دراسة: الاتصال بالطبيعة في المدن يقلل الشعور بالوحدة

دراسة: الاتصال بالطبيعة في المدن يقلل الشعور بالوحدة

22 ديسمبر 2021
الوقت الذي يقضيه الأشخاص في الطبيعة يعزز الرفاهية النفسية ويقلل من الشعور بالوحدة (Getty)
+ الخط -

على الرغم من أنّ جائحة فيروس كورونا، أعادت التذكير بالعديد من المفاهيم الخاصة بالوحدة والانعزال؛ فإنّ دراسة جديدة، وجدت أنّ الشعور بالوحدة والعزل قد يكون أقل تأثيراً على الأفراد فيما لو تمكّن الناس من التواجد في مساحات خضراء.

فقد كشف علماء من جامعة "كيغز" البريطانية أنّ الشعور بالوحدة يزيد من خطر وفاة الأشخاص بنسبة 45%، فيما أظهرت الدراسة أنّ الاتصال بالطبيعة، قد يساعد في تخفيف مشاعر الوحدة، وهو ما يعيد تسليط الضوء مجدداً على أهمية المساحات الخضراء في المدن، لتعزيز الصحة العقلية والنفسية.

توصل الخبراء إلى أنّ الشعور بالوحدة، رغم الاكتظاظ السكاني، قد يكون مرتفعاً مقارنة بوجود الأشخاص في بيئات محاطة بالمناظر الخضراء. إذ تبيّن أنّ الشعور بالوحدة قد يصل إلى نحو 39% رغم وجود الاكتظاظ السكاني؛ أي في المدن، إلا أنّ هذه النتائج تغيّرت عندما تمكّن الناس من رؤية الأشجار أو السماء، وسماع الطيور، إذ انخفضت مشاعر الوحدة بنسبة 28%، كما أدت مشاعر الاندماج الاجتماعي أيضاً إلى خفض الشعور بالوحدة بنسبة 21%. وعندما تزامنت هذه المشاعر مع التواصل مع الطبيعة، تعزز التأثير المفيد للصحة العقلية بنسبة 18%.

حالة صحية

بدأ العلماء دراستهم التي نشرت في مجلة The Nature العلمية، أول أمس الإثنين، انطلاقاً من أنّ الوحدة ليست حالة نفسية وحسب، بل قد تكون حالة لها علاقة وثيقة بالصحة العامة في المجتمع. ووجدوا أنّ الدراسات السابقة التي سلّطت الضوء على الوحدة بوصفها "حالة نفسية" لم تكن تأخذ بالاعتبار العديد من العوامل، من ضمنها البيئة الاجتماعية المحيطة، والبيئة الطبيعية.

وقد تبين أنّ الكثير من الناس يعانون من مستويات مختلفة من الشعور بالوحدة على مدار اليوم، اعتماداً على البيئة المحيطة بهم. في هذه الدراسة، قام العلماء بالربط بين الشعور بالوحدة والعوامل الاجتماعية والبيئية (مثل الاكتظاظ، الكثافة السكانية، الشمول الاجتماعي، التواصل مع الطبيعة)، وبعد مرور عامين على الدراسة، تبيّن أنّ للبيئة تأثيراً إيجابياً على حياة السكان لا سيما في المدن.

الأسس العلمية

امتدت الدراسة نحو عامين تقريباً، منذ بداية شهر إبريل/نيسان 2018 وحتى مارس/آذار 2020، وخلال هذه الفترة الزمنية، تم جمع البيانات باستخدام تطبيق الهاتف الذكي Urban Mind. تم استخدام بيانات من 756 مشاركاً أكملوا 16602 تقييم من أجل التحقيق في الارتباطات بين الشعور اللحظي بالوحدة والبيئة الاجتماعية وبين البيئة المبنية باستخدام النمذجة متعددة المستويات.

ارتبطت زيادة الاكتظاظ والكثافة السكانية بمستويات أعلى من الشعور بالوحدة. في المقابل، ارتبط الشمول الاجتماعي والاتصال بالطبيعة بمستويات أقل من الوحدة.

كان الارتباط الإيجابي بين الشمولية الاجتماعية وانخفاض مستويات الوحدة أكثر وضوحاً، عندما كان المشاركون على اتصال بالطبيعة، مما يشير إلى وجود تفاعل بين البيئة الاجتماعية والبناء على الشعور بالوحدة. ومن شأن النتائج التي توصل إليها العلماء، أن تساعد السلطات في وضع استراتيجيات تتعلق بالصحة العامة، والسعي إلى تقليل عبء الوحدة على المجتمع.

من المعروف أن الوقت الذي يقضيه الأشخاص في الطبيعة يعزز الرفاهية، حيث تشير التقديرات إلى أنّ المشي في الغابات يوفر على المملكة المتحدة ما لا يقل عن 185 مليون جنيه إسترليني سنوياً من تكاليف الصحة النفسية.

تحدّت الدراسة النظرة التقليدية للمدن باعتبارها أماكن ضارة دائماً بالصحة النفسية والشعور بالوحدة، وفقاً لتصريح أدلى به البروفيسور أندريا ميتشيلي، لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية، إذ يمكن أن تكون هناك جوانب مثل السمات الطبيعية والشمولية الاجتماعية يمكن أن تقلل من الشعور بالوحدة، كما يشير.

من جهته، علّق كريستوفر جيدلو، أستاذ البحوث الصحية التطبيقية في جامعة "ستافوردشاير" في المملكة المتحدة، على الدراسة بالقول: "من المعروف منذ فترة طويلة أنّ الوصول إلى البيئات الطبيعية يمكن أن يعزز التفاعلات الاجتماعية والترابط، وبالتالي، فإنّ هذه الدراسة تضيف مزيداً من الأهمية إلى الأدلة الموجودة على قربنا للبيئات الطبيعية والفوائد المحتملة للرفاهية الاجتماعية".

بدورها، وجدت جوانا جيبونز، مهندسة المناظر الطبيعية والعضو في فريق البحث، أنّ أهمية البحث تكمن في ضرورة الاعتراف بالبيئات الطبيعية "كعنصر معيشي أساسي في حياة البشر".

فرضيات عديدة

بحسب الدراسة، فقد تعامل العلماء مع ثلاث فرضيات في بحثهم، تنطلق الأولى من الاعتراف بأنّ الاكتظاظ السكاني قد يسهم في زيادة الشعور بالوحدة، وقد تم تأكيد هذه الفرضية، بما يتماشى مع بحوث سابقة لعدد من الخبراء.

أما الفرضية الثانية فتنطلق من أنّ الشمولية الاجتماعية، أو وجود العديد من العناصر الاجتماعية والبيئية، من شأنها أن تخفف الشعور بالوحدة. تم تأكيد هذه الفرضية أيضاً، مع ارتباط الشمولية الاجتماعية المتصورة بنسبة 21%.

تتماشى هذه النتيجة مع دراسات سابقة سبق ووجدت أنّ رأس المال الاجتماعي المتصور المرتفع والتماسك الاجتماعي، مرتبطان بانخفاض الشعور بالوحدة لدى عامة السكان والأشخاص الذين عانوا من أزمة صحة نفسية.

فيما الفرضية الثالثة تنطلق من الدور الإيجابي للطبيعة في الشعور بالوحدة، وقد تم تأكيد هذه الفرضية أيضاً. في الواقع، ارتبط التعرض للطبيعة بتقليل احتمالات الشعور بالوحدة بنسبة 28%. والأهم من ذلك، أنّ التأثير المشترك للتعرض للطبيعة والشمولية الاجتماعية قلل من الشعور بذلك.

المساهمون