التعليم العالي والتحول التجاري

التعليم العالي والتحول التجاري

08 مايو 2023
أزمات متراكمة في جامعات العراق (حسين فالح/فرانس برس)
+ الخط -

رافق التغيير السياسي الذي عصف بالعراق متغيرات عدة تركت بصمات واضحة على دور وزارة التعليم العالي، وأدوار الجامعات والمعاهد. أهمية هذا التغير أنه شق آليات محددة تستوجب الرصد والمتابعة والنقد، وطرح أسئلة جوهرية تتعلق بموارد العراق العلمية، وجدارة الأبحاث الأكاديمية، ومهارات تنفيذها بما يقود إلى خدمة التعليم، والمساهمة في تحقيق تقدم المجتمع الذي يعاني من أعطاب متعاظمة.
شهد العراق تسارعاً في فتح الجامعات والكليات بالمحافظات، مستفيداً من ضرورة قيام مؤسسات تخصصية تضم عدداً من الأقسام الجديدة، وتتجه هذه المؤسسات نحو ما يمكن وصفه بأنه تخصصات السوق، أي أنها تفتقد ما يميز الجامعات العريقة من تنوع يشمل الآداب والإنسانيات إلى جانب الطب والإلكترونيات. هذا التوسع مرده التحول الذي طرأ من تعليم رسمي إلى مؤسسات تبغي تحقيق فائض أرباح عبر اجتذاب طلاب تعذر إيجاد مقاعد لهم في الجامعات الحكومية التي لا تتمتع بالمرونة التي تدفعها إلى تحويل توجهاتها بما يتلاءم مع المتطلبات الرائجة.
لا شك أن ذلك قاد إلى تحسن في رواتب أعضاء هيئة التدريس، وارتباط بعضها بعلاقات أكاديمية وزمالات مع جهات خارجية. على أنه لم ينجح في تلافي انعكاسات الأوضاع الأمنية التي كانت تجعل تأمين الدوام متعذراً لفترات قد تطول تبعاً لحرارة الأحداث، وبالنظر لاتساع العراق، وتباين ظروف كل محافظة، كانت الفترات "الميتة" متغايرة. 

وسجل هذا التطور العام إيجابيات كما أبرز العديد من نقاط الضعف في هيكل التعليم العالي. صحيح أن بعض الجامعات استطاعت الحصول على أبحاث استشارية أو تنفيذ مشاريع للدولة. إلا أن هذا الامتياز شابته كثير من الأقاويل التي تشي بعلاقات مع نافذين في المؤسسات الحكومية.
من الجيد أن تصبح الجامعة منتجة، أو تحقق عائداً، لكن هذا يطرح أسئلة تتناول قدراتها الفعلية على لعب هذا الدور، إذ من المتعذر قيام مؤسسة أكاديمية بالمهمة من دون امتلاك جهاز مرجعي، ومن المعروف أن جامعات العراق في غضون المحن المتلاحقة، فقدت المئات من خيرة الكفاءات.
وتطرح الكثير من علامات الاستفهام حول التعليم الذي تقدمه الجامعات، وقدرات خريجيها البحثية، وهو أمر يطعن أيضاً بمستوى الأساتذة والإدارة. أما الطلبة فينحصر همهم في الحصول على الشهادة من دون أن تترافق مع الكفاءة اللازمة لحيازتها. ما يقود إلى نتائج على درجة بالغة من الخطورة على مستوى التأهيل للمساهمة في فهم المجتمع ومشكلاته التي تحتاج إلى ابتداع حلول لمعضلاتها المتداخلة، خصوصاً أن العراق يعاني من أعطاب فادحة بحاجة إلى هذا النوع من الأبحاث المفقودة.

(باحث وأكاديمي)

المساهمون