المعارضة السورية تختار التوقيت الصائب لاستعادة ريف اللاذقية

المعارضة السورية تختار التوقيت الصائب لاستعادة ريف اللاذقية

19 يناير 2016
قوات موالية للنظام في بلدة سلمى (يوسف كروشان/فرانس برس)
+ الخط -
قد لا تجد فصائل المعارضة السورية أفضل من هذا التوقيت لشنّ هجوم مضاد ضدّ قوات النظام السوري وروسيا، اللذين وصلا إلى محيط بلدة ربيعة، معقل جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي، وسط مخاوف لدى النظام وحلفائه من سقوط جبال الساحل، وهو الهدف الذي تدخلت موسكو من أجل منع حصوله.


اقرأ أيضاً: المعارضة تشن هجوما معاكسا لوقف تقدم النظام بريف اللاذقية

وفي ظل حظر جوي طبيعي فرضته عوامل المناخ، وسماء سديمية وضباب خيّم على جبال الساحل، عطّل القصف الجوّي المكثف الذي شهدته الجبال على مدار الأشهر الماضية، بدأ مقاتلو المعارضة السورية، معركة تحت شعار "رص الصفوف"، ضمت معظم الفصائل، بعد إمدادات ومؤازارت وصفت بـ "الكبيرة" قدمت من إدلب وحماة، لتكون بمثابة الفرصة الأخيرة، لإنقاذ الساحل.

وبدا من اللحظة الأولى أنّ المعركة وضعت هدفاً كبيراً لإنقاذ جبال التركمان، إذ جُنّدت راجمات الصواريخ ومدافع 130، و122، و157، والدبابات والرشاشات المضادة للطائرات طراز 23، وصواريخ التاو المضادة للدبابات، في سبيل استعادة أعلى قمة في التركمان، وهي قمة جبل زاهية. ويبلغ ارتفاع الأخيرة 1154 متراً، إضافة إلى قربها الشديد من الحدود التركية (5 كيلومترات)، وإطلالها على عدد كبير من البلدات والقرى التركمانية المحرّرة، في المقدّمة بلدة ربيعة، التي كان يتطلع النظام السوري لحصارها ثم الدخول إليها، في سبيل تكرار سيناريو سلمى.

وجاء التحوّل الأهم في معارك الساحل انتقال المعارضة من الدفاع إلى الهجوم، اذ بدأت المعركة من عدّة اتجاهات، في سبيل السيطرة على القمة وتأمين محيط بلدة ربيعة، سرعان ما سيطر مقاتلو المعارضة على إثرها على قرية عطيرة شمالي جبل زاهية، بعد السيطرة على التلال والمدرسة، ثم بيت أبلق من الجهة الغربية، بهدف فك الحصار عن البلدة.

وأكّد قائد لواء "النصر"، أبو زيد الجبلاوي "وصول قوات كبيرة من إدلب"، مشيراً إلى أن "العمل جار لاستعادة قمة جبل زاهية، حيث جرت السيطرة على مدرسة عطيرة وتلالها، إضافة إلى تب الزيتون، وهناك خسائر كبيرة للنظام في المعركة، التي ستستمر حتى تحقيق أهدافها". ويتبع قائد لواء "النصر"، "الفرقة الساحلية الأولى"، وهي من أقوى فصائل المعارضة في ريف اللاذقية، والمرابط على محاور بلدة ربيعة.

ولفت الجبلاوي في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "عامل الطقس سمح بتحييد القصف الجوي، وأتاح لمقاتلي المعارضة فرصة مهمة لاستعادة المواقع التي خسروها"، مشيراً إلى "هبوط كبير في معنويات النظام ومليشيات الدفاع الوطني".

اقرأ أيضاً: "قلعة" التركمان في الساحل السوري.. هل يتكرر سيناريو سلمى؟ 

وكان "مجلس شورى أهل العلم في الشام" قد دعا قبل ثلاثة أيام في بيان إلى "نصرة المجاهدين في الساحل، وعدم ترك الجبال والتلال الحصينة للعدو"، مقرّاً بضرورة "نصرة المستضعفين المسلمين في الساحل السوري في ظل الهجمة الشرسة من النظام ومن وراءها"، مطالباً جميع الفصائل على الأرض بالتكاتف والتعاون لـ"دفع صائل هذا المجرم الكافر". ولم ينكر إعلام النظام السوري هجوم المعارضة في الساحل، رغم أنه حاول التخفيف من وطأته.

كيفية تفادي الطيران

وحول الاستفادة من المؤازرات والحظر الجوي الطبيعي، واتباع التكتيك الأنسب لاستعادة ما خسرته فصائل المعارضة، رأى نائب قائد "الجيش السوري الحر" السابق، العقيد مالك كردي، أنه "في ظل التفوق الجوي المطلق لقوات الاحتلال الروسي وسياسة الأرض المحروقة، التي تنتهجها، وتأمين غطاء ناري كثيف للقوات الغازية من العصابات الطائفية الأسدية ومن معها من حزب اللات أو المليشيات الشيعية والعصابات الدولية، من الصعب المحال على القوى المسلحة الثورية مواجهتها، بل إن الإصرار على أسلوب المواجهة والتحرير واستعادة الأرض بالهجوم يكلف الكثير في الرجال والسلاح والعتاد مع احتمالات ضعيفة لتحقيق تقدّم"، حدّ تعبيره.

وأشار العقيد كردي، في حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى أن "الأسلوب الأمثل هو التحرك والعمل خلف القوات الغازية وضربها من الخلف وعلى الجوانب، والعمل في مجموعات صغيرة لا تتجاوز الخمسة عناصر، وهذا يحيد الطيران ويحقق عنصر المفاجأة" مبيّناً أن "الطبيعة الجبلية في الساحل تسمح بهذا النوع من الأعمال شريطة دراسة الأرض جيداً، ومكوث المقاتلين فيها الوقت الكافي للتعرف الجيد على منطقة الأعمال القتالية".

وأكّد القيادي العسكري المتحدر من مدينة الحفة، القريبة من مواقع المواجهات، أن "الأولوية تكمن في إجهاض قدرات العدو في المنطقة الساحلية واستنزافه واستعادة السيطرة لاحقاً على المناطق التي فقدتها قوى الثورة، خصوصاً بلدة سلمى الاستراتيجية"، لافتاً إلى أن "تطوير العمل المسلّح باتجاه بلدة صلنفة، يبقى الهدف الاستراتيجي في مسرح الأعمال القتالية، والذي أرى أنه في حال سيطرة الثوار عليها (صلنفة)، سيكون ذلك بداية نهاية المرحلة الأخيرة في الثورة السورية وطرد الغزاة المحتلين وإسقاط نظام الظلم والاستبداد".

وأوضح المصدر نفسه أن "إحراز أي نصر في الساحل مرهون بالإمدادات العسكرية لهذه الجبهة، والتي لا تزال مقننة. إضافة إلى أن قناعة الثوار يجب أن تتبدل وتتحرك لنقل المعركة إلى أرض العدو لاستنزافه والتأثير على حاضنته، وعليهم أن يتوقفوا عن القتال العبثي خلف اللحى والانتقال الجريء إلى العمل المنظم والإصغاء إلى الخبراء والقبول المطلق بالقيادات الاختصاصية العسكرية الفعلية".

ورغم المؤازرات وعامل الطقس الذي خدم مقاتلي المعارضة في المعركة، إلا أن المؤشرات تدل على أن المواجهات ستكون طويلة، في ظل المعاهدة الأخيرة التي كُشفت بين روسيا والنظام السوري، والتي لا تحدد فترة نهائية للوجود الروسي في سورية، وتوفر للجنود الروس حصانة كاملة وإعفاءات ضريبية ومزايا أخرى متعددة.

وبموجب المعاهدة، تحصل القوات الجوية الروسية على حق نشر جنودها ومعداتها وطائراتها ومقاتلاتها على الأراضي السورية. وتقدم لها الحكومة السورية قاعدة جوية في محافظة اللاذقية مع بنيتها التحتية، فضلاً عن مواقع أخرى، متفق عليها بين الطرفين. وتنص المعاهدة على أن مهمة القوات الروسية دفاعية لا هجومية، وأن الغرض من وجودها هو تحقيق الاستقرار في المنطقة، ما يعني أن روسيا سترمي بكل ثقلها، خصوصاً في الساحل السوري، لإبعاد الخطر الأكبر والأول على النظام السوري.

المساهمون