الصحافة الإسرائيلية تبرز إنجاز الموساد وتقلل من وثائق نتنياهو

الصحافة الإسرائيلية تبرز إنجاز الموساد وتقلل من قيمة وثائق نتنياهو

القدس المحتلة

نضال محمد وتد

نضال محمد وتد
01 مايو 2018
+ الخط -
يبدو أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، أخطأ الهدف الذي سعى إلى تحقيقه أمس الإثنين، من خلال المؤتمر الصحافي الذي عرض فيه ما وصفه بأنه "نصف طن من الوثائق والمستندات" التي تثبت "كذب إيران في كل ما يتعلق بمشروعها وتطلعاتها النووية". فنتنياهو، الذي حرص على "إخراج المؤتمر الصحافي" الخاص، بعدما ألغى خطابه التقليدي أمام الدورة الصيفية للكنيست، لم يحصد ثناءً كبيراً من الصحافة الإسرائيلية، وإن كان ضمن لنفسه تغطية دولية ومحلية نادرة، بفعل الترويج المسبق عبر المتحدثين بلسانه، بأنه سيقدم أدلة جديدة.

وتعاملت الصحف الإسرائيلية صباح اليوم مع ما عرضه نتنياهو تعاملاً مزدوجاً، فقد أثنت وأبرزت ما اعتبرته "إنجازاً هائلاً" للموساد الإسرائيلي، وقدرته في الوصول إلى الأرشيف النووي لإيران، من جهة، معتبرة أن ذلك يعزز ردعاً إسرائيلياً لإيران، لكنها في المقابل تحدثت أيضاً عن "كل الضجة التي أثارها نتنياهو أمس، بما في ذلك خلق أجواء دراماتيكية، وكأن إسرائيل على وشك إعلان حالة حرب، من خلال الدعوة لجلسة طارئة لمجلس الكابينت السياسي والأمني ظُهر أمس عبر الهاتف، مروراً بإلغاء خطابه التقليدي أمام الكنيست، ودفع لجنة الخارجية والأمن لإنهاء إجراءات تمرير تعديل قانون أساس الحكومة، بحيث يخول الكابينت السياسي والأمني صلاحيات إعلان حالة الحرب أو شنّ حملات عسكرية، بشرط حضور نصف أعضاء المجلس، أو في حالة تعذر ذلك، وتحت ظروف طارئة، تخويل رئيس الحكومة ووزير الأمن صلاحية إصدار هذا الإعلان واتخاذ القرار، وهي أجواء دفعت أمس بالمعارضة الإسرائيلية وتحت ذريعة الأوضاع الطارئة إلى سحب اقتراحاتها لحجب الثقة عن الحكومة (باستثناء "القائمة المشتركة" وحزب "ميرتس" اليساري).

وقبل الخوض في ما نشرته الصحافة الإسرائيلية في أعدادها الصادرة صباح اليوم، تنبغي الإشارة إلى أن عدداً من المراسلين السياسيين والعسكريين في القنوات المختلفة شككوا أمس بتغريدات متواترة على "تويتر" في أن يقدم نتنياهو معلومات جديدة، وأوضحوا "أننا قد نكون أمام مناورة سياسية لدوافع داخلية تتعلق بحسابات نتنياهو الانتخابية".

ومن التحليلات الرئيسية في صحيفة "هآرتس"، يصف المراسل للشؤون الحزبية، يوسي فيرتير، ما حدث بأنه "عرض بامتياز، استغل فيه نتنياهو المعلومات الاستخبارية، ووظفها في تقديم عرض لا يملك أي سياسي آخر في إسرائيل القدرة على تقديمه"، لافتاً إلى أن نتنياهو "لم يقدم دليلاً" على أن إيران  تخرق الاتفاق النووي منذ توقيعه قبل ثلاثة أعوام.

وهذه هي العبارة الرئيسية التي كررها غالبية المحللين في الصحف الإسرائيلية، باستثناء محللي "يسرائيل هيوم" الموالية لنتنياهو كلياً.

واعتبر عاموس هرئيل، محلل الشؤون العسكرية في "هآرتس"، على سبيل المثال، أن المواجهة بين إسرائيل وإيران دخلت اليوم فصلاً جديداً يدمج بين أبعاد عدة: عسكري واستخباري ودبلوماسي ودعائي، لافتاً إلى أن نتنياهو كشف أمس الأرشيف النووي لإيران، فيما كانت مواقع عسكرية إيرانية تعرضت قبل ذلك بأقل من يوم لقصف تم نسبه مجدداً لإسرائيل.

وبحسب عاموس هرئيل، فإن نتنياهو يخوض معركة يرغب من ورائها تحقيق هدفين منفصلين عن بعضهما البعض. فعلى مستوى الحلبة الدولية، هو يحاول منح دونالد ترامب دفعة صغيرة أخرى باتجاه إعلان أميركي للانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، أما على المستوى السوري، فإن نتنياهو يسعى لإظهار أن إسرائيل مصممة أكثر من أي وقت مضى على منع تمركز قوات إيرانية في سورية، وهو يعتقد أن الوضع السائد حالياً، والتوتر والترقب الإيراني لقرار ترامب في 12 مايو، سيصعب على إيران شنّ هجوم ضد إسرائيل أو ضد أهداف إسرائيلية رداً على ذلك.

في المقابل، أبرز محلل الشؤون الدولية والأميركية، أنشيل ببير، أن عرض نتنياهو يفتقر إلى معطى أساسي وحيد – تواريخ ومواعيد، إذ يقول إن المواد التي تمّ طرحها  تثبت أن إيران، خلافاً لادعاءاتها، طورت سلاحاً نووياً، لكن هذا كله سبق وتمّ نشره واستعراضه في التقرير الرسمي للوكالة الدولية للطاقة الذرية في العام 2011. عدا عن ذلك، بحسب ببير، فإن نتنياهو لم يقدم أي دليل على أن إيران عملت منذ توقيعها على الاتفاق النووي مع الدول الغربية قبل ثلاث سنوات في مجال تطوير السلاح النووي. وهو يقول إنه "لو كان نتنياهو حصل على دليل كهذا لكان أبرز ذلك بشكل لافت للنظر. صحيح أنه يمكن الافتراض أن إيران لا تواصل فقط المحافظة على الخبرات التي راكمتها على شكل أرشيف، وإنما أيضاً تواصل تطوير هذه الخبرات سراً، لكن مرة أخرى يجب القول إنه لا يوجد دليل يثبت ذلك". 

ويوضح بيبر أن نتنياهو يواجه مشاكل كثيرة، لكن أبرزها مشكلته مع القرار الذي يفترض أن يعلنه ترامب، وهو يدرك أن ترامب لا يملك القدرة البلاغية والخطابية اللازمة، وأنه آخر شخص في العالم يمكنه أن يشرح أن ما جاء في وثيقة من 164 صفحة (الاتفاق النووي) وتم التوصل إليه بعد سنين من العمل المضني هو اتفاق غير جيد. ولا يُسقط بيبر احتمال أن يكون كل العرض الاستعراضي الذي قدمه نتنياهو موجهاً بالأساس للناخبين الإسرائيليين، الذين بدأوا على الأقل، وفق الاستطلاعات الأخيرة، يتركون حزب "الليكود" والأحزاب التي تدور في فلكه، وبالتالي فقد كان الهدف الرئيسي للمؤتمر الصحافي أمس استعادة هؤلاء المصوتين.

وفي "يديعوت أحرونوت"، كتب ناحوم برنيع أنه إلى جانب التهنئة على الإنجاز الكبير للموساد، وعلى العرض الممتاز الذي قدمه نتنياهو، فإن المؤتمر الصحافي الذي عقد أمس لم يفاجئنا نحن الإسرائيليين بشأن كون الإيرانيين يكذبون، ولا هو شكّل مفاجأة لزعماء أوروبا وروسيا والصين وإدارة (الرئيس الأميركي السابق باراك) أوباما، فكلهم افترضوا أن زعماء إيران يكذبون، لكن المؤتمر مع ذلك يساهم في المعركة الدعائية التي تخوضها إسرائيل ضد إيران.

أما  المحلل العسكري لـ"يديعوت"، أليكس فيشمان، فأبرز بدوره أن مؤتمر نتنياهو لم يقدم "الدليل الذهبي" المطلوب على أن إيران تواصل نشاطها لبناء قوة نووية. في المقابل، فإن الرسالة الأخرى الأهم التي صدرت عن مؤتمر نتنياهو، وكانت موجهة للإسرائيليين وللإيرانيين وللعالم كله، فهي أن للموساد الإسرائيلي قدرات ميدانية خارجة عن المألوف، فالوصول إلى الأرشيف النووي الإيراني وجلب نصف طن من الوثائق منه من قلب طهران إلى إسرائيل، هو إنجاز من الخيال، وعند هذا الحد تنتهي الدراما في مؤتمر نتنياهو.

أما رون بن يشاي، محلل الشؤون الأمنية في موقع "واينت"، الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، فأقر هو الآخر أن نتنياهو "لم يقدم مسدساً يتصاعد منه الدخان" دليلاً على أن إيران تسعى للحصول على قنبلة نووية، لكن ما كشفه "الموساد" يشكل عامل ردع استراتيجي لإيران يبعد الحرب، خاصة عندما تبين أن دولة تبعد عنها نحو ألف كيلومتر قادرة على أن تسرق من أراضيها الأرشيف الأكثر سرية لديها، وهذا يعني أنه لا يمكن لإيران أن تشعر بالاطمئنان. وبعدما تمكنت إسرائيل من  كشف الأكاذيب الفظة، سيكون على ترامب وشركائه أن يقدموا اتفاقاً معدلاً أو العودة إلى نظام العقوبات.

سرقة الأرشيف النووي الإيراني هي ضربة، بحسب بن يشاي، لهيبة نظام إيران، وضربة أيضاً لصورة وسمعة "الحرس الثوري الإيراني" المسؤول عن خطط الذرة الإيرانية والأرشيف، وبالتالي إذا كان هذا "الحرس" غير قادر على حماية وحراسة الأرشيف النووي، والذي يحوي مواد هائلة خطيرة، فهو على ما يبدو أقل تهديداً مما كان الاعتقاد السائد بحقه، وهذا ما عرفه اليوم مواطنو إيران، وهو أمر يشكل على نحو غير مباشر تهديداً لبقاء النظام.

ويصل بن يشاي إلى الاستنتاج بأنه "بالرغم من أن مشروع إيران الصاروخي ليس جزءاً من الاتفاق النووي، فإنه ينبغي الآن فرض رقابة على هذا المشروع، وإذا رفضت إيران ذلك، يجب العودة لفرض العقوبات عليها".

وفي "معاريف"، سعى بن كاسبيت، المعروف بمواقفه المناهضة لنتنياهو، والذي يركز في نشاطه الإعلامي على مهاجمة نتنياهو باستمرار، إلى إبراز جانب الظهور الإعلامي لنتنياهو حتى في قضايا النووي، وإتقان رئيس الوزراء الإسرائيلي لهذا الجانب، لدرجة بدا فيها نتنياهو أمس وهو يتجول مع عرضه النووي، كمن ولد في قلب مفاعل ذري ورضع اليورانيوم من أجهزة الطرد، وكان من حظنا أن مشاكل الصوت الفنية في مستهل خطابه ذكرت نتنياهو بأننا ما زلنا نعيش في الشرق الأوسط.

ومضى بن كاسبيت في محاولة التقليل من أهمية مؤتمر نتنياهو، ليركز على حب الأخير للظهور قائلاً: مع ذلك، بدا وكأن نتنياهو يتمتع ويتلذذ من كل لحظة سخريته من الظهور الإعلامي ، مشيراً إلى أن عقيلته تعلن باستمرار أنه لو كان ولد في الولايات المتحدة، لكان انتخب رئيساً للولايات المتحدة كلها، ولكان رئيس النصف الغربي من الكرة الأرضية. وهو خط لا يتوقف بن كاسبيت عن ترديده في كل ما يتعلق بتعليقاته وتحليلاته المرتبطة بنتنياهو وسياساته.

مع ذلك، يقر بن كاسبيت أن المؤتمر الصحافي لنتنياهو وضع العالم كله أمام حقيقة المشروع الذري الإيراني كما تنعكس في الوثائق الرسمية الإيرانية، وهو أمر له أهمية لا يمكن الاستهانة بها، إلا أنه لا يشكل عاملاً قادراً على تغيير اللعبة أو قواعدها، وفي الواقع، فإن نتنياهو وترامب ليسا بحاجة لعامل كهذا. من يحتاج ذلك هو الطرف الآخر، لأن نتنياهو وترامب متفقان في ما بينهما، وينسقان مواقفهما في هذا الباب، وما فعله نتنياهو أمس هو تزويد الرئيس الأميركي بدفع يبرر ما يفترض بترامب أن يقوم به في 12 مايو (إلغاء الاتفاق النووي) وفي طريقه نحو تحقيق ذلك، يجني نتنياهو ويكسب مقاعد ونقاطا إضافية عدة، في الجبهة الداخلية.. 

 

ذات صلة

الصورة
اعتصام طلاب جامعة ساسكس تضامناً مع غزة - بريطانيا - 13 مايو 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

أقام عشرات من طلاب جامعة ساسكس البريطانية مخيّماً واعتصاماً مفتوحاً فيها، تضامناً مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وسط الحرب الإسرائيلية المتواصلة عليه.
الصورة
أكاديميون يناصرون غزة في جامعة "جورج تاون" (العربي الجديد)

مجتمع

يعرب أكاديميون يشاركون في التظاهرات الداعمة لقطاع غزة والمناهضة للدعم الأميركي لإسرائيل عن قلقهم من تراجع حرية التعبير في الجامعات.
الصورة

مجتمع

أعلنت جامعة براون يوم الثلاثاء، أنّها توصّلت إلى اتّفاق مع مجموعة من طلابّها المناهضين للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في أول خطوة من نوعها..
الصورة

مجتمع

قال المسؤول الكبير في دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، بير لودهامار، اليوم الجمعة، إنّ إزالة كمية الركام من غزة قد تستغرق نحو 14 عاماً.

المساهمون