وتحركت أرتال كبيرة من "الجيش الوطني السوري" التابع للمعارضة السورية، من نقاط تمركزها في ريف حلب الشمالي، باتجاه محافظة إدلب، للمشاركة في المعارك التي تخوضها الفصائل ضدّ قوات النظام ومليشيات محلية تساندها في ريفي حماة الشمالي، وإدلب الجنوبي.
وذكرت مصادر في المعارضة أنّ أبرز الفصائل التي أرسلت قواتها إلى جبهات حماة وإدلب، هي: أحرار الشرقية، الجبهة الشامية، فرقة الحمزة، ولواء درع الحسكة. ونقلت مصادر ميدانية، عن مدير المكتب الإعلامي لفصيل "تجمع أحرار الشرقية"، الحارث رباح، قوله إنّ الفصيل "أرسل رتلاً عسكرياً عبارة عن سيارات رباعية الدفع وأسلحة نوعية وعناصر، نحو جبهات ريف حماة الشمالي، بهدف مؤازرة الفصائل في المنطقة لصدّ العملية العسكرية الشرسة التي تشنها روسيا وقوات النظام على المنطقة".
من جانبه، وصف العقيد الطيار مصطفى البكور، قائد العمليات في "جيش العزة"، أبرز فصائل المعارضة السورية في ريف حماة الشمالي، الخطوة التي أقدم عليها الجيش الوطني بـ"الجيدة"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنها "تأتي في إطار حشد الطاقات كلها في مواجهة الخطر... فخسارة المعركة في ريف حماة الشمالي ومن بعدها إدلب (لو حصلت) ستتبعها تداعيات كبيرة، أولها انتهاء الثورة السورية، ومن ثمّ تثبيت حالة التهجير والمجازر التي سترتكبها قوات النظام والمليشيات الطائفية".
بدوره، قال رئيس هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، نصر الحريري، إن نظام بشار الأسد يهرب من الاستحقاقات السياسية بالتصعيد في محافظة إدلب، رغم كونها منطقة خفض تصعيد، محذراً من أن خسارتها تعني نسف العملية السياسية قبل أن تبدأ. وأضاف الحريري، في مقابلة مع وكالة "الأناضول"، أمس، أنه "كلما اقتربت العملية السياسة يعمل النظام على التصعيد"، مشدداً على أنّ "التطورات السلبية على الأرض ستنعكس سلباً على العملية السياسية".
وأتت التعزيزات الأخيرة للمعارضة قبيل انتهاء هدنة مفترضة توصّلت إليها أنقرة مع موسكو، من خلال "مجموعة العمل المشتركة" بينها، لمدة 72 ساعة تنتهي منتصف ليل الاثنين، علماً أنه لم يتوقّف خلالها القصف الجوي والمدفعي من قبل قوات النظام والجانب الروسي. وفي السياق، أكّد البكور أنه "لم تكن هناك هدنة"، لافتاً إلى أنه "لم تتوقف الاشتباكات ومحاولات التقدّم من قبل مليشيات النظام، لذلك فإنّ المواجهة مستمرة".
ومن الواضح أنّ المعارضة السورية المسلحة تعتبر هذه المعركة مصيرية، لذا تضع ثقلها العسكري فيها، كي لا يتكرّر سيناريو أحياء حلب الشرقية أواخر عام 2016، وسيناريو الغوطة الشرقية بداية عام 2018، حيث فقدت المعارضة السورية أهم مواقعها. وتعدّ محافظة إدلب المعقل البارز للمعارضة السورية، وفي حال خسرته، لا يبقى لها إلا ريف حلب الشمالي والشمالي الغربي، الذي يعتبر منطقة نفوذ تركي بلا منازع.
وما كانت المعارضة السورية المسلحة قادرة على رفد جبهات إدلب بالمقاتلين والسلاح لولا الضوء الأخضر من أنقرة، التي تدرك أنّ النظام يسعى للتوغّل أكثر في عمق محافظة إدلب، وهو ما قد يُفجر قنبلة سكانية، إذ يضم شمال غربي سورية نحو 4 ملايين مدني، من الممكن اندفاع عدد كبير منهم نحو الحدود السورية التركية لعبورها، خوفاً من عمليات انتقامية واسعة النطاق من قبل قوات النظام.
وفي هذا الإطار، بحث وزير الدفاع التركي خلوصي أكار مع نظيره الروسي سيرغي شويغو هاتفياً، أمس، مستجدات الأوضاع في إدلب، والتدابير الواجب اتخاذها لتهدئة التصعيد الحاصل هناك. وذكر بيان صادر عن وزارة الدفاع التركية أنّ الوزيران بحثا مواضيع أمنية إقليمية، وعلى رأسها آخر المستجدات في منطقة إدلب، وسبل تهدئة التوتر في المنطقة، في إطار اتفاق سوتشي.
وتمتلك فصائل المعارضة القدرة على الصمود في وجه قوات النظام رغم الغطاء الناري الكثيف الذي يوفره الطيران الروسي للأخيرة في المعارك. فالفصائل تضم آلاف المقاتلين المدربين الذين أثبتوا كفاءة قتالية عالية في المعارك الأخيرة. كما أنّ فصائل المعارضة المسلحة المنضوية في "الجبهة الوطنية للتحرير" (أكبر تجمع لفصائل المعارضة في شمال غربي سورية)، و"الجيش الوطني"، تملك أسلحة ثقيلة ومختلف أنواع الصواريخ الموجهة التي كانت وراء إيقاف قوات النظام والميلشيات التي تساندها وتكبيدها خسائر كبرى في الأرواح والمعدات أخيراً. وفضلاً عن قوات المعارضة، هناك أيضاً "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً) التي تضمّ هي الأخرى آلاف المقاتلين المدربين، ما يعني أنّ مهمة قوات النظام في حال احتدام القتال مرة أخرى شاقة وصعبة، وربما مستحيلة.
من جهته، أشار القيادي في "الجيش السوري الحر"، العقيد فاتح حسون، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "المعركة الحاصلة في ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي هي معركة كل السوريين الأحرار، ولا يقتصر الدفاع عن المناطق المحررة على فصيل دون الآخر"، مضيفاً "دافع المقاتلون المنتشرون في المناطق التي تعرّضت لهجوم قوات النظام وروسيا ببسالة وقوة، لكن خطورة الموقف استدعت مشاركة أوسع من المقاتلين المنتشرين في مناطق أخرى".
وأوضح حسون أنه "أتى لخطوط المواجهة في ريفي حماة وإدلب العديد من المقاتلين المنتمين للقرى والمدن التي يتركز عليها الهجوم، والذين كانوا ضمن صفوف الجيش الوطني المنتشر في مناطق عمليتي غصن الزيتون ودرع الفرات". وأشار إلى أنه خلال الفترة الأخيرة، عمد مقاتلو المعارضة إلى التوجّه من ريف حلب إلى ريفي حماة وإدلب "بشكل غير منظم، لكن في الأيام الأخيرة بدأت تسير الأمور في منطقة إدلب نحو الأفضل، ما فتح الباب لقدوم مؤازرات منظمة ضمن فصائل محددة تتبع للجيش الوطني، وهذا يعني مزيداً من الصمود في وجه المعتدين، وإثبات بأنّ حربنا مع النظام ليست مناطقية، فكل منطقة محررة تعني الثوار جميعهم".
في موازاة ذلك، يحاول الجانب الروسي تحميل المعارضة مسؤولية الخروقات للهدنة، إذ قالت وزارة الدفاع الروسية إنّ منظومات الدفاع الجوي تصدّت، أوّل من أمس الأحد، لهجمات وصفتها بـ"الإرهابية" على قاعدة حميميم، أهم القواعد العسكرية الروسية في الساحل السوري. وقالت الوزارة، في بيان أمس الاثنين، إنها رصدت مواقع إطلاق القذائف على القاعدة، وقامت القوات الجوية بتدميرها، مشيرةً إلى أن مسلحي "جبهة النصرة" أطلقوا 6 قذائف من منطقة إدلب باتجاه القاعدة المذكورة.
كما قال "المركز الروسي للمصالحة في سورية"، في بيان له، الأحد، إنّ فصائل المعارضة خرقت اتفاق الهدنة، مشيراً إلى أنّها قصفت مواقع لقوات النظام 13 مرة، منذ 18 مايو/ أيار الحالي، تاريخ بدء سريان الهدنة.
في المقابل، تؤكّد المعطيات والوقائع الميدانية أنّ قوات النظام والطيران الروسي لم يلتزما بالهدنة إطلاقاً، إذ ارتكب الأخير مجزرة في وقت متأخر من مساء الأحد، باستهدافه أحياء في مدينة كفرنبل ومستشفى "السيدة مريم"، بريف إدلب الجنوبي، وهو ما أدى إلى مقتل تسعة مدنيين، بينهم امرأتان، وخمسة أطفال، جراء عشر غارات جوية من قبل الطائرات الحربية الروسية بصواريخ شديدة الانفجار.
ولم تنقطع الاشتباكات بين فصائل المعارضة السورية وقوات النظام التي تحاول تثبيت نقاط تمركزها في المناطق التي سيطرت عليها أخيراً، فيما تحاول فصائل المعارضة منعها من ذلك. وأكد مصدر في هذه الفصائل لـ"العربي الجديد"، أنه تم،ّ أمس الاثنين، تدمير جرافة عسكرية لقوات النظام بصاروخ مضاد للدروع، على جبهة الحويز بريف حماة الغربي.
إلى ذلك، وفي خطوة استفزازية تؤكّد عدم نيّة النظام سحب قواته من المناطق التي سيطر عليها أخيراً، زار محافظ حماة التابع للنظام المناطق التي سيطرت عليها قوات الأسد في منطقة الغاب وقلعة المضيق وغيرها.
وكانت قوات النظام قد سيطرت خلال توغلها المفاجئ الذي بلغ ذروته في التاسع من الشهر الحالي على مناطق عدة هي: مدينة قلعة المضيق، بلدة كفرنبودة، قرية الجنابرة، تل هواش، قرى الجابرية، التوبة، الشيخ إدريس، الكركات، المستريحة، التوينة، الشريعة، باب الطاقة، الحويز والحمرا. ومن المتوقّع أن تحاول فصائل المعارضة السورية استعادة هذه المناطق حرباً، في حال لم تؤدِ التفاهمات الروسية التركية إلى خروج قوات النظام منها.
وعلى الصعيد الإنساني، وثق فريق "منسقو الاستجابة" الذي يضم عدداً من الناشطين في المجال الإنساني وينشط في محافظة إدلب، مقتل 492 مدنياً، بينهم 144 طفلاً، منذ 2 من شباط/ فبراير الفائت، وحتى يوم أمس الاثنين، في العشرين من مايو الحالي.
بدورها، استنكرت "منظمة العفو الدولية" هجمات النظام السوري على المستشفيات والمراكز الصحية الأخرى في محافظتي إدلب وحماة، وعدتها "جرائم ضد الإنسانية". وأكدت مديرة بحوث الشرق الأوسط في المنظمة، لين معلوف، في بيان أمس، أنّ الهجمات الأخيرة قطعت آخر "الأغصان" التي يتمسّك بها المدنيون المحتاجون للرعاية الطبية لتبقيهم على قيد الحياة. وأضافت "سابقاً استُهدفت المراكز الصحية مراراً في هجمات ممنهجة ضدّ المدنيين، والهجمات الأخيرة مثال على ذلك، وتأتي ضمن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية".