اغتيال زاخارتشنكو ينهي الهدوء الأوكراني: مقدمة لتصعيد بإيعاز روسي

اغتيال زاخارتشنكو ينهي الهدوء الأوكراني: مقدمة لتصعيد بإيعاز روسي

02 سبتمبر 2018
قُتل زاخارتشنكو بتفجير مقهى في دونيتسك (فالنتين سبرينشاك/Getty)
+ الخط -

حالة المراوحة التي سادت الشرق الأوكراني في الفترة الأخيرة، غير مرشحة للثبات، بعد زلزال اغتيال رئيس "جمهورية دونيتسك الشعبية"، المعلنة من طرف واحد، ألكسندر زاخارتشنكو، مساء الجمعة، وذلك بتفجير مقهى "سيبار" الذي يرتاده كبار مسؤولي "الجمهورية". المقهى بحدّ ذاته تابع لرئيس الحرس الشخصي لزاخارتشنكو، والعبوة الناسفة، وفق تحقيقات مسؤولي "الجمهورية" وُضعت في إحدى لمبات الإنارة، ما يعني تورّط أشخاص من مجموعة زاخارتشنكو في اغتياله.

الأمر لا يهمّ وفق حسابات "جمهورية دونيتسك الشعبية" وروسيا. الاثنان اتهما جهاز الأمن التابع للحكومة الشرعية الأوكرانية في كييف، بـ"تنفيذ عملية الاغتيال"، على خلفية ما سمياه "عدم قدرة كييف على حسم الصراع في السياق الميداني، ما حدا بها إلى استخدام سلاح الاستخبارات والتفجيرات والاغتيالات". وهو أسلوب يبدو أنه أذى تماماً الانفصاليين، حتى إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفي رسالة تعزية لـ"شعب دونباس"، وُضعت على الموقع الرسمي للكرملين، مساء الجمعة، قال "روسيا ستقف معكم دوماً. مقتل زاخارتشنكو يشير مجدداً إلى أن من اختار طريق الإرهاب والعنف لا يمكن أن يبحث عن تسوية سياسية سلمية، ولا يريد حواراً حقيقياً مع سكان الجنوب الشرقي (الأوكراني)، بل يراهن على إركاع شعب دونباس، لكنه لن ينجح في ذلك". واستُتبع ذلك، أمس السبت، بتأكيد المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بسكوف، أن "اغتيال زاخارتشنكو يمثل عملاً استفزازياً يقوّض عملية السلام". وأضاف للصحافيين، في تصريحات نقلتها وكالات الأنباء الروسية، أن "هذا بلا شك عمل استفزازي. مقتل زاخارتشنكو سيفاقم بكل تأكيد التوتر في المنطقة، وينسف عملية السلام المبنية على اتفاقات مينسك التي رعتها ألمانيا وفرنسا".

في المبدأ، سيردّ الانفصاليون على اغتيال زاخارتشنكو، ومع توجيههم الاتهام إلى كييف، فإن الأعمال الميدانية مرجّحة للتصاعد في منطقتي ماريوبول الساحلية، المطلّة على بحر أزوف، وأفديفكا في الوسط. المنطقتان شكّلتا ساحتين لمعارك طاحنة بين الجيش الأوكراني والانفصاليين، خصوصاً في عامي 2016 و2017، قبل بدء العمل باتفاق مينسك، الذي تهدد موسكو ودونباس (جمهوريتا لوغانسك ودونيتسك الشعبيتان) بالإطاحة به.

إضافة إلى ذلك، فإن اتفاق "مينسك 2" (2015) بات في مهبّ الريح، وهو الاتفاق الوحيد الذي "صمد" مبدئياً بين الحكومة والانفصاليين، خصوصاً بعد تطويره اتفاق "مينسك 1" (2014). ونصّ الاتفاق على وقف إطلاق النار، وسحب الأسلحة الثقيلة من الطرفين، وإقامة منطقة فاصلة، والإفراج عن جميع الأسرى والرهائن المحتجزين منذ بدء النزاع في إبريل/نيسان 2014، وبدء الحوار السياسي، وتنظيم انتخابات محلية وفقاً للتشريع الأوكراني، ولتحديد الوضع المقبل لمنطقتي دونيتسك ولوغانسك. كما ينبغي إصدار عفو أيضا عن المقاتلين الضالعين في النزاع، ورفع الحصار الاقتصادي، وإعداد دستور أوكراني جديد بحلول نهاية 2015 (وهو الأمر الذي لم يتم)، يقضي "باللامركزية" في منطقتي دونيتسك ولوغانسك بالاتفاق مع ممثلي هاتين المنطقتين. ويُشرف على الاتفاق كل من روسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا، وفشله يعني أمرا من اثنين: إما تطوير اتفاق مينسك 3 جديد، يسمح بتكريس انفصال الشرق عن المركز، أو خسارة الشرق امتيازاته التي كسبها حتى الآن بالمعارك وبالدعم الروسي.



كما أن توتر الأجواء، في مطلع سبتمبر/أيلول، يأتي في غضون المباحثات المستمرة بين الغرب الأوروبي وروسيا حول أسعار الغاز، فضلاً عن احتدام الجدال حول مشروع "نوردستريم 2"، الذي يمدّ ألمانيا من روسيا، عبر البلطيق وبحر الشمال، بالغاز. وهو ما قد يؤدي حكماً إلى "تراخٍ" ألماني في أي مسألة عنفية في أوكرانيا، والدعوة إلى "تطبيق مينسك 2". أما فرنسا، الراعي الآخر للاتفاق، فإنها ستُصعّد بشكل طفيف ضد روسيا، خصوصاً أنها تتطلع إلى الحصول على حصة في "نوردستريم 2". ومن شأن الوضع في أوكرانيا، أن يدفعها للتصعيد بغية التوصل إلى اتفاق حول "نوردستريم 2". أما أوكرانيا، فإن رئيسها بيتر بوروشنكو، بات بين نارين، فإذا انخرط في حرب شاملة شرقاً، وخسرها، فسيسقط في الانتخابات الرئاسية الأوكرانية، المقررة في 31 مارس/آذار المقبل، أما في حال نجاحه، فإنه سيصطدم بواقع اقتصادي متردٍ، تفرضه روسيا. في الحالتين سيخسر بوروشنكو معركته، ما لم يختر خياراً ثالثاً، وهو "الركون جانباً، بانتظار خطوات الانفصاليين، والتصرّف على قاعدة: الدفاع عن النفس، وفقاً لمطالب شعبية".

يُمكن أيضاً قراءة خطوة دونباس المقبلة، بما قاله بوتين، حول "روسيا معكم. يراهنون على إركاع شعب دونباس، لكنهم لن ينجحون في ذلك"، في مؤشر على منح الانفصاليين ضوءاً أخضر للقيام بهجمات عدة ضد الجيش الأوكراني، بدعمٍ من الجيش الروسي، المرابض في روستوف، المجاورة لدونباس. وسبق لبوتين أن تحدث، في 3 فبراير/شباط 2017، عن أن "السلطة الأوكرانية الحالية ليست مستعدة، فيما يبدو، لتنفيذ اتفاقات مينسك، وتبحث عن الذريعة للتخلي عنها". وربما حان وقت الذريعة بالنسبة له وللانفصاليين.

السؤال الأهم: أين تقف حدود أي تحرّك؟ في الواقع السياسي، إن اتفاق "مينسك 2" بات غير قادر على معالجة المشاكل الفعلية لدونباس، وهو في حاجة إلى تطوير، لكنه لن يحصل إلا بعد عملية عسكرية، لإعادة رسم التوازن بين طرفي الصراع. ولن ينتهي الاتفاق إلا بولادة دولتين جديدتين، تعترف بهما أوكرانيا، أو أقله أن يحصلا على حق الحكم الذاتي. الأمر في دونباس مختلف عن أبخازيا وأوسيتيا في جورجيا. في أوكرانيا، المنطقة متشابكة أكثر مع أوروبا ومواجهة حلف شمال الأطلسي، فضلاً عن ارتباطها الوثيق بخطوط الغاز، سواء في الوسط الأوكراني أو جنوب القارة الأوروبية أو شمالها. أما في جورجيا، فالمسألة مرتبطة بالأطلسي بالدرجة الأولى، ثم بخط "نابوكو" الذي سقط لاعتبارات عملية، بدءاً من تطبيق العمل بطريق الحرير الجديد، وصولاً إلى السيطرة الروسية واقعياً على جورجيا. عملياً، باتت أوكرانيا أمام توتر عسكري جديد، سيُفضي إلى تغيير المعادلات القائمة حالياً.