استراتيجية جديدة للموصل: إدارة المعركة ومسك الأرض بشكل متواز

استراتيجية جديدة للموصل: إدارة المعركة ومسك الأرض بشكل متواز

27 فبراير 2017
حرب شوارع بين القوات العراقية و"داعش" (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
لليوم الثامن على التوالي، واصلت القوات العراقية المقاتلة في الساحل الأيمن للموصل تقدّمها المستمر نحو مركز المدينة، مع استمرار الاشتباكات المتقطعة مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي بدأ يفقد خطوط إمداده في المحور الجنوبي للساحل، في وقت بدت فيه السيطرة واضحة لطيران التحالف الدولي على الموقف الميداني مع كثافة ضرباته المستمرة وتحقيق أهدافه بتقطيع أوصال التنظيم، ما منح القوات العراقية فرصة التقدّم السريع.
ومع تدفق القطعات العراقية نحو الساحل، سارعت الحكومة إلى سد الفراغ الأمني في الساحل الأيسر الذي تم تحريره قبل أكثر من شهر، وعيّنت قائد القوات البرية الفريق الركن رياض جلال، مسؤولاً عن الملفين الأمني والخدمي، وضمّت القطعات تحت سيطرته، لإدارة الملف ومنع تنظيم "داعش" من العودة إلى الساحل، الأمر الذي لاقى ترحيباً من أهالي الموصل، خصوصاً أنّ جلال من أبناء محافظتهم. ويُعدّ التنسيق في إدارة دفتي المعركة ومسك الأرض في المناطق المحرّرة، غير مسبوق في المعارك السابقة التي شهدتها محافظتا الأنبار وصلاح الدين، الأمر الذي عدّه مراقبون استراتيجية مترابطة للسيطرة على جانبي الموصل.
وقال ضابط في قيادة عمليات نينوى، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الواقع الميداني في المناطق السكنية التي تحرّكت لتحريرها القطعات العراقية وفرضت عليها واقعاً جديداً، تمثّل بتجريدها (القطعات) من الأسلحة الثقيلة بسبب وجود المدنيين، الأمر الذي حتّم على هذه القوات خوض حرب شوارع دقيقة بأغلب المناطق، عدا المناطق المفتوحة التي أمكن استخدام السلاح الثقيل فيها".
وأوضح أنّ "قوات مكافحة الإرهاب تمكّنت بعد اشتباكات وقتال شوارع مع داعش من السيطرة على حي المأمون"، لافتاً إلى أنّ "أغلب عناصر داعش اضطروا للانسحاب من البلدة، التي استمرت فيها عمليات التطهير من بقايا التنظيم ومن العبوات الناسفة". وأضاف أنّ "قوات الشرطة الاتحادية قامت بعملية التفاف غير متوقعة على حي الطيران، وتمكّنت من اقتحامه، واصطدمت بعناصر داعش فيه"، لافتاً إلى أنّ "داعش فوجئ بالقوات العراقية وخاض معها حرب شوارع داخل أزقة الحي، وقد انحسر وجود داعش بعد أن سيطرت القوات على مساحات كبيرة من الحي".
وأشار إلى أنّ "القتال مستمر في حي الجوسق الساحلي، والذي اندفعت القطعات بعمقه واقتربت من الجسر الرابع الذي يمثّل نقطة وهدفاً مهماً للقوات العراقية، بينما تواصل قوات مكافحة الإرهاب قتالها قرب مدخل بلدة وادي حجر". ولفت إلى أنّ "داعش لجأ إلى أسلوب القصف البعيد بالمدافع والصواريخ على القطعات المتقدّمة، بعد أن فقد زمام الهجمات المباشرة بسبب كثافة الغطاء الجوي للقوات المتقدّمة". وتحاول القوات العراقية فرض سيطرتها الكاملة على المحور الجنوبي للساحل الأيمن كمرحلة أولى، ومن ثم الانتقال إلى المرحلة الثانية، وهي الأصعب والتي ستكون داخل المدينة القديمة التي يتحصّن فيها التنظيم.


في الأثناء، ومع تدفق القوات العراقية من الساحل الأيسر باتجاه الأيمن، وخوفاً من الفراغ الأمني في المناطق المحرّرة، بادرت الحكومة إلى تعيين قائد القوة البرية العراقية الفريق الركن رياض جلال، كمسؤول أمني لتأمين المناطق المحرّرة في الساحل الأيسر المحرّر. وقالت وزارة الدفاع العراقية، في بيان صحافي، إنّ "جلال تولى مسؤولية الملف الأمني والخدمي للجانب الأيسر لمدينة الموصل، وعقد اجتماعاً في مقر قيادة فرقة المشاة السادسة عشر"، مبينة أن "الاجتماع الذي حضره عدد من القادة والمسؤولين الأمنيين، ناقش الوضع الأمني، وكيفية النهوض بالواقع الأمني والخدمي خدمةً للمواطنين".
وأكد مسؤول محلي لـ"العربي الجديد"، أنّ "الفريق جلال ارتبط بشكل مباشر مع القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي، ويتمتع بصلاحيات تتجاوز صلاحيات قيادة العمليات"، لافتاً إلى أن "لديه صلاحيات نقل ومنع تنقل القطعات من منطقة إلى أخرى داخل نطاق سيطرته، كما له صلاحيات شنّ عمليات عسكرية أين ما يرى ضرورة في الساحل الشرقي". وأكد أنّه "سيقوم بمهام الانفتاح على أهالي المحافظة والتنسيق مع شيوخها وعشائرها لحفظ الأمن في الساحل".
في غضون ذلك، أنهى 2500 عنصر من الشرطة المحلية في الساحل الشرقي للموصل دورة تدريبيّة استعداداً لإمساك الأرض في الساحل. وقالت النائبة عن المحافظة، انتصار الجبوري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هؤلاء العناصر من أبناء الموصل تلقوا تدريبات على أصناف القتال المختلفة، واستخدام الأسلحة المتنوعة، على يد مدربي التحالف الدولي"، مبينة أنّ "العناصر سيتم زجهم ضمن عناصر الشرطة المحلية الأخرى ليكونوا ضمن القوات التي ستتولّى مهام مسك الملف الأمني في الساحل الشرقي".
من جهته، رأى الخبير العسكري عبد الواحد المفرجي، أن "تعيين الفريق جلال بالتزامن مع انطلاق عمليات تحرير الموصل، يؤشّر إلى وجود استراتيجية موحّدة لتحرير وتأمين محافظة الموصل بالكامل". وقال المفرجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "استراتيجية الحكومة في الموصل اختلفت تماماً عن استراتيجيتها في المحافظات السابقة (الأنبار وصلاح الدين)"، مضيفاً: "يبدو أن الحكومة عزمت على السيطرة الكاملة على الموصل، من دون ترك ثغرات، لأنّ تعيين جلال مسؤولاً أمنياً للساحل الأيسر يعني تأمين المناطق المحرّرة وتنسيق التحركات العسكرية، والسيطرة على كافة التشكيلات العسكرية".
وأشار إلى أنّ "ذلك سيصب في صالح الملف الأمني والسياسي للمحافظة بشكل عام، وسيقطع أمل داعش بالعودة إليها، خصوصاً أنّ جلال من أبناء المحافظة ويحظى بتأييد أهلها"، مؤكداً أنّ "أهالي الموصل متفائلون بهذه الخطوة ويأملون ويثنون عليها".
يشار إلى أنّ تولّي الفريق جلال لمهامه (وهو من أهالي الموصل)، جاء بعد تحرّك القطعات العسكرية نحو الساحل الأيمن للموصل، وحرصاً على ألا يكون هناك فراغ أمني في الساحل الأيسر المحرّر.