الأنف... مفتاح الإصابة بنزلات البرد
مع اقتراب فصل الشتاء، تزداد الأمراض المتعلقة بنزلات البرد. إلا أن أسباب إصابة الناس بهذه الأمراض ليست معروفة إلى حد كبير، وإن كان المتعارف عليه هو تغيرات الطقس. لكنّ دراسة حديثة نشرتها مجلة "الحساسية والمناعة السريرية" الأميركية كشفت أن الاستجابة المناعية الموجودة داخل الأنف يتم هدمها بسبب درجات الحرارة الباردة، ما يجعل الناس أكثر عرضة للإصابة بنزلات البرد.
ويقول العلماء إن هذا الاكتشاف يقدم أول دليل بيولوجي يفسر أسباب احتمال زيادة الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي مثل نزلات البرد والإنفلونزا وكوفيد-19 لدى انخفاض درجات الحرارة. وتقدّر مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأميركية تعرّض نحو 9 ملايين شخص لأمراض على صلة بنزلات البرد ما بين عامي 2021 و2022، في وقت توفي نحو 25 ألف شخص من جراء الإصابة بالإنفلونزا في الولايات المتحدة الأميركية عام 2021.
ويشير الأطباء إلى أن الإصابة بنزلات البرد تتعلق بالدرجة الأولى بالجهاز التنفسي العلوي، كونه أول موقع للتلامس مع فيروسات الجهاز التنفسي المستنشقة، ويطور مجموعة من الاستجابات المناعية الفطرية. وتظهر الدراسات أن التغيرات في درجات الحرارة تترك تأثيرات واضحة على الجهاز التنفسي، إذ تنخفض قدرته على مواجهة الفيروسات مع انخفاض درجات الحرارة.
وتفيد الدراسة بأن الأنف يتمتع باستجابة مناعية لدى استنشاق البكتيريا، إذ تلتقط الخلايا الموجودة في مقدمة الأنف علامات البكتيريا وتضخ في المقابل مليارات الأكياس الصغيرة المملوءة بالسوائل، تسمى الحويصلات، خارج الخلية كآلية دفاع. وتعمل هذه الآليات الدفاعية أيضاً على تجنيد البروتينات الواقية التي لها خصائص مضادة للميكروبات لتعزيز الدفاعات. كما يصنع الجهاز المناعي للجسم مركبات كهربائية تمنع العدوى. إلا أن هذه العملية البيولوجية تتغير؛ فعندما خفض الفريق درجة الحرارة إلى أقل من خمس درجات مئوية في فصل الشتاء، وجدوا أن هذه آلية تكون أقل فاعلية.
كما لاحظ العلماء أن عدد المركبات الكهربائية التي تكافح الفيروسات انخفض بنسبة 42 في المائة في درجات حرارة تقل عن 5 درجات مئوية مقارنة بدرجة حرارة الغرفة، ما يؤدي إلى الإصابة بنزلات برد.
في هذا السياق، يقول طبيب الأنف والأذن والحنجرة أحمد حطيط إن الجهاز المناعي عادة ما يضعف مع انخفاض درجات الحرارة، الأمر الذي يسمح للفيروسات بالانتشار. ويقول لـ "العربي الجديد": "في فصل الشتاء، عادة ما يطلب من الأشخاص المعرّضين أكثر من غيرهم للإصابة بنزلات البرد، بضرورة الحفاظ على دفء أجسامهم، وتجنب الهواء البارد. كما يطلب منهم ارتداء مشالح صوفية لتغطية الأنف والفم والحفاظ على دفء الهواء المستنشق". يضيف: "تساعد هذه الوسائل في حماية الجهاز التنفسي من الأمراض من جهة، وحماية جهاز المناعة من جهة أخرى".
ويشير حطيط إلى أن دراسات سابقة أجريت في الولايات المتحدة توصلت إلى نتائج مماثلة، وأثبتت أن درجات الحرارة المنخفضة تساعد في تكاثر الفيروسات. ولا ينفي أن هناك عوامل أخرى تساعد في حدوث نزلات البرد، منها صحة المريض، والنظام الغذائي الذي يساعد في تعزيز الجهاز المناعي. لذلك، ينصح الناس باتخاذ بعض الخطوات لتعزيز الجهاز المناعي مع بداية فصل الخريف، كتناول المشروبات الساخنة والفيتامينات. كما ينصح دائماً بالحصول على اللقاحات الخاصة بنزلات البرد.
تباين في المواقف
رحّب المجتمع الطبي الأميركي بنتائج هذه الدراسة، التي تقدم دليلاً بيولوجياً عن كيفية الإصابة بنزلات البرد خلال فصل الشتاء. ونقلت شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأميركية عن أستاذة طب الأنف والأذن والحنجرة وجراحة الرأس والرقبة في كلية الطب في جامعة ستانفورد، زارا باتيل، قولها إن هذه الدراسة تقدم دليلاً ولو جزئياً عن مدى استجابة الأشخاص لنزلات البرد.
في المقابل، يقول طبيب الأنف والأذن والحنجرة، ومدير أبحاث طب الأنف والأذن والحنجرة في جامعة ماساتشوستس، والأستاذ المشارك في كلية الطب في جامعة هارفارد بنجامين بليير، لـ "سي إن إن"، إن هذه الدراسة أعدت في المختبرات، ولم تختبر فعلياً أنف الإنسان. رغم ذلك، فإن ما خلصت إليه يشير إلى إمكانية التوصل للأسباب الجوهرية للإصابات بنزلات البرد.
وساهم وضع الأقنعة خلال فترة تفشي فيروس كورونا الجديد في 2020 و2021، في انخفاض عدد الإصابات بنزلات البرد، وهو ما أظهرته دراسة لجامعة "هارفرد" الأميركية. وأشارت إلى أنه يُحتمل أن تكون الاحتياطات المتخذة لمكافحة الجائحة، بما في ذلك وضع الأقنعة والتباعد الاجتماعي، السبب الرئيسي للانخفاض الحاد في حالات الإصابة بالإنفلونزا في الولايات المتحدة الأميركية.
وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، فقد سجلت 1316 حالة إنفلونزا موجبة ضمن شبكة المراقبة الخاصة بها بين سبتمبر/ أيلول 2020 ونهاية يناير/ كانون الثاني 2021، فيما سجلت خلال الفترة نفسها من عامي 2019 و2020 ما يقارب من 130 ألف حالة، ما يعني أن عدد الإصابات انخفض بشكل كبير بسبب وضع الأقنعة. وقد يكون لذلك دور في الحفاظ على درجات الحرارة المعتدلة أو الدافئة داخل الأنف، والذي لم يتعرض خلالها لموجات من الصقيع تضعف عمله في حماية الجسم من نزلات البرد.
ويعزو الباحث في قسم المناعة والأمراض المعدية بجامعة هارفارد، ستيفن كيسلر، هذا الانخفاض إلى التباعد ووضع الأقنعة، مشيراً إلى أن وضع الأقنعة في المستقبل يمكن أن يكون وسيلة فعالة للمساعدة في السيطرة على تفشي الإنفلونزا.
وينصح الأطباء بضرورة اتخاذ العديد من الإجراءات للوقاية من نزلات البرد، منها نوعية الأطعمة، والفيتامينات والمكملات الغذائية، والتباعد الاجتماعي، وغسل اليدين، والابتعاد عن الأماكن المكتظة، وتجنب الوجود مع المرضى أو المصابين بنزلات البرد. وتبقى إجراءات الوقاية التي اعتمدها الناس خلال فترة تفشي كورونا الأكثر فاعلية للحماية من الأمراض التنفسية.
