سورية: "التطوير والتحديث" حزب صوري لتسويق الأسد

18 مارس 2020
لن يخرج الحزب عن سياق تمجيد الأسد(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -


لم تبدّل سنوات الصراع السوري منذ عام 2011 من طبيعة النظام، بل زادته تمسكاً بالسلطة متجاهلاً التداعيات الكبرى للحرب التي خاضها ضد السوريين المطالبين بالتغيير، إذ لا يزال هذا النظام على نهجه القديم في تجفيف الحياة السياسية بشكل كامل من خلال اللجوء إلى إنشاء أحزاب ديكورية مهمتها تمجيد بشار الأسد وترسيخ سلطته وسلطة عائلته.
وفي هذا السياق، رخص النظام لحزب سياسي جديد، اتخذ من شعار أطلقه بشار الأسد بعد تسلمه السلطة خلفاً لأبيه مع بداية الألفية الجديدة اسماً له، ما يعكس بشكل واضح توجّه هذا الحزب الوليد وخطابه الذي يحاول أن يسبق حزب "البعث العربي الاشتراكي"، الحزب الحاكم في سورية، في تمجيد بشار الأسد ورفعه إلى مستوى أعلى من الشعب والدولة.

ومنحت "لجنة شؤون الأحزاب" برئاسة وزير الداخلية في حكومة النظام اللواء محمد الرحمون، منذ أيام، الترخيص لحزب أطلق عليه مؤسسوه اسم "التطوير والتحديث"، وذلك بعد شهرين فقط من تقدّمهم بطلب الترخيص، في مؤشر على أن قيادات في النظام، منها الأسد نفسه، أعطت الضوء الأخضر لانطلاق هذا الحزب، الذي لا يزال يكتنفه بعض الغموض لجهة الشخصيات التي ستتولى قيادته. وذكرت مصادر في دمشق لـ"العربي الجديد" أن الحزب الجديد بصدد التحضير لمؤتمر عام لاختيار أمينه العام وأعضاء لجنته المركزية.

ويُعرّف حزب "التطوير والتحديث" عن نفسه، عبر صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك"، بأنه "تشكيل وطني يتخذ من فكر القائد الخالد المؤسس حافظ الأسد نهجاً ومنهجاً ويعمل على تطبيق وتنفيذ البرامج التي أطلقها سيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد في الإصلاح والتطوير والتحديث من خلال نخب وطنية فاعلة تضم كل شرائح المجتمع السوري التي تتطلع إلى النهوض بالوطن بكل مفاصله في إطار حزب سياسي يعمل قانوناً تحت سقف الوطن". في حين لخص مبادئه الأساسية بـ"تأكيد السيادة الوطنية وتعزيز الوحدة الوطنية والإيمان بالقضايا الوطنية والمركزية ودعم حركات المقاومة العربية والعالمية".

ورأى متابعون أن الحزب الجديد هو إحياء لتوجّهات قديمة لدى بشار الأسد تعود إلى بدايات توليه السلطة في منتصف عام 2000، إذ كثر حينها الحديث عن مساعيه لتأسيس حزب شبابي ليبرالي، ضمن سياسات الانفتاح على الغرب والانقلاب على مفاهيم حزب "البعث العربي الاشتراكي" الذي يتلطى نظام الأسدين خلفه منذ عام 1963. إلا أن العدوان الأميركي على العراق عام 2003، والتداعيات الكبرى التي خلّفها في المنطقة، إضافة إلى اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005، حالت دون ظهور هذا الحزب الذي كان الأسد يخطط عبره لتسويق نفسه للغرب على أنه منفتح باتجاه تجديد الحياة السياسية في سورية والجامدة منذ عام 1963. وحاول الأسد من خلال المؤتمر العاشر لحزب "البعث" عام 2005 الانقلاب على الحزب نفسه من داخله من خلال تغيير منطلقاته النظرية المعتمدة منذ خمسينيات القرن الماضي. واعتمد الحزب في المؤتمر ما عُرف بـ"اقتصاد السوق الاجتماعي"، والذي اعتُبر في وقتها انقلاباً على الاشتراكية، أحد مبادئ "البعث"، وعلى مكتسبات ذوي الدخل المحدود، وهي الشريحة الأساسية التي حملت النظام على أكتافها لعقود طويلة.


ومن الواضح أن الحزب الجديد لا يحمل أي توجّه سياسي جدي وحقيقي من شأنه الدفع باتجاه حلول سياسية للقضية السورية، بل هو نسخة مكررة من حزب "البعث" لجهة تمجيد شخصية بشار الأسد ورفعه إلى مستوى يعلو فوق الشعب والوطن. واللافت أن أبرز المؤسسين للحزب شاب لا يتجاوز عمره الـ30 عاماً، هو أسامة مرشحة، من مواليد مدينة حلب، ويحمل إجازة في الفنون الجميلة والتطبيقية قسم الديكور. ومن الواضح أن هذا الشاب له نفوذ كبير في النظام بسبب قربه من عائلة بشار الأسد، فهو صاحب عدة امتيازات لوسائل إعلامية على رأسها "وكالة الأخبار الروسية السورية RS"، ومستشار في مجلس الدولة.

وذكرت مصادر في دمشق، لـ"العربي الجديد"، أن "لدى مرشحة شبكة علاقات واسعة مع أركان النظام وحلفائه من حزب الله والإيرانيين، إضافة إلى الروس". وتوقّعت المصادر أن "يقبل على الالتحاق بالحزب الجديد العديد من موالي النظام وكوادر حزب البعث، خصوصاً ممن لم يأخذوا مكتسبات مهمة من عضويتهم في حزب البعث، أو من يريد أن يحافظ على مكتسباته ويطمح إلى مكاسب أكبر".

وكان مرشحة قال في تصريح صحافي إن غالبية المؤسسين "هم من المنتمين إلى فكر حزب البعث العربي الاشتراكي"، موضحاً أن "منهم من كان منتسباً بالفعل للبعث وقد انسحب أخيراً منه لأنه يبحث عن منبر جديد بعد أن أصاب الترهل والبيروقراطية بعض مواقع البعث، إلا أنهم سيبقون حاملين لفكره وسيعملون على توعية الناس بفكر الرئيس الراحل حافظ الأسد". وأضاف: "العمل سيتمحور في اتجاهين متوازيين؛ الأول هو العمل على نشر فكر القائد الخالد حافظ الأسد كنهج أثبت الواقع ضرورته وكشف عن عمق رؤيته وبصيرته، أما الثاني فهو المساهمة خلف قيادة الرئيس بشار حافظ الأسد في تطبيق برامجه الإصلاحية والتطويرية ورفد الوطن بفريق عمل وطني ينتهج برامجه".

من جهته، قال قيادي بعثي سابق، طلب عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، إن "حزب البعث شهد محاولات مشابهة منذ فترة تولي حافظ الأسد للسلطة (1970- 2000)، إلا أنها كانت دائماً تبوء بالفشل". ورأى القيادي "أن أي حزب بحاجة إلى مشروع فكري ليقوم عليه ويضمن الاستمرار، أما إنشاء حزب على أساس نصف ورقة وبعض الاقتباسات والجمل، لا يمكن أن يستمر"، معرباً عن اعتقاده بأن "الحزب الجديد سيكون ملتقى للانتهازيين والمتملقين، الباحثين عن فرص في الوصول السريع، معتمدين أنه حزب قائم على إرادة ورغبة الرئيس الأسد".

وكان الأسد في سياق محاولاته وأد الثورة السورية في عام 2011 سمح بترخيص أحزاب، وبات هناك 20 حزباً مرخصاً في سورية، منها 10 أحزاب رُخصت بعد انطلاق الثورة السورية، ولكن هذه الأحزاب كلها نسخة عن حزب "البعث" ولا تحمل أي توجّه معارض، بل إن بعضها على يمين حزب "البعث العربي الاشتراكي" لجهة الولاء لبشار الأسد. وكان حافظ الأسد قد جمّد الحياة السياسية تماماً بعد المؤتمر القطري الثامن لحزب "البعث" في عام 1985، ولم يعقد الحزب أي مؤتمر له مذ ذاك التاريخ إلا بعد وفاة الأسد الاب، حينها عقد المؤتمر القطري التاسع بين 17 و20 يونيو/حزيران 2000 واختار بشار الأسد أميناً عاماً له كي يتولى رئاسة الجمهورية. ووفق دستور وضعه حافظ الأسد، كان هذا الحزب "هو القائد للدولة والمجتمع"، وتدور في فلكه عدة أحزاب لا وزن لها ضمّها الأسد في كيان واحد هو ما كان يُسمى بـ"الجبهة الوطنية التقدمية".
وفي دستور عام 2012 الذي وضعه الأسد الابن أزيلت المادة الثامنة التي كانت تنص على قيادة "البعث" للدولة، ولكن الوقائع على الأرض لم تتغير، إذ لا يزال "البعث" الحزب المهيمن على الحياة السياسية، ولكن ليس مسموحاً له التدخّل في الشأنين الأمني والعسكري على الإطلاق.

وانعكس التنافس الروسي الإيراني على سورية على الحزب، إذ يحاول كل طرف الهيمنة عليه وتوجيهه بما يتناسب ومصلحته، وهو ما تجلّى قبل أيام، حين جمّد بشار الأسد نتائج الانتخابات على مستوى الفروع والشعب داخل هذا الحزب. وذكرت مصادر في دمشق أن التجميد جاء على خلفية اعتراض الروس على تعيين أمناء الفروع والشعب بسبب ولائهم لإيران، مشيرة إلى أن هناك تناحراً بين قيادات "البعث" أدى إلى تبلور تيارين، الأول موالٍ للجانب الروسي والثاني موالٍ للإيرانيين، مضيفة: لم يبق لحزب "البعث العربي الاشتراكي" إلا اسمه. هذا الحزب الذي يتبنى خطاباً عروبياً، بات اليوم يروّج للسياسة الإيرانية والتي تهدف إلى تغيير الهوية العربية لسورية.