الخلافات العشائرية في الحسكة السورية تهدّد السلم الأهلي

14 مايو 2024
صورة متداولة يظهر فيها وجهاء عشائر في شرق سورية (إكس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- اندلاع اشتباكات عشائرية في محافظة الحسكة شمال شرقي سورية بسبب جريمة قتل بدافع السرقة، مما أدى إلى تصاعد التوترات بين عشيرتي "المشاهدة" و"الشرابيين".
- تمتد الاشتباكات إلى مناطق أخرى مثل حيّ خشمان، مع تأثيرات سلبية على الأهالي والممتلكات، وسط مطالبات بإيجاد حلول قانونية لوضع حد للعنف.
- الأزمة تعكس غياب سلطة القانون وتزايد معدل الجريمة، مع تأكيدات على ضرورة تدخل السلطات لإعادة الحقوق وحفظ الأرواح والأملاك، والبحث عن حلول للأزمة.

في إطار الاشتباكات العشائرية المعتادة في محافظة الحسكة شمال شرقي سورية، سُجّلت خلافات مساء أمس الاثنين على خلفية جريمة قتل بدافع السرقة كانت قد ارتُكبت صبيحة يوم أمس. لكنّ التوتّر ما زال مستمرّاً في الحسكة، على الرغم من تدخّل وجهاء عشائرها بهدف التهدئة وإيجاد حلّ للأهالي الذين تعرّضوا للترويع. وهكذا تمضي الخلافات العشائرية في الحسكة في تهديد السلم الأهلي.

وقد اندلعت الاشتباكات في بلدة الذيبة شماليّ المحافظة، بعدما قُتل الشاب سلمان العوران المشهداني بهدف السرقة، بحسب ما أفاد سكان في البلدة "العربي الجديد". وفي التفاصيل، تسلل لصوص إلى منزل الشاب وأقدموا على قتله وسرقة 60 مليون ليرة سورية (نحو أربعة آلاف و600 دولار) كانت في حوزته. وبينما يتحدّر المشهداني من عشيرة "المشاهدة"، فإنّ الجناة من عشيرة "الشرابيين". وعقب الجريمة، بدأت الاشتباكات بين أفراد من العشيرتَين، وقد طالب أبناء عشيرة المشاهدة في البداية بتسليم قتلة الشاب.

ويعيش كثيرون من أهالي البلدة وسط حالة من القلق والخوف في الوقت الراهن، مع استمرار عمليات إطلاق النار واحتجاز أشخاص، ولا سيّما أنّ الخلافات العشائرية في الحسكة قد تؤدّي إلى ما لا تُحمَد عقباه. محمد السارح من بين هؤلاء الذين يعبّرون عن خشيتهم من الوضع القائم، ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "المشكلة في حاجة إلى حلّ". ويشدّد على أنّ "ترويع الأهالي من قبل مجموعة من اللصوص، في كلّ فترة، أمر لم يعد يطاق"، مضيفاً: "على الرغم من انتمائي إلى عشيرة الشرابيين، فأنا أطالب بوضع حدّ للقتلة وفقاً للقانون، وليس بالطريقة الحالية التي سبّبت فوضى في المنطقة وخوفاً بين الجميع".

وأدّى التوتّر القائم إلى اشتباكات مسلحة بين الطرفَين وحرق للأراضي الزراعية والمنازل في البلدة. فقد أقدم أبناء عشيرة المشاهدة على اقتحام منازل تابعة لأبناء قبيلة الشرابيين في ريف الحسكة، وخطفوا ثمانية أشخاص وعدّوهم رهائن، مطالبين بتسليم قتلة المشهداني. وقد هدّدوا بتصفية الرهائن مهددين في حال عدم تسليمهم قتلة الشاب. وامتدّت رقعة الاشتباكات بين العشيرتَين إلى حيّ خشمان في مدينة الحسكة، الأمر الذي فاقم الوضع.

وتتحدّث الحقوقية منتهى عبده عن الخلافات العشائرية في الحسكة لـ"العربي الجديد"، مشيرةً إلى أنّ الوضع متفاقم في المنطقة. وتُرجع "تزايد معدّل الجريمة، من عمليات قتل وسرقة وخطف واقتتال عشائري، إلى غياب سلطة القانون وكذلك القضاء العادل الذي من شأنه أن يعيد الحقوق (لأصحابها) من خلال محاكمات عادلة تحظى بثقة الناس". وتشير عبده إلى "غياب كلّ سلطة تنفيذية، من شرطة ومؤسَّسات أمنية تُعْنَى بردّ الحقوق وحفظ الأرواح والأملاك الخاصة والعامة"، مشدّدةً على أنّ الخلافات العشائرية في الحسكة تقوّض السلم الأهلي فيها.

من جهته، يقول أحمد العزو، وهو مدرّس من بلدة الذيبة يعيش في مدينة القامشلي لـ"العربي الجديد" إنّ "الوضع متأزّم في القرى خارج القامشلي"، لافتاً إلى "توتّر وخوف بسبب فقدان الأمن". ويشرح أنّ "المخيف في الأمر أنّ القضية لا تنتهي بعد حلّ الخلاف، إذ إنّ من الممكن أن تتجدّد الاشتباكات في أيّ لحظة"، مؤكداً: "نعيش هذا الوضع المتوتّر دائماً كلّما وقع خلاف عشائري وتطوّر جريمة قتل إلى قضية ثأر". ويشير إلى أنّه أحضر أهله إلى بيته في مدينة القامشلي، إذ إنّ "القرية لم تعد آمنة. شباب طائشون يحملون السلاح ولا يدركون خطورة الوضع"، متمنياً أن "يُصار إلى تهدئة الخلاف الراهن وإنهائه". وتابع العزو أنّ "في إمكان رصاصة طائشة أن تقتل أحد أولادي أو أقاربي أو أيّ شخص لا علاقة له بهذا الخلاف، وهذا كله بسبب غياب جهة تضع حداً لفوضى السلاح"، مشدّداً بقوله: "يكفينا ما نعيشه من ترويع بسبب هذه الخلافات في كلّ فترة".

في سياق متصل، يتحدّث أحد وجهاء العشائر من مدينة الحسكة لـ"العربي الجديد"، متحفّظاً عن ذكر اسمه لدواعٍ أمنية، ويرى أنّ "موضوع القتال العشائري فعلياً هو خارج سلطة أيّ قانون، في الوقت الراهن"، موضحاً أنّ "موضوع الخلاف العشائري الراهن تفجّر بسبب قطّاع طرق ولصوص، علماً أنّنا نحاول منذ عشرة أعوام وضع حدّ لهم بالتنسيق مع الجهات المسؤولة في المنطقة، لكن لا حياة لمن تنادي". يضيف الوجيه نفسه أنّ "هؤلاء اللصوص قتلوا، أمس، شاباً من عشيرة المشاهدة وسرقوا مبلغ 60 مليون ليرة. أحاول في الوقت الراهن مع عدد من وجهاء العشائر في المنطقة تهدئة الوضع والحؤول دون وقوع ضحايا". وإذ يقول إنّ "ثمّة مطالبة بتسليم القتلة لعشيرة المشاهدة في مقابل الإفراج عن الرهائن"، يأمل أن "نتمكّن من إيجاد حلّ لهذه الأزمة".

تجدر الإشارة إلى أنّ الخلافات العشائرية في الحسكة تتكرّر، وقد سبق أن اندلع أحدها على خلفية جريمة قتل في بلدة الصفصافة بمنطقة الطبقة في ريف محافظة الرقة شماليّ سورية، في فبراير/ شباط الماضي، أدت إلى سقوط ثلاثة قتلى وعدد من الجرحى، علماً أنّ الخلاف اندلع ما بين عشيرتَي الناصر والمغلطان.

المساهمون