شهيد تونسي بدماء فلسطينية

شهيد تونسي بدماء فلسطينية

19 ديسمبر 2016
كان الزواري هادئاً وبعيداً عن المعارك الداخلية (موقع القسام)
+ الخط -


سيكون من حق التونسيين أن يفخروا مرة أخرى، بعدما قدّمواً شهيداً آخر من أجل فلسطين، في سلسلة شهادات مزجت على امتداد عقود بين الدم الفلسطيني والدم التونسي. وعلى الرغم من أن القضية تخفُت بين الحين والآخر بسبب الهموم اليومية المستجدة، إلا أن فلسطين بقيت قضية تجمع التونسيين دائماً، تعلو بهم فوق صراعاتهم ويتعاملون معها بقدسية آلية لم تفتر على مدى السنين، على الأقل عند عامة الشعب.
بالكاد خرج عشرات لتشييع الشهيد المهندس محمد الزواري، في حالة من الغموض تلف عملية اغتياله، وهو الهادئ، الخلوق، الذي لا يزعج أحداً، والبعيد عن كل سياسة. ولكن تبيّن اليوم أنه اختار قضيته المقدسة وتعالى عن كل المعارك الداخلية. وبمجرد أن أكدت "كتائب القسّام" أن الشهيد هو واحد من أبطالها، تغيّر كل شيء، واهتزت الشوارع التونسية بالفخر، وطالبت الأحزاب بجنازة وطنية للشهيد. ستخرج تظاهرات تزفّ شهيدها، وتعيد البوصلة السياسية إلى اتجاهها الحقيقي.
غير أن هذه المشاعر لا تُخفي في المقابل جملة من الأسئلة الهامة، يتعلق بعضها بالأمن القومي وبعضها بالموقف السياسي. فعملية الاغتيال، تُوجّه الاتهامات لمجموعة من التونسيين أيضاً بالمشاركة في الجريمة، بانتظار استكمال التحقيقات طبعاً، وتكشف أن البلاد ليست بمعزل عن عمليات مماثلة، ما يستوجب يقظة أمنية واستخباراتية أكبر، لأن الجهات الخارجية التي تريد إحباط النجاح التونسي كثيرة، وتترصد أية نقطة ضعف لضرب التجربة من خلالها.
وسيكون أيضاً على الحكومة التونسية أن تكون صارمة في موقفها السياسي من العملية. وربما يتذكر الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، سليل مدرسة الحبيب بورقيبة، أن هذا الأخير كان أول من نجح في إدانة إسرائيل أممياً، وأنه طرد السفير الأميركي من قصره، وهدد بقطع العلاقات مع أميركا، وكان السبسي وقتها يدير تلك المعركة بنفسه في الساحة الأممية، فكيف بالأمر اليوم وتونس بلد ثورة وحرية وكرامة؟
لقد تفاجأ التونسيون أن بين ظهرانيهم واحداً منهم، يسير في شوارعهم كأيّ كان، صامتاً لا يكلم أحداً ويسخّر كل وقته لتعليم الأطفال كيف يصنعون طائرة، وكيف يسيّرونها، ولكنه في الحقيقة بطل من طينة الأبطال الكبار. ولعله سيكون على إسرائيل أن تغتال أيضاً كل الذين علّمهم الزواري، ومرّر إليهم المشعل، لتبقى القضية حيّة أبداً في قلوبهم، وربما يطلع منهم واحد يدير معركة أخرى مع العدو.