تركيا تمدد حبس القس الأميركي: ملامح صراع جديد

تركيا تمدد حبس القس الأميركي بتهمة الإرهاب: ملامح صراع جديد

إسطنبول
08 مايو 2018
+ الخط -

لم تستجب محكمة الجنايات الثانية في ولاية أزمير التركية، اليوم الثلاثاء، لطلب محامي الدفاع بإخلاء سبيل رجل الدين الأميركي، أندرو كريغ برونسون، الموقوف في تركيا منذ عام 2016 بتهم عدة، منها التجسس والتعاون مع تنظيمات إرهابية، كمنظمتي "فتح الله غولن" الكيان الموازي، وحزب "العمال الكردستاني"، وارتكاب جرائم باسميهما.

وقررت المحكمة، بحضور زوجة المتهم ومسؤولين عن الكنيسة وممثلين عن السفارة الأميركية في أنقرة، تمديد حبس القس برونسون، الذي يخضع للمحاكمة منذ نحو عامين، بتهمتي التجسس والإرهاب.

وأشارت لائحة الاتهامات إلى أن برونسون "كان يعرف الأسماء المستعارة لقياديين رفيعين من تنظيم الكيان الموازي، وأنه التقاهم، وكذلك ألقى خطابات تحرّض على الانفصالية، وتتضمن ثناءً على الإرهابيين في كنيسة ديريلش بأزمير"، مشيرة إلى أن أنشطة برونسون التي يقوم بها تحت غطاء كونه رجل دين لا تتوافق مع صفته كراهب.

كما وجهت اللائحة للقس تهمة إجراء دراسات ممنهجة في المناطق التي يقطنها الأكراد خصوصًا، وتأسيس "كنيسة المسيح الكردية"، التي استقبلت مواطنين من أصول كردية فقط في أزمير، فضلاً عن العثور على صور ضمن مواد رقمية تخص برونسون، تظهر حضور القس اجتماعات لمنظمة فتح الله غولن، وأخرى فيها رايات ترمز للمنظمة الانفصالية "بي كا كا".

وأكدت اللائحة توجّه برونسون مرارًا إلى مدينة عين العرب (كوباني)، شمالي سورية، التي ينشط فيها تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الجناح السوري لحزب العمال، وقضاء سوروج المحاذي لتلك المدينة السورية، وذلك في إطار الاستراتيجية العامة للتنظيم الكردي الذي تصنفه تركيا إرهابيا.

كما احتوت اللائحة على رسالة بعثها برونسون إلى أحد المسؤولين العسكريين الأميركيين، يعرب فيها عن حزنه لفشل محاولة الانقلاب، في 15 يوليو/تموز 2016، ورسالة كانت على هاتفه تقول "كنا ننتظر وقوع أحداث تهز الأتراك، وتشكل الظروف المطلوبة لعودة عيسى، ومحاولة الانقلاب صدمة، والكثير من الأتراك وثقوا في العسكر كما في السابق، وأعتقد أن الوضع سيزداد سوءًا، وفي النهاية نحن سنكسب".

وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد طلب من نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، أثناء لقائهما في واشنطن، العام الماضي، الإفراج، بأسرع وقت ممكن، عن القس الأميركي أندرو برونسون. وربط محللون، وقتذاك، الإفراج عن القس الأميركي مقابل تسليم فتح الله غولن.

وكان رجل الدين الأميركي برونسون مقيما في تركيا ويرأس كنيسة القيامة التابعة للبروتستانت، وقد تم اعتقاله وزوجته، في 7 تشرين الأول من عام 2016، ومن ثم تم الإفراج عن زوجته.



فصل السياسة عن القضاء

ويقول المحلل التركي سمير صالحة، "أظن أن موقف تركيا واضح، لأنها مصرة على الفصل بين التوتر في علاقاتها السياسية وموضوع محاكمة القس الأميركي، لأن قضية برونسون قانونية بحتة، والملف الآن بيد القضاء، وهو من يقرر مسار المسألة".

ويضيف صالحة، لـ"العربي الجديد"، أن واشنطن تصر على الربط بين اعتقال القس وتوتر العلاقات ووجود فتح الله غولن في بنسلفانيا، وتعتبر الملفات متداخلة ومتشابهة لدرجة صعوبة الفصل بينها، وهذا التداخل ينعكس باتجاه سلبي على العلاقات ويدفع إلى التصعيد.

وأشار المحلل التركي، إلى أنه "ربما زيارة وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، لواشنطن، بعد يومين، تكون فرصة لتخفيف التوتر، رغم عدم إمكانية إزالته، لأن الولايات المتحدة تحاول استخدام كل الأوراق للضغط على أنقرة، إنْ بصفقة الطائرات إف 35 وصواريخ أس 400، أو بقضية "هلق بنك" ورضا ضراب، (رجل أعمال تركي من أصل إيراني متهم بخرق العقوبات على إيران)، للتأثير والضغط على تركيا".  

وقالت مصادر، لـ"العربي الجديد"، إن القس برونسون متهم بالتعامل مع مجموعات إرهابية، منها حزب العمال الكردستاني ومنظمة "الكيان الموازي" التابعة لرجل الدين الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة، فتح الله غولن، كاشفة عن تعرّض القس الأميركي لمحاولة اغتيال، في نيسان 2011، من قبل التركي محمد علي إيرن.

وقال المحلل التركي، أوكتاي يلماظ، في وقت سابق، لـ"العربي الجديد"، "أستغرب طرح الرئيس الأميركي قضية رجل الدين برونسون الذي يحاكم في تركيا بتهم عدة منسوبة إليه، في حين أميركا تماطل في تسليم فتح الله غولن، المتهم بتدبير وقيادة محاولة الانقلاب، فهم يقولون إن قضية غولن أمام القضاء وهو عادل ومستقل، وكذا برونسون يحاكم في تركيا، وأيضاً القضاء في تركيا عادل ومستقل".

ولفت المحلل التركي إلى أن العلاقة بين جماعة غولن والقس الأميركي تكونت من خلال ادعاء الكيان الموازي أنه منفتح على الأديان ويقيم حوارات بين الأديان. ولم يستبعد يلماظ أن يكون القس الأميركي قد سهل للكيان الموازي بعض "الأمور" في الولايات المتحدة، من قبيل أعمال اقتصادية وارتباطات وتواصل، بأعذار الاعتدال.

ونفت مصادر تركية أي علاقة بين اعتقال القس برونسون وبين انتمائه الديني "كونه مسيحيا"، مؤكدة تواصله مع زوجته التي أفرج عنها بعد اعتقالها مع المحامي جاي سيكولو، مؤكدة، خلال تصريح لـ"العربي الجديد"، أن لا صحة لتهمة "التبشير" التي نقلتها بعض الوسائل الإعلامية ضمن التهم المنسوبة للقس الأميركي، "بل ثمة 349 كنيسة في تركيا حتى اليوم ولا يوجد أي تمييز بسبب الانتماء القومي أو الديني في تركيا، والجميع متساوون أمام القانون".



عودة الضغط الأميركي

وتوقع محللون أتراك، أن تعود واشنطن للضغط على تركيا، من خلال قضية رجل الأعمال التركي من أصل إيراني، رضا ضراب، المتهم بخرق العقوبات التي كانت مفروضة على إيران، وبعلم ومساعدة مسؤولين أتراك.

إذ كشف ضراب أنه، في الفترة ما بين مارس/آذار 2012 ومارس /آذار 2013، دفع ما يقرب من 50 مليون يورو في صورة رشاوى لوزير الاقتصاد التركي السابق، ظافر شاجليان، من أجل السماح له بالقيام بدور الوسيط في بعض المجالات التجارية الإقليمية، وهو ما أهّله لقيادة تجارة تسمح لإيران بضخ عشرات المليارات من الدولارات من عائدات المحروقات في النظام المصرفي الدولي، عبر البنك الحكومي التركي "هلك بنك".

وجاء ذلك رغم العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران، التي تحظر التعامل التجاري معها بأي صورة كانت، وذلك خلال شهادته أمام محكمة مانهاتن في الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي.

وطاولت اتهامات ضراب الذي حولته واشنطن من متهم إلى شاهد، رئيس الجمهورية التركية، رجب طيب أردوغان، إذ قال ضراب خلال شهادته التي استمرت ثلاثة أيام، إن أردوغان "أصدر- حين كان رئيسًا للحكومة- تعليمات، من أجل مشاركة مصرفين تركيين آخرين تابعين للحكومة في هذه العمليات، مما يعني أنه كان على علم بعمليات الالتفاف على العقوبات المفروضة على طهران، هذا بخلاف منحه تبرعات لجمعية (توجيم)، الخيرية التعليمية التي يقول الادعاء الأميركي إنها تابعة لأسرة أردوغان"، وهو ما نفاه الرئيس التركي جملة وتفصيلا.

وردًا على تلك الاتهامات، أمر مدعي عام إسطنبول، في ديسمبر2017، بمصادرة ممتلكات رجل الأعمال التركي الإيراني وعائلته، تمهيدًا لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المزاعم التي أوردها في شهادته خاصة، بعدما نفاها الرئيس أردوغان ووصفها بأنها "مؤامرة سياسية".

وتم اعتقال ضراب في مارس 2016 خلال جولة سياحية برفقة عائلته في فولاية فلوريدا الأميركية، بسبب إدلائه بتصريحات خاطئة عن كمية المبلغ الذي بحوزته.

وكشفت التحقيقات فيما بعد، حسب الرواية الأميركية، عن عملياته التجارية التي حاول من خلالها خرق الحظر المفروض على إيران، وهو ما كشفته السلطات الأميركية من خلال المراسلات التي كانت بينه وبين حاكم المصرف المركزي الإيراني، فضلاً عن الكشف عن عدد من الشركات الوهمية في تركيا ودبي ومصر ولبنان، التي كان يستخدمها لنقل كميات نقد إلى المركزي الإيراني تعدت الملياري دولار، مقابل حصوله على عمولة من إيران، كما تم ضبط حمولة ذهب تقدر بـ1.5 طن على متن طائرة تعود له وصلت إلى إسطنبول من غانا، قبل أن تتوجه إلى إيران.

ذات صلة

الصورة

مجتمع

واجهت رئيسة جامعة كولومبيا الأميركية ضغوطا جديدة أمس الجمعة إذ وجهت لجنة الإشراف بالجامعة انتقادات حادة لإدارتها بسبب قمع احتجاجات داعمة للفلسطينيين في الجامعة.
الصورة

سياسة

يعتزم مجلس النواب الأميركي التصويت على مجموعة من العقوبات على إيران بعد الهجوم الذي شنّته على إسرائيل ليل السبت، فيما سيحاول تمرير مساعدات عسكرية لإسرائيل.
الصورة
توماس غرينفيلد في مجلس الأمن، أكتوبر الماضي (بريان سميث/فرانس برس)

سياسة

منذ لحظة صدور قرار مجلس الأمن الذي يطالب بوقف النار في غزة سعت الإدارة الأميركية إلى إفراغه من صفته القانونية الملزمة، لكنها فتحت الباب للكثير من الجدل.
الصورة
تظاهرة ووقفة بالشموع أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن

سياسة

شهدت العاصمة الأميركية واشنطن وقفة بالشموع وتجمّعاً للمئات من الناشطين أمام السفارة الإسرائيلية تأبيناً للجندي آرون بوشنل و30 ألف شهيد فلسطيني في غزة.

المساهمون