بين أنقاض قطاع غزة مدارس مدمّرة ومعها أحلام أطفال فلسطينيين

بين أنقاض قطاع غزة مدارس مدمّرة ومعها أحلام أطفال فلسطينيين

05 ابريل 2024
في مدرسة متضررة من جرّاء الحرب على غزة، في 18 أكتوبر 2023 (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في جنوب قطاع غزة، تحولت خيمة إلى "مدرسة" مؤقتة للأطفال الفلسطينيين بعد تدمير 80% من المدارس بسبب الحرب الإسرائيلية، مما أثر على تعليم 325 ألف طفل.
- يونيسف ومنظمات أخرى تشدد على أهمية توفير بيئة تعليمية آمنة ودعم نفسي للأطفال في غزة لمساعدتهم على التعامل مع الصدمات النفسية والإعاقات الإدراكية الناتجة عن الحرب.
- الوضع التعليمي في غزة يعكس أزمات مماثلة في مناطق حروب أخرى مثل العراق، حيث يواجه الأطفال صعوبات كبيرة في العودة إلى التعليم بعد انتهاء العنف.

في خيمة منصوبة بجنوب قطاع غزة المحاصر والمستهدف، يلهو أطفال فلسطينيون بلعبة "المدرسة"، وذلك بعد أن انقطعوا عن التعليم في القطاع الذي دُمّرت فيه ثماني مدارس من بين كلّ عشر، بحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، منذ بدء الحرب الإسرائيلية قبل ستة أشهر.

يقول المتحدّث باسم منظمة يونيسف في الأراضي الفلسطينية جوناثان كريكس إنّ مبادرة إنشاء هذه المدرسة التي قامت بها مديرة مؤسسة تعليمية "تسمح خصوصاً للأطفال بالتعامل مع الصدمة"، واصفاً الوضع بأنّه "مأسوي تماماً". يضيف أنّ "ثمّة 325 ألف طفل في سنّ التعليم المدرسي لم يحضروا ساعة صف واحدة منذ ستة أشهر".

الصورة
أطفال فلسطينيون في مدرسة في خيمة في رفح في غزة في 27 مارس 2024 (سعيد لخطيب/ فرانس برس)
في خيمة حُوّلت إلى "مدرسة" في رفح جنوبي قطاع غزة، في 27 مارس 2024 (سعيد لخطيب/ فرانس برس)

يخبر الفتى الفلسطيني مجد حلاوة (16 عاماً) أنّ القصف طاول مدرسته في مدينة غزة (شمالي القطاع) التي نزح منها مع عائلته، مشيراً إلى أنّ القوات الإسرائيلية أمرت العائلة وعدداً من الأقارب بإخلاء المبنى حيث يسكنون والمؤلّف من ستّ طبقات، في مهلة حدّدتها بثلاث دقائق فقط. ويتابع في اتصال مع وكالة فرانس برس: "تركت كلّ كتبي ومستلزماتي المدرسية في منزلي. كنت أظنّ أنّني سوف أعود إلى البلاد قريباً، لكنّ ذلك لم يحدث". يُذكر أنّ عائلة حلاوة تعيش اليوم في مدينة إدمونتون، عاصمة مقاطعة ألبرتا غربي كندا التي لجأت إليها في منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي.

وقد توقّفت العملية التعليمية في قطاع غزة فور اندلاع الحرب الإسرائيلية عليه في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وتحوّلت مدارس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في القطاع إلى مراكز إيواء لمئات آلاف النازحين الذي هجّرهم الاحتلال الإسرائيلي، فيما تعرّضت 67% من المدارس لضربات عسكرية مباشرة، بحسب ما جاء في تقرير صادر عن منظمات غير حكومية استندت إلى صور التقطتها أقمار صناعية وإلى تقارير ميدانية، علماً أنّ 82% من إجمالي مدارس قطاع غزة تضرّرت.

ولا شكّ في أنّ إعادة بناء مدارس قطاع غزة خطوة أولى شاقة على طريق إعادة الأطفال إلى العملية التعليمية. لكنّ التحدي الحقيقي سوف يكون شفاء أطفال القطاع النازحين والتعامل مع الصدمات النفسية الناتجة عن الموت والدمار والجوع، حتى يتمكّنوا من العودة إلى المدرسة، بحسب ما يرى عاملون في مجال الصحة.

الصورة
أطفال فلسطينيون يتابعون صفاً في مخيم نزوح في رفح في غزة في 8 مارس 2024 (أحمد زقوت/ الأناضول)
متابعة جديّة لحصّة تعليمية في مخيم نزوح بمدينة رفح جنوبي غزة، في الثامن من مارس 2024 (أحمد زقوت/ الأناضول)

مدارس مؤقتة في مخيمات نازحي غزة

وفي مدينة رفح الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة المنكوب، عند الحدود مع مصر، يتكدّس أكثر من مليون ونصف مليون شخص، معظمهم من النازحين الذين هجّرتهم آلة الحرب الإسرائيلية، بحسب الأمم المتحدة التي تؤكد أنّ الوضع الإنساني في المدينة مأساوي.

في هذا الإطار، يقول ديفيد سكينر من منظمة "سايف ذي تشيلدرن" (أنقذوا الأطفال) إنّ "إعادة بناء المدارس أمر معقّد جداً.. لكنّه أكثر بساطة من إعادة التأهيل على التعلّم". يُذكر أنّ مدارس مؤقّتة أُنشئت في خيم بمدينة رفح الجنوبية، مع العلم أنّ نظام التعليم في القطاع يعاني في الأساس من صعوبات شتى، وذلك بعد خمس حروب شنّتها إسرائيل عليه في الأعوام العشرين الماضية وكذلك بسبب الفقر والبطالة.

وفي خيمة صغيرة، تقف المدرّسة هبة حلاوة بالقرب من لوح خشبي فيما يحاول 30 طفلاً، من الصفّين الأول والثاني الابتدائيَّين، تعلّم كيفية قراءة كلماتهم الأولى. وتقول: "نحن سعداء لأنّنا نحاول تفادي تجهيل مئات آلاف التلاميذ"، مضيفةً أنّ جهود التعليم التي تُبذَل تفتقر إلى "كتب مدرسية وأقلام". وتشدّد حلاوة على أنّ "الأطفال سعداء بالمدرسة" على الرغم من ذلك.

وقد وضعت وزارة التربية والتعليم في قطاع غزة خطة مبدئية لاستئناف مسيرة التعليم الأساسي والثانوي، في اليوم التالي لانتهاء الحرب. وتستند الخطة إلى نصب 25 ألف خيمة بصفة قاعات دراسة بديلة، في ظلّ التدمير الكلي أو الجزئي الذي طاول معظم المدارس في القطاع. وتتضمّن الخطة توظيف آلاف المدرّسين والمساعدين بدلاً من الذين قُتلوا في الحرب الإسرائيلية.

لكنّ الفتى مجد حلاوة الذي كان يحلم بأن يصير محامياً، يشعر بأنّ الأمر لا يتعلّق فقط بتوفّر مدرسة يلتحق بها مرّة أخرى. ويرى أنّ "لا يمكن لأحد أن يتغلّب على كلّ ذكريات ما حدث، ولا حتى في 100 عام". ويقرّ الفتى الفلسطيني اللاجئ في كندا بأنّ استئناف الدراسة بالنسبة إليه "صعب جداً، وإنجاز سنة دراسية واحدة في شهرَين أو ثلاثة أشهر"، ولا سيّما في وقت يعجز فيه عن التواصل مع أصدقائه الذين بقوا في قطاع غزة المشتعل، علماً أنّ عدداً منهم استشهد.

الصورة
أطفال فلسطينيون في رفح وتعليم في مخيم نزوح في غزة في 8 مارس 2024 (أحمد زقوت/ الأناضول)
محاولة لتعليم أطفال في مخيّم نزوح بمدينة رفح جنوبي غزة، في الثامن من مارس 2024 (أحمد زقوت/ الأناضول)

إعاقات إدراكية تهدّد أطفال غزة

في سياق متصل، توضح طبيبة الأمراض النفسية المتخصّصة في مجال الأطفال لدى منظمة "أطباء بلا حدود" أودري مكماهون أنّ "التعلّم يفترض الوجود في مكان آمن. وأدمغة معظم أطفال قطاع غزة تنشط تحت الصدمة في الوقت الراهن". تضيف لوكالة فرانس برس أنّ "التحدّيات التي سوف يتعيّن عليهم (الأطفال) مواجهتها هائلة، والتعافي منها سوف يستغرق وقتاً طويلاً". وتتابع مكماهون أنّ "من المحتمل إصابة الأطفال الأصغر سنّاً بإعاقات إدراكية مدى الحياة بسبب سوء التغذية، في حين منّ المرجّح أن يشعر المراهقون بغضب من جرّاء الظلم".

ويلفت سكينر إلى أنّ "عند التفكير في قطاع غزة، ننسى غالباً الكارثة التي تطاول الأطفال. هؤلاء صغار فقدوا أقارب، ويعانون من مشكلات جسدية بالغة ومن سوء التغذية". وبحسب البيانات المتوفّرة، فإنّ نحو نصف سكان قطاع غزة دون 18 عاماً، وبالتالي فإنّهم المستهدفون بالتعليم المدرسي.

تجدر الإشارة إلى أنّ عددا من الدول التي شهدت حروباً، لم تعد أعداد كبيرة من أطفالها إلى مقاعد الدراسة حتى بعد انتهاء العنف. وفي العراق على سبيل المثال، بعد ستّة أعوام من إعلان الحكومة الانتصار على تنظيم داعش، لم يعد عشرات آلاف الأطفال إلى المدرسة، بحسب البنك الدولي.

(فرانس برس، العربي الجديد)