حروب المليشيات تحيي جدلية الوحدة والانفصال في اليمن

حروب المليشيات تحيي جدلية الوحدة والانفصال في اليمن

02 سبتمبر 2015
أنصار الحراك الجنوبي يطالبون بفك الارتباط عن الشمال(فرانس برس)
+ الخط -

ما إن تم إعلان تحرير مدينة عدن جنوب اليمن من مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، قبل أسابيع، حتى عادت للواجهة مرة أخرى جدلية الوحدة والانفصال في وقت لم تضع فيه الحرب أوزارها بعد في عدد من محافظات البلاد.

اجتياح المليشيات، بمساعدة قوات المخلوع، للمحافظات الجنوبية، اعتبر من قبل الجنوبيين أنه نسخة جديدة من حرب صيف 1994 التي شنّها صالح في ذلك الحين بحجة إعادة فرض الوحدة بالقوة. وفيما لا تزال آثار حرب 1994 باقية إلى الآن، جاءت الحرب الجديدة للمليشيات والرئيس المخلوع لتعمّق حالة الانقسام الموجودة أصلاً.

اقرأ أيضاً "مقاومة" جنوب اليمن: هدف واحد ومشاريع وتسميات متعددة 

وتشتعل وسائل التواصل الاجتماعي يومياً بمئات، إن لم تكن آلاف التغريدات، لمؤيدين ومعارضين لفكرة انفصال جنوب اليمن عن شماله وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل العام 1990، عندما كان الشمال يشكل دولة "الجمهورية العربية اليمنية" والجنوب "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية".

وبينما يعتبر قطاع واسع من الجنوبيين أن حرب الحوثيين على عدن ومدن الجنوب شكّلت المسمار الأخير في نعش الوحدة اليمنية، يرى آخرون أن الحرب سياسية بامتياز هدفها فرض الحوثيين لهيمنتهم أكثر من كونها مناطقية، على اعتبار أن محافظات شمالية كمأرب وتعز لا تزال تقاوم الحوثيين حتى اللحظة.
ويحتفي مؤيدو الانفصال بكل تغريدة لمحلل أو مسؤول خليجي يذكر فيها جنوب اليمن أو يرون فيها تلميحاً إلى تأييده فكرة الانفصال، في إطار البحث عن تأييد إقليمي للقضية الجنوبية. في المقابل، لا يفرّط معسكر مؤيدي بقاء الوحدة في الإشادة بكل طرح خليجي أو عربي مؤيد لفكرتهم.
ولا تزال جميع التصريحات والبيانات المنسوبة للحكومات والمسؤولين الخليجيين تؤكد على وحدة اليمن واستقلاله، في إشارة واضحة إلى أنّ الأولوية للدول الخليجية، حتى الآن، اجتثاث خطر الحوثيين وتثبيت أمنها على الأقل في المدى القريب وليس شكل الدول اليمنية. لكن متابعين للشأن اليمني يرون أنه متى ما فشلت المساعي الرامية لتقليم أظافر مليشيات الحوثيين وتدمير قوتها، فإن الخليجيين لن يمانعوا في إقامة دولة مستقرة في جنوب اليمن تسهم في تعزيز أمن الخليج من الجهة الجنوبية على الأقل، على حد قولهم.
وبغض النظر عن الموقف الخارجي الذي سيتأثر طبعاً بتداعيات الوضع الداخلي، فإنّ العقبة الكبرى أمام المطالبين بالانفصال، خلال الـ 10 سنوات الماضية، كانت قوات الجيش والأمن الذي يدين بالولاء لصالح وبعض مشايخ القبائل. لكن بعد تحرير عدن، بدأ يتشكل جيش وأمن من أبناء المناطق الجنوبية.
ويرى مراقبون أن التحالف العشري سيحاول قدر المستطاع أن لا يكون انفصال جنوب اليمن نتيجة مباشرة لتدخله العسكري، لأن هذا الأمر ربما يحطم آماله في يمن مستقر، وخصوصاً أنّ حدوث الانفصال في ظل هذه الأوضاع ربما سيعقد من المشكلة اليمنية ولا يحلها، هذا فضلاً عن عدم رغبته في تحميله مسؤولية تقسيم البلاد.

في موازاة ذلك، يتخوف مواطنون في شمال البلاد من أن تؤدي الخطوات التي تتبعها الحكومة الشرعية من نقل المؤسسات الحيوية من صنعاء إلى عدن إلى حدوث انفصال تدريجي من خلال بناء مؤسسات الدولة في الجنوب. وكانت وثيقة مخرجات الحوار الوطني الذي اختتم أعماله في يناير/كانون الثاني 2014، قد أقرت في أهم بنودها تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم بنظام فيدرالي.

 رئيس تحرير صحيفة "عدن الغد" المحلية، فتحي بن لزرق، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ الحرب التي نشبت في اليمن أخيراً أثبتت أن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني لم تكن مجدية لحل مشاكل البلاد ولذلك اندلعت الحرب.
ويرى بن لزرق أن حل القضية اليمنية لا بد أن يكون عبر النظام الفيدرالي من إقليمين من خلال تنفيذ مشروع الفيدرالية الذي قدمه المؤتمر الوطني لأبناء الجنوب في مصر نهاية العام 2011.
ويلفت رئيس تحرير صحيفة "عدن الغد" المحلية إلى أن الوضع لا يحتمل تجزئة اليمن إلى 6 أقاليم ولا يحتمل البقاء ضمن دولة مركزية واحدة، مشيراً إلى أن فيدرالية من إقليمين ستضمن لليمن البقاء ضمن إطار دولة وسطية يمكن لها أن تستقر خلال السنوات المقبلة.
وبخصوص الموقف الإقليمي، يعتقد بن لزرق أنّ "الخليج سيقف إلى جانب الخيار السياسي الذي سيوفر الحماية الأمنية له ولمصالحه ـ وخصوصاً أنه بات مقتنعاً بضرورة إعادة تشكيل الخارطة اليمنية لكن يبقى السؤال كيف؟ وهو ما ستجيب عنه الأيام المقبلة".
من جهته يستبعد الناشط السياسي، جمال بن عطاف، أن "يترك الخليج القضية الأولى في اليمن (القضية الجنوبية) من غير حل، لأنّ هذا الأمر يعني بقاء الصراع على ما هو عليه".
ويشدد بن عطاف في حديث لـ"العربي الجديد" على "ضرورة منح الجنوب حقه في تقرير مصيره كأقل واجب أخلاقي مكفول في القوانين الدولية"، على حد قوله.
ووفقاً لبن عطاف، فإنّ التصريحات المناهضة للانفصال من بعض المسؤولين في السعودية تأتي في إطار رسائل مرحلية مؤقته لتطمين الشعب في الشمال لنجاح المعركة ضد المليشيات بشقها العسكري وليس السياسي.
أما عضو المنتدى السياسي للتنمية الديمقراطية، فهد سلطان، فيقول "إنّ اليمن لم يعد معزولاً عن محيطه الإقليمي والدولي، وبالتالي الحديث عن الانفصال في لحظات التوتر وضعف الدول على المستوى الداخلي هو نوع من العبث والهروب إلى مشاكل جديدة"، حسب وصفه.
ويستبعد سلطان في حديث لـ"العربي الجديد" حل مشكلة اليمن بالبقاء على العهد القديم أو بالسير نحو الانفصال، معتبراً أنّ "كلا الطريقين يسيران باتجاه الحرب، وإبقاء البلاد في مربع الاحتراب المحلي والإقليمي وبصورة أوسع".

ويلفت عضو المنتدى السياسي للتنمية الديمقراطية إلى أنّ "مسألة الانفصال والوحدة هي قرار الشعب، لكن في الوقت الطبيعي وليس في وقت مضطرب كالذي يحدث الآن". ووفقاً لسلطان، فإنّ "الإشكالية لم تكن في الوحدة وما كانت يوماً فيها، وإنما بالقائمين عليها في الشمال والجنوب، وبالتالي اتخاذ موقف اليوم من الوحدة على أنها كانت السبب في مشكلتنا وما وصلنا إليه هو خطأ يضاف إلى أخطاء كثيرة.
وعن الموقف الخارجي، يرى سلطان أن "المحيط الإقليمي مؤيد لبقاء اليمن موحداً وهذا شيء مهم، لكن الأهم منه حل مشكلة السلطة واستعادة الدولة من المليشيات".