين" وقد توفي، ولا بد من مبايعة خليفة آخر. وقد وجدوا بزعيم "داعش" أبي بكر البغدادي، الشخص المناسب.

وكان لتكتم "طالبان" عن خبر وفاة زعيمها، تداعيات خطيرة بهذا الشأن، إذ توجه بعض القياديين في "الحركة" إلى "داعش" بعدما طالبوا "الحركة" بإبداء الرأي حيال وفاة الملا عمر، أو بث تسجيل مصوّر له، كدليل على أنّه لا يزال على قيد الحياة، لكن "الحركة" لم تنفّذ طلبهم، ما أدى إلى انشقاق هؤلاء عن "الحركة"، معلنين انضمامهم إلى "داعش".

ويجد مراقبون أنّ مستقبل عملية الحوار بين الحكومة الأفغانية و"طالبان"، قد يُستأنف قريباً. ويعتبر المراقبون أنّ الأهم يكمن في دور مكتب الدوحة، والذي يمكنه القيام بدور حازم بهدف تفادي الخلافات بين مخلتف فصائل "طالبان"، لا سيما القياديين البارزين الذي تم إطلاق سراحهم نتيجة الصفقة بين "طالبان" والولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني من العام الماضي.

اقرأ أيضاً: "طالبان" تعترف بوفاة زعيمها وتبقي تخمينات الخلافة مفتوحة

المساهمون