بؤرة الأمية من فوق وتحت

بؤرة الأمية من فوق وتحت

02 مايو 2022
الطلاب معرّضون لمخاطر نتائج التعلّم متدنية المستوى (محمد حمود/ Getty)
+ الخط -

 

يروي أحد الصحافيين أنه قابل سياسياً بارزاً في بلده فسأله عما يقرأه هذه الأيام، فسمّى السياسي له الاسم والجزء من الكتاب التراثي الذي يقرأه... ودارت الأيام، وبعد خمس سنوات بالتمام والكمال التقى الصحافي السياسي ثانية، وسأله السؤال نفسه، فسمّى له الاسم والجزء نفسه! مما يفصح عن أن هذا السياسي يحفظ اسم الكتاب المؤلَف من جزءين، ويقول إنه ما زال يقرأ في الجزء الأول منه. وعليه لم يقرأ في غضون سنوات خمس كتاباً واحداً. هذا مع العلم أن هذا السياسي لم يكن طوال تلك الفترة في الحكم، ما يعني امتلاكه الوقت الكافي للقراءة، باعتباره ليس مضطراً إلى قراءة التقارير التي ترده وعقد الاجتماعات.

ومثل هذه الحالة ليست نادرة ومقتصرة على بلد من البلدان العربية، علماً أن المواطنين يلاحظون على العديد من القادة ضعف الإلقاء لخطاباتهم في المناسبات الأساسية، وكثرة الأخطاء القواعدية والنحوية وغيرها من أشكال التلعثم في تلاوة ما يكتبه لهم آخرون. لكن مثل هذه الأمية ليست حكراً على السياسيين الذين هم مواقع القرار السياسي، إذ تتعداهم إلى البنية المجتمعية على العموم.

فالتقرير الذي أصدرته كلّ من اليونسكو والبنك الدولي واليونيسف، مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2021، ربط بين أزمة التعليم الناتجة عن كوفيد-19 والأزمة الموجودة أصلاً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث كان الطلاب معرضين لمخاطر نتائج التعلّم متدنية المستوى. قبل الجائحة، بلغ عدد الأطفال الذين لا يذهبون إلى المدرسة ممن تتراوح أعمارهم بين 5 و14 عاماً حوالي 15 مليون طفل، وعانى حوالي ثلثي الأطفال في جميع أنحاء المنطقة من عدم المقدرة على القراءة بكفاءة. هذا بالإضافة إلى 10 ملايين طفل ممن كانوا عُرضة لخطر التسرُّب من المدرسة بسبب الفقر والتهميش الاجتماعي، كما بسبب النزوح والاضطراب الناجم عن النزاعات المسلحة المستمرة. يُظهر التحليل الوارد في التقرير ازدياد التفاوتات بين الأطفال والشباب، ومن ضمنها الفوارق الرقمية التي من شأنها أن تُلحق بالأطفال والشباب ضرراً طويل الأمد - لم يستفد حوالي 40 بالمائة من الأطفال- أي ما عدده 39 مليون طفل ويافع تقريباً - من التعلّم عن بعد خلال الجائحة بسبب الفقر الرقمي في المقام الأول.

موقف
التحديثات الحية

يضاف إلى كلّ هؤلاء أمية المتعلمين أنفسهم الذين يجيدون القراءة ولا يقرؤون، فالمعدل السنوي لقراءة المواطن العربي لا يتعدى الـ 6 دقائق فقط، بينما شعوب أخرى تمضي مئات الساعات في القراءة. وتظهر تقارير للبنك الدولي أنّ من بين من يلتحقون بالمدارس الابتدائية، هناك زهاء 45 بالمائة لا يلتحقون بالمدارس الثانوية، ويتناقص العدد إلى حدود تتراوح بين 7 و13 في المائة وأقل لدى ارتياد الجامعات والمعاهد العالية. وعليه، ليس غريباً أن يكون أكثر من 40 في المائة من جيل الشباب ممّن تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عاماً، في سبعة بلدان عربية، لم يتجاوزوا عتبة التعليم الأساسي. ومع أنّ العديد من التقارير تتقاطع عند القول إن نسبة ثلث السكان البالغين ما زالوا أميّين (ثلثان منهم من النساء)، فإنّ الرقم العددي لهؤلاء يتصاعد مع نمو السكان. فالبنك الدولي قدَّر نسبتهم بـ27 في المائة وعددهم بـ 60 مليون نسمة، لكنّهم يتجاوزون ذلك في تقارير أخرى إلى 35 في المائة ويصل العدد إلى عتبة المائة مليون نسمة. والمؤكد أنّ هذه الأرقام ليست ثابتة، بل إلى تصاعد في ضوء الحروب والفوضى السياسية والأمنية والانهيار الاقتصادي والنقدي وتفكك الدول والمؤسسات وتحلل المجتمعات والعائلات وتردي أوضاعها المعيشية وانهيار منظومات وظروف التعليم.

هذا جزء من المشهد والجزء المكمل يتعلق بنوعية التعليم المتحقق نظرياً وعملياً. إذ ليس صحيحاً أبداً القول بتفوق الطالب العربي في المراحل الثانوية والجامعية في العلوم الأدبية والنظرية عن مثيله في دول العالم، خلافاً لتفوق الأخير عليه في المواد العلمية. فالواقع يؤكد على شمولية التدني في المستويات. وهو تدنٍ تضاعف مع وباء كورونا وجملة التطورات الإلكترونية التي هبطت بمستوى اللغة المستعملة في اليومي من الكتابات والمراسلات إلى حدود لم يسبق أن عرفتها، حتى باتت عملية الحصول على نص ذي لغة عربية سليمة من شبه المستحيلات.

(باحث وأكاديمي)

المساهمون