نجاحات "عاصفة السلام" بليبيا: حلفاء حفتر يستعينون بالمسار السياسي

نجاحات "عاصفة السلام" في ليبيا: حلفاء حفتر يستعينون بخطاب المسار السياسي

17 ابريل 2020
انحسار سيطرة حفتر بمواقع في محيط طرابلس وسرت(فرانس برس)
+ الخط -
غيّرت المرحلة الأخيرة من عملية "عاصفة السلام"، التي أطلقتها حكومة "الوفاق" الليبية في 26 مارس/ آذار الماضي، الخريطة العسكرية ومواقع السيطرة في غرب ووسط البلاد، بعد أن مكّنت الجيش الليبي من بسط سيطرته على كامل مناطق غرب طرابلس، لتنحسر سيطرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر على مواقع في محيط العاصمة وسرت.

وأكد الخبير الأمني الليبي الصيد عبد الحفيط، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، أنّ "عمليات قوات حكومة الوفاق أحدثت تغيّراً بمواقع السيطرة في محيط طرابلس، بحيث لم يعد لوجود مليشيات حفتر، في أجزاء من الساعدية والعزيزية ومحيط مطار طرابلس القديم، أي أهمية كبيرة".

حصار

وأوضح عبد الحفيظ ذلك في أمرين، أولهما فقدان هذه المناطق للحماية الجوية التي كانت تقدمها قاعدة الوطية، الواقعة على بعد 180 كيلومتراً جنوب غرب طرابلس، والتي باتت خارج الخدمة بسبب الغارات التي تنفذها طائرات قوات الحكومة، آخرها أمس الخميس. وثانيهما أن هذه الأحياء باتت عبئاً كبيراً على منطقة تمركز حفتر الأولى على تخوم طرابلس، وهي مدينة ترهونة ( 95 كيلومتراً جنوب شرق طرابلس)، التي باتت هي الأخرى تحت حصار مطبق بعد انقطاع خطوط الإمداد التي تربطها بقاعدة الجفرة، لافتاً إلى أنّ من مظاهر هذا الحصار استهداف شاحنات تنقل مرتزقة في تينيناي جنوب بني وليد، التي أصبح أي تحرك فيها هدفاً لطيران حكومة "الوفاق"، ما يجعل ترهونة وامتداداتها الواصلة إلى محيط طرابلس القديم مهددة بالسقوط في أي لحظة في ظل انقطاع الإمداد والذخيرة عنها.

ويبدو أن أولى مراحل عملية "عاصفة السلام" قد نجحت من خلال إطلاق أسراب من الطيران النفاث والمسير في محيط طرابلس وسرت، بحيث بسطت سيطرة شبه كلية على أجواء غربي ووسط البلاد، قاطعة خطوط الإمداد التي كانت تمر ببني وليد (180 كيلومتراً جنوب شرق طرابلس) براً، كما أقفلت المجال الجوي أمام حركة الإمداد الواصلة بين قاعدة الجفرة والمهابط الجوية الجديدة في ترهونة، إذ جرى استهداف طائرة شحن عسكرية قبل هبوطها في ترهونة في وقت سابق من الشهر الجاري، وأيضا إسقاط طائرة رصد مسيرة، أمس الخميس، في أجواء حي عين زارة.

وشدد الخبير الليبي على أنّ "حالة الحصار التي باتت تعيشها الوطية وترهونة شلت فاعلية مليشيا حفتر في أحياء جنوبي العاصمة، وقطعت صلتها بقاعدة الجفرة التي تضم غرفة العمليات الرئيسية لحرب حفتر على طرابلس"، وهو ما تشير إليه عدة معطيات جديدة، منها تراجع مشاركة العناصر الليبية في محاور القتال، واعتماد حفتر على عناصر الجنجويد الذين أعلنت عملية "بركان الغضب" مقتل 25 عنصراً منهم أثناء تقدمها في محور المشروع، أمس الخميس.

وإضافة إلى ذلك، تبدو عناصر شركة "فاغنر" الروسية هي الأخرى في تراجع، وتفضل عدم المشاركة بعد الهزائم المتلاحقة.

وكشفت صحيفة "ببلد" الألمانية، الأربعاء الماضي، أن حفتر يستعين بمجموعة "فاغنر" الروسية في استجلاب مرتزقة من سورية، وهي خطوة تظهر اتفاقاً جديدًا يبدو أنّ حفتر يهدف من خلاله لملء الفراغ بالمرتزقة السوريين.

إمداد إمارتي لحفتر

وفي خطوة لإنقاذ قاعدة الجفرة من السقوط، نجح حفتر في إبعاد خطر قوات "الوفاق"عنها بفتح جبهة جديدة وسط البلاد، وتحديداً سرت، التي سيطر عليها منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، إذ تقدمت قواته على الطريق الساحلي الرابط بين سرت ومصراتة، لتنشغل قوات مصراتة في صد تقدمه باتجاه أبوقرين منذ ذلك الحين وإلى الآن، ولتصبح بذلك قاعدة الجفرة بعيدة عن الأنظار، خصوصاً أنها لا تزال تستقبل الإمدادات العسكرية الإماراتية التي لم تتوقف، عبر جسر جوي رابط بين معسكراته في شرق البلاد وقواعد إماراتية.

وأعلن المركز الإعلامي لعملية "بركان الغضب"، خلال منشور على صفحته الرسمية على "فيسبوك"، اليوم الجمعة، عن رصد رحلتين لطائرتي شحن عسكريتين وصلتا، أمس الخميس، إلى معسكرات حفتر شرقي البلاد.

وأوضح المركز أن الأولى طائرة شحن عسكرية "إليوشن" تحمل الرقم UP-I7654، أقلعت من قاعدة عصب الجوية الإماراتية في إريتريا إلى قاعدة الخادم، جنوبي المرج شرقي ليبيا، والثانية طائرة شحن عسكرية إليوشن تحمل الرقم UP-I7652 غادرت قاعدة الخادم في المرج شرقي ليبيا متجهة إلى الإمارات.

وبينما لا تتضح أي أهمية لمدينة سرت، باستثناء تحييد جزء كبير من قوات الحكومة لصد أي تقدم نحو مصراتة، يبدو أن الحكومة من جانبها نجحت بشكل كبير في توسيع عملياتها العسكرية من خلال إطلاق عمليتها الجديدة، تزامناً مع استمرار عمليات عملية "بركان الغضب". 

وشكلت السيطرة على ثماني مدن، أهمها صرمان وصبراتة، مركز حكم حفتر غرب طرابلس، بالإضافة إلى مدينة العجيلات وبلدات رقدالين والجميل وزلطن والعسة، حدثاً عسكرياً ساوى تأثير سقوط مدينة غريان، نهاية يونيو/ حزيران العام الماضي.

فكما أفشل سقوط غريان عملية جوية وشيكة كان يحضر لها حفتر، من خلال مهبط جوي بالمدينة يقدم غطاء جوياً كاملاً لقواته للتغلغل أكثر في طرابلس، كذلك أحبطت السيطرة على مدن غرب طرابلس عملية وشيكة باتجاه مدينة الزاوية، لخنق العاصمة وإحكام الحصار عليها، لا سيما أنّ الزاوية تمثل المتنفس الوحيد لطرابلس غربًا.

من جانب آخر، قللت عملية "عاصفة السلام" من حدة القذائف والقصف العشوائي على أحياء طرابلس، فمعدل الوفيات في صفوف المدنيين في تناقص مقارنة بالأشهر الماضية.

ارتدادات سياسية

ورغم عدم الإعلان عن مراحل جديدة لعملية "عاصفة السلام" وتوقيتاتها، إلا أن تأثير نتائجها السابقة لا يتوقف عند المجال العسكري فقط، بل يرى الباحث الليبي في العلاقات الدولية، مصطفى البرق، آثاراً سياسية أيضاً، حيث زادت هذه النتائج من قوة أوراق حكومة "الوفاق"، إذ جدد رئيس المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق" فايز السراج رفضه للتفاوض مع حفتر.

وإن اتسمت المواقف والأصوات الدولية بالغموض والصمت، إلا أن هناك مؤشرات تعكس رغبة حلفاء حفتر في إنقاذه، ومن خلاله حماية أطماعهم في ليبيا، عبر العودة إلى دعم المسار السياسي وعمليات التفاوض.

وقال البرق، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إنه "بالإضافة إلى حديث وزير دولة الإمارات للشؤون الخارجية أنور قرقاش، قبل أيام، عن أهمية الحلول السلمية في ليبيا، فقد عكس إعلان الدبلوماسي الجزائري رمطان لعمامرة، عن سحب موافقته المبدئية لترشيح الأمين العام للأمم للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، له لشغل منصب الممثل الخاص ورئيس بعثة دعم الأمم المتحدة في ليبيا، أمراً جديداً".

ولفت البرق إلى "تقارير وسائل إعلام غربية أكدت أن الفيتو الأميركي على شغل لعمامرة لمنصب رئيس البعثة في ليبيا وراءه ضغط مصري وإماراتي، لا سيما أنّ السياسة الجزائرية في الملف الليبي لا تخدم مصالح الدولتين الداعمتين لمشروع حفتر".

وأوضح الباحث الليبي أنّ "هذه الضغوط والاستعانة بواشنطن تعني قناعة حلفاء حفتر بفشله عسكرياً، وقرب هزيمته".​