تفاهمات عراقية سورية: تفويض عسكري لبغداد بالمناطق الحدودية

31 ديسمبر 2018
ملف الحدود أساسي للطرفين (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

أنهى مستشار الأمن الوطني العراقي، رئيس "هيئة الحشد الشعبي"، فالح الفياض، زيارة استغرقت يوماً واحداً إلى دمشق، التقى خلالها رئيس النظام السوري بشار الأسد ومسؤولين بارزين في النظام. وأكدت مصادر رفيعة في بغداد لـ"العربي الجديد"، أن "الزيارة تناولت ملفات عدة، مرتبطة بالأعمال العسكرية على الحدود السورية ـ العراقية". كما دفعت الزيارة، مراقبين وسياسيين عراقيين إلى التساؤل عما إذا كانت بمثابة إعلان عن ملامح سياسة الحكومة العراقية الجديدة.

التواصل الأول للحكومة العراقية الجديدة، برئاسة عادل المهدي مع نظام الأسد جاء بعد سنوات من علاقة وصفت بـ"المترددة" بين النظام في دمشق والحكومة السابقة بقيادة حيدر العبادي، التي أعلنت في أكثر من مناسبة عدم مسؤوليتها عن المليشيات العراقية المقاتلة إلى جانب النظام، وتورّطت في جرائم مروّعة بحق الشعب السوري هناك".

وزار الفياض دمشق، مساء السبت، حاملاً رسالة نصية من عبد المهدي، تمحورت حول "تطوير العلاقات بين البلدين وأهمية استمرار التنسيق بينهما على الأصعدة كافة، تحديداً في ما يتعلق بمحاربة الإرهاب والتعاون القائم بهذا الخصوص، ولا سيما عند الحدود بين الدولتين"، حسبما أوردته وسائل إعلام تابعة للنظام السوري ووكالات أنباء عراقية محلية. وأكدت الوسائل بأن "الأسد رحّب بالعلاقات الجيدة مع العراق والتعاون القائم في مجال مكافحة الإرهاب".

وأمس الأحد قال مسؤول رفيع في بغداد لـ"العربي الجديد"، إن "الزيارة أمنية بالدرجة الأولى"، لافتاً إلى أنه "تمّ التباحث بملف الحدود بين العراق وسورية وشكوى القوات العراقية من عدم التعاون الجدي من قبل قوات النظام السوري في مجال رصد وضرب تحركات داعش قبل وصولها للحدود، إضافة إلى مناقشة موضوع فتح المعبر الحدودي بين البلدين (الوليد) والمعروف أيضاً باسم معبر (التنف)، فضلاً عن ملف الانسحاب الأميركي من شرق سورية وشمال شرقها، وخطط النظام إزاء ملء الفراغ".

وأضاف المسؤول أنه "سيُصار إلى تنسيق كامل بخصوص الحدود والمناطق والبلدات الحدودية، ونظام الأسد أبدى تأييده للضربات العراقية الجوية والمدفعية المتكررة داخل الأراضي السورية، أو حتى المعالجات التي تجري ضد جيوب مسلّحة من قبل قوات عراقية داخل أراض سورية حدودية، وهو بمثابة تفويض منه (الأسد)".

وحول التطبيع السياسي قال "لم يتوقف يوماً، لكنه مرّ بمرحلة فتورٍ في حكومة حيدر العبادي السابقة، الذي كان مجاملاً للجانب الأميركي"، معتبراً أن "الوجود الإماراتي والبحريني في دمشق، لا يعطي مبرراً للسؤال عن وجود العراقيين فيها".



وفي السنوات الثلاث الأخيرة سعى العبادي إلى البقاء في منطقة رمادية غير واضحة إزاء علاقته مع نظام الأسد، رغم نشاط سفارتي البلدين وعدم توقف اللقاءات والزيارات، خصوصاً بعد المجازر التي وقعت في مناطق متفرقة من سورية، على يد قوات النظام وصدور تقارير عن تورط مليشيات عراقية (بدر، والنجباء، والعصائب، وحزب الله العراقي وفصائل أخرى) في مساندة قوات الأسد. ونفت الحكومة مسؤوليتها عمن يقاتل هناك عبر وزير خارجيتها آنذاك إبراهيم الجعفري.

وشهد نهاية عام 2017 رفض العبادي إعلان قادة في "الحشد الشعبي"، التوجه للقتال في سورية، وكان أبرزها دعوة رئيس منظمة "بدر" هادي العامري، وزعيم مليشيا "العصائب" قيس الخزعلي. واعتبر العبادي أن "مهمة القوات العراقية بمختلف أشكالها داخل حدود العراق فقط". وأكد أن "أي جهة عراقية تقاتل في سورية لا تمثل العراق، ولا أريد لبلادي المشاركة بصراعات إقليمية، ولا بالقتال خارج الحدود، ولا زعزعة أمن الدول. الدستور العراقي لا يسمح بذلك". وهو ما تسبّب باستياء بعض قادة "الحشد" الموالين لإيران، بالإضافة إلى بروز توتر سياسي انتهى مع نهاية حكومة العبادي.

في هذا السياق، قال عضو الحزب الشيوعي العراقي، وليد النجار، إن "عبد المهدي كان قد وعد الكيانات السياسية والبرلمان ببدء خطته السياسية والخارجية بعد ترميم وضعه الداخلي، أي ما يرتبط بتشكيل الحكومة، لمباشرة مشروعه بعد الموافقة على الأسماء التي يطرحها للبرلمان". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "رئيس الوزراء اعتمد في حركته هذه على رأي تحالف البناء، الذي يقترب كثيراً من إيران"، واصفاً عبد المهدي بأنه "مستمع جيد لـ(قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني) قاسم سليماني، الذي يحاول جمع العراق بسورية لأهداف إيرانية، ليس للعراق أي فائدة منها".

من جهته، رأى عضو تحالف "الفتح" عبد الرحمن الفكيكي، أن "زيارة الفياض دمشق أمر طبيعي، فهو المكلف منذ سنوات بإدارة الملف السوري – العراقي الأمني، وهذه ليست الزيارة الأولى التي يجريها الفياض للأسد ولن تكون الأخيرة". ولفت في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "العلاقات العراقية ــ السورية جيدة، حتى أن التوتر الذي شهدته العلاقة في حكومة العبادي، كان بسبب الضغوط الأميركية والبريطانية على الأخيرة، وبسبب الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، الذي أجبر كل الحكومة على عدم التعاطي مع أي ملف آخر غير الحرب على الإرهاب. وهناك تنسيق كبير بين البلدين خصوصاً في الملف الأمني، وقد نفذ العراق أخيراً ضربات جوية داخل الأراضي السورية، بعلم دمشق وموافقتها، وهذا دليل على الثقة بين البلدين".

من جهته، قال الخبير فلاح الربيعي، لـ"العربي الجديد"، إن "الزيارة بداية تدشين التواصل المباشر بين الحكومة العراقية الجديدة والنظام السوري، وإن لم تنقطع في السابق، لكنها الآن باتت علنية وأكثر وضوحا". وأبدى اعتقاده بأن "بين الطرفين الكثير مما يجب مناقشته، وهناك طرف ثالث وهو إيران، التي تريد زيادة التعاون بين الجانبين لأسباب واضحة بالتأكيد"، معرباً عن رأيه بأن "الحشد الشعبي سيكون له دور أوضح أيضاً داخل سورية في الفترة المقبلة، خصوصاً المناطق الحدودية مع العراق". ورأى أن "الحديث عن أن العراق يمكن أن يلعب دوراً في وساطات أو مبادرات مقبلة بين النظام والمحيط العربي أو حتى العالمي، غير صحيحة وتحليل ساذج، ذلك لأن الإمارات والبحرين ودول أخرى أعادت سفاراتها، ولم تعد هناك حاجة للدور العراقي".