زواج القاصرات في تنزانيا.. انتهاك وسط الفقر

زواج القاصرات في تنزانيا.. انتهاك وسط الفقر

28 اغسطس 2022
تُجبَر فتيات لا تتجاوز أعمارهنّ 14 عاماً على الزواج في تنزانيا (أولكسندر روبيتا/ Getty)
+ الخط -

ما زال زواج الأطفال، لا سيّما القاصرات، يُعَدّ قضيّة كبرى تصعب معالجتها في مجتمعات عديدة. وتنزانيا من تلك البلدان التي تُسجَّل فيها نسبة كبيرة من حالات زواج القاصرات، على الرغم من تدخّلات مختلفة في هذا المجال، وبالتالي تتعرّض الفتيات للاستغلال الجنسي بالإضافة إلى حرمان الحوامل والأمهات من الحقّ في التعليم.

وتُجبَر فتيات لا تتجاوز أعمارهنّ 14 عاماً على الزواج، إذ تدفع تكلفة المعيشة المتزايدة الأسر إلى القيام بكلّ ما يمكن للبقاء على قيد الحياة.

وقد تضاعف عدد زيجات القاصرات في خلال عام واحد فقط في البلاد، بحسب ما أفاد مسؤول الرعاية الاجتماعية في مجلس مقاطعة "شينيانغا" (شمال غرب) ديوس مهوجا وكالة الأناضول. وأضاف: "سُجّل 42 زواج أطفال بين يناير/ كانون الثاني الماضي وأغسطس/ آب الجاري في المقاطعة التي تُعَدّ الأكثر تضرّراً من الجفاف، مقارنة بـ19 حالة موثّقة في عام 2021". وتابع مهوجا أنّ "الوضع في أماكن أخرى أشدّ سوءاً، إذ إنّ الآباء الفقراء في حاجة ماسة إلى المال".

وقد أنقذت الشرطة التنزانية في الأسبوع الماضي فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً، كان من المقرّر تزويجها في شينيانغا في مقابل مبلغ 200 ألف شلن تنزاني (نحو 85 دولاراً أميركياً)، وقد دفعت 10 بقرات كمهر.

وأحبطت الشرطة حفل الزواج الذي كان مقرّراً عقده في 16 أغسطس/ آب الجاري في قرية مانيادا الشمالية الغربية. والفتاة التي تحطّمت أحلامها في أن تصبح طبيبة، لم يكن لديها خيار سوى تلبية رغبات والدها.

من جهتها، أوضحت رئيسة مكتب النوع الاجتماعي في شرطة شينيانغا بريهتون روتاجاما لوكالة الأناضول أنّ الشرطة "وجّهت اتهامات جنائية ضدّ العائلتَين"، مشيرة إلى أنّ "آباء كثيرين يفضّلون تزويج بناتهم للحصول على المال".

لكنّ مهوجا أوضح أنّه لا يُصار إلى الإبلاغ عن "حوادث" عديدة في هذا السياق "بسبب ثقافة الصمت".

"وراء القضبان"

وفي أنحاء المنطقة المنكوبة بسبب الجفاف، تواجه عائلات كثيرة خيارات يائسة للبقاء على قيد الحياة، إذ تسبّب تغيّر المناخ في جفاف مصادر المياه ونفوق الماشية.

وتنزانيا واحدة من الدول التي تسجّل أعلى معدّلات زواج القاصرات في العالم، إذ تتزوّج في المتوسط فتاتان من بين كلّ خمس فتيات قبل بلوغهنّ الثامنة عشرة.

يُذكر أنّ نحو 37 في المائة من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن حالياً ما بين 20 و24 عاماً تزوّجنَ قبل بلوغهنّ الثامنة عشرة، بحسب بيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان.

ويُوصّف زواج القاصرات بأنّه مشكلة خطرة في تنزانيا تؤثّر على الفتيات في المناطق الريفية. وعلى الرغم من أنّ قانون الزواج في البلاد لعام 1971 يحدّد سنّ زواج الذكور بـ18 عاماً، فإنّ تزويج الفتيات ممكن ابتداءً من 14 عاماً، وذلك بموافقة المحكمة أو الوالدَين.

ويعارض المدافعون عن حقوق المرأة القانون، إذ ينتهك حقّ الفتيات في التعليم، نظراً إلى أنّه في تلك السنّ المبكرة لا تكون الفتيات مستعدات بيولوجياً للحمل والولادة ومواجهة تحديات الحياة، بحسب ما يؤكدون.

ثقافة تمييز عميقة الجذور

في مقابلة مع وكالة الأناضول، قالت مسؤولة البرامج في منظمة "إيكواليتي ناو" (المساواة الآن) كارولين لاغات إنّ "زواج القاصرات ناتج عن أعراف أبوية واجتماعية وثقافية تمييزية عميقة الجذور ضدّ النساء والفتيات".

يُذكر أنّ المنظمة مؤسسة خيرية دولية تُعنى بحقوق المرأة والفتاة.

أضافت لاغات أنّ "في الأسر التي تعيش فقراً مدقعاً وتكافح بموارد محدودة، الأكثر شيوعاً هو سحب الفتيات من المدراس من أجل العمل أو الزواج". وتابعت أنّ "الآباء يزوّجون بناتهم في الغالب لتخفيف العبء المالي على الأسر".

وبحسب ناشطين تنزانيين، فإنّه "في حين يمثّل حمل القاصرات السبب الرئيسي لترك الفتيات المدرسة، فقد فشلت الحكومة في معالجة العنف الجنسي والإكراه، ولم تُدخل بعد التربية الجنسية الشاملة في مناهج التعليم في البلاد".

وفي هذا الإطار، دعت لاغات إلى "توفير تعليم جيد في مجال الصحة الجنسية والإنجابية من جهة، وضمان دعم الفتيات لإكمال تعليمهنّ في أثناء محاربة عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية التي تجعل النساء والفتيات عرضة للاستغلال الجنسي من جهة أخرى".

وشدّدت لاغات على "ضرورة تكثيف الجهود للقضاء على العنف ضدّ الفتيات والنساء، مع وجوب إنفاذ القوانين المناهضة للعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي بشكل أفضل لضمان معاقبة الجناة".

ولفتت لاغات إلى أنّ "القوانين المتعارضة بشأن زواج القاصرات في تنزانيا تركت فجوات كبيرة وخلقت أرضية خصبة لانتهاكات حقوق الفتاة". وشدّدت على أنّ "القانون أداة قوية لمكافحة الممارسات الضارة، مثل زواج القاصرات، ويعكس مدى التزام الحكومة بتوفير الحماية لأولئك الصغيرات".

معضلة

في السياق نفسه، رأت لاغات أنّ "الفجوة الأساسية في قانون الزواج لا توفر حماية متساوية (بيت الذكور والإناث)، وهي شكل من أشكال التمييز ضدّ الفتيات على أساس الجنس". وشرحت أنّ "القانون التنزاني ينتهك القانون الدولي من خلال السماح بالتمييز ضدّ الإناث اللواتي يقلّ سنّ زواجهنّ عن تلك الخاصة بالذكور".

ومضت لاغات مؤكدة أنّ "السماح للإناث بالزواج، وهنّ ما زلنَ قاصرات، يعرّضهنّ لانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان"، وأوضحت أنّ زواج هؤلاء الصغيرات يوقع كثيرات منهنّ في شرك دائرة الفقر، ويمنعهنّ من تحقيق كامل طموحاتهنّ.

تجدر الإشارة إلى أنّه طُعن في دستورية قانون الزواج في تنزانيا من قبل مجموعة الضغط "مسيشانا إينشياتيف" التي تُعنى بحقوق الفتاة ومقرّها دار السلام.

وفي عام 2016، كان قرار قضائي قد أقرّ بأنّ الزواج دون 18 عاماً غير دستوري، وأُمرت الحكومة برفع الحدّ الأدنى للزواج إلى 18 عاماً للإناث كما هي حال الذكور في غضون عام واحد. وعن هذا الحكم، قالت لاغات: "من المؤسف أنّ الحكومة لم تلتزم بهذا القرار، ولم يُعدَّل قانون الزواج فعلياً".

كذلك، في عام 2020، رفعت منظمة "إيكواليتي ناو" إلى جانب جهات حقوقية قضية مشتركة أمام المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، سعياً منها إلى إلغاء سياسة البلاد التمييزية المتمثلة في طرد الفتيات الحوامل من المدرسة ومنع الأمهات المراهقات من العودة إليها بعد الولادة.

ورأت لاغات أنّه "ينبغي على تنزانيا الاستثمار في برامج التوعية لضمان بيئة آمنة ومواتية للأمهات المراهقات حتى يواصلنَ تعليمهنّ، وخالية من وصمة العار الاجتماعية".

وحثّت الحكومة على "القيام بدور نشط في حماية حقوق الفتاة من خلال تدريب المسؤولين على منع زواج القاصرات وملاحقة القضايا".

 ودعت لاغات الحكومة أيضاً إلى "جمع بيانات شاملة عن زواج القاصرات لتوجيه عملية تطوير وتنفيذ البرامج الهادفة إلى معالجة المشكلة، وتمكين الفتيات من تحقيق طموحاتهنّ كاملة". ومن جهة أخرى، قالت لاغات: "لا بدّ من أن يُتاح للناجيات من زواج القاصرات الوصول إلى العدالة ومحاسبة الجناة".

(الأناضول)

المساهمون