سجون لبنان... هواجس الموت والمرض تنذر بانتفاضة

سجون لبنان... هواجس الموت والمرض تنذر بانتفاضة

16 ديسمبر 2022
ثغرات معيشية وصحية مؤذية في سجون لبنان (حسين بيضون)
+ الخط -

عاد تسليط الضوء على الأحوال السيئة السائدة في السجون اللبنانية، من خلال الأزمة الصحية والاستشفائية التي تضاف إلى قائمة واسعة من المشاكل التي فاقمها الانهيار المالي والنقدي الذي تشهده البلاد منذ 3 سنوات، وخصوصاً بعد تخطي عدد السجناء المتوفين في أقل من سنة عتبة الـ19.
وارتبطت في الأشهر القليلة الماضية حالات الوفاة بانعدام الرعاية الصحية، في وقت ترفض المستشفيات الحكومية والخاصة استقبال السجناء المرضى الذين باتوا يعالجون أيضاً على نفقتهم الخاصة، وهو أمر بالغ الصعوبة بالنسبة إلى الأهالي في ظل الأزمة الاقتصادية.

انتفاضة قريبة؟
يتردد داخل أروقة السجون اللبنانية الحديث عن انتفاضة قريبة للسجناء، لأن الوضع أصبح كارثياً ولا يمكن السكوت عنه، ولا يحتمل المماطلة، فالموت يدق بابهم مرضاً وجوعاً.
تقول نائبة رئيس جمعية لجان أهالي الموقوفين رائدة الصلح لـ"العربي الجديد": "كان الوضع سيئاً دائماً في السجون، واليوم أصبح أسوأ وأخطر بكثير في ظل غياب أي خطة إصلاحية واستشفائية. وبدلاً من حلّ مشكلة الاكتظاظ، تزداد أعداد الموقوفين الجُدد أو الموقوفين في انتظار توقيع إخلاء سبيلهم التي عطلها اعتكاف القضاة وتوقف المحاكمات في قصر العدل شبه المغلق أصلاً".
وتتوقف الصلح عند لاءات كثيرة في حديثها عن السجون، وتقول: "لا طبابة ولا أدوية ولا وجبات غذائية صحية، ولا كميات كافية من الطعام للسجناء، ولا مواد وأدوات تنظيف. ومنذ فبراير/ شباط الماضي توفي ما يزيد على 19 شخصاً، وذلك مع انتشار الأمراض، ولا سيما الحساسية والجرب والأكزيما التي تفاقمت بتأثير غياب النظافة، وعدم تبديل أغطية الأسّرة، والرطوبة، وعدم وجود غرف طوارئ داخل المباني لعلاج المرضى حتى إنجاز الإجراءات الإدارية المطلوبة لنقلهم إلى مستشفى مركزي، فوضع مريض القلب مثلاً لا يمكن أن يحتمل المماطلة".
وتلفت إلى أن "تسديد الفواتير الصحية والاستشفائية والدوائية بات في عهدة أهالي الموقوفين الذين يعانون بدورهم من الأزمة الاقتصادية، في حين لا تنفذ الوزارات المعنية أي دور، وتقلّص الجمعيات عملها بسبب الانهيار أيضاً، وهناك نقمة كبيرة على الدولة داخل السجون، ويزداد الشعور بالانتقام منها".

الصورة
في انتظار الأسوأ في سجون تفتقد أدنى معايير السلامة الصحية (حسين بيضون)
في انتظار الأسوأ في سجون تفتقد أدنى معايير السلامة الصحية (حسين بيضون)

 مشاكل بلا نهاية
عموماً، تكثر المشاكل في سجون لبنان، سواء على صعيد الاكتظاظ أو التغذية التي فاقمتها الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد أواخر عام 2019، لكن أخطرها اليوم يرتبط بالطبابة والرعاية الصحية والاستشفائية والدوائية، ما تُرجم في ارتفاع حالات الوفاة في الفترة القليلة الماضية، ودفع وزارة الداخلية والبلديات إلى التحرّك عبر طلب توفير دعم عاجل للسجون، وتقديم اقتراح بخفض السنة السجنية من 9 إلى 6 أشهر، ودعوة القضاة إلى البت سريعاً بطلبات إخلاء السبيل، وتسريع المحاكمات.
وأقام وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي، ورشة عمل حول واقع السجون، بحضور مسؤولين أمنيين، وممثلين لسفارات عربية وغربية، ومسؤولين في منظمات دولية وجمعيات معنية، ودق فيها جرس الإنذار بعد عرض الاحتياجات الملحة التي يفترض تأمينها بلا تأخير.
وأورد تقرير أصدرته وزارة الداخلية اللبنانية أن "هناك 25 سجناً في لبنان، بينها 22 محلية و3 مركزية توجد في رومية (شرق بيروت) وزحلة (البقاع) وطرابلس (شمال)، في حين أن 57.5 في المائة من السجناء والموقوفين لبنانيون، و29.2 في المائة من السوريين، و13.3 في المائة من جنسيات أخرى".
وأضاف أن "مجموع عدد السجناء 6368، بينهم 1313 محكوماً، و5055 غير محكومين. ويوجد العدد الأكبر منهم في رومية (3467)، بينهم 1025 محكوماً، و2442 غير محكومين".
وأشار التقرير إلى وجود 34 طبيباً متخصصاً في السجون المركزية الثلاثة، و16 ممرضاً وممرضة، وإلى أن عدد نزلاء المستشفيات بلغ 75 عام 2022، و365 عام 2021، و647 عام 2020، و846 عام 2019.
ولفت إلى توافر 165 نوعاً من الأدوية الضرورية، في حين هناك حاجة ماسّة لأدوية الأمراض المزمنة. أما عدد سيارات الإسعاف فيبلغ 25، بينها 7 جاهزة، و18 معطلة. أما سيارات النقل فعددها 85، منها 18 جاهزة و67 معطلة.
وتحدث التقرير عن نقص في كمية المواد الغذائية، وتراجع نوعيتها، وحاجة المطابخ إلى إعادة تأهيل، ووجود نقص في مستلزمات النظافة الشخصية الأساسية، وبينها الملابس، ومشاكل في مكافحة الحشرات. وأعلن الحاجة أيضاً إلى خدمات ومعدات تنظيف، علماً أن ثمة مشاكل أخرى تشمل نقص أجهزة الرقابة وفحص الأمتعة والأشخاص، وغيرها.

التدخل الحكومي أولوية
ويقول رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية، النائب ميشال موسى لـ"العربي الجديد": "هناك مشكلتان أساسيتان في سجون لبنان، أولاهما الاكتظاظ في ظل عدم توافر مبانٍ كافية، مقابل وجود عدد كبير من السجناء، وخصوصاً غير المحكومين، والثانية متصلة بالأزمة الاقتصادية والمعيشية والصحية والاستشفائية الخانقة التي تؤثر بالدرجة الأولى في الشرائح الأكثر تضرراً من السجناء".
ويشدد على أن "المطلوب التنسيق بين جميع الأجهزة والجهات المعنية نظراً إلى خطورة المشكلة وارتداداتها على السجناء. وجرى البحث في ضرورة تأهيل المستوصفات الموجودة، والاتفاق مع وزارة الصحة كي تستقبل المستشفيات الحكومية الحالات الطارئة، ونحن نأمل تنفيذ هذه المطالب بسرعة، فهذه أولوية حالياً".
ويؤكد موسى أيضاً أن "الاهتمام يجب أن يكون استثنائياً لسدّ الثغرات الكبيرة والمؤذية، أقلّه معيشياً وصحياً، في انتظار الانكباب لاحقاً على معالجة الأمور المالية وبناء سجون كبيرة، علماً أن مشكلة الاكتظاظ يمكن تخفيفها من خلال إصدار قانون عفو عام، لكن هذا يتطلب تفاهماً سياسياً غير متوافر اليوم، علماً كذلك أن وزير الداخلية اقترح تخفيض السنة السجنية من 9 إلى 6 أشهر، وهذه بين الحلول، لكن حتى الاتفاق على ذلك يجب تنفيذ تدخل سريع، فالوضع الصحي لا يحتمل المماطلة، ويتطلب اهتماماً خاصاً في ظل حصول وفيات في الفترة الماضية تستدعي أيضاً إجراء تحقيقات شفافة حولها من أجل معرفة أسبابها".

الصورة
تبحث السلطات تأهيل مستوصفات السجون (حسين بيضون)
تبحث السلطات تأهيل مستوصفات السجون (حسين بيضون)

سجناء متروكون لمصيرهم
بدوره، يؤكد مقرّر لجنة السجون في نقابة المحامين في طرابلس شماليّ لبنان، المحامي محمد صبلوح، الذي شارك سابقاً في توثيق تقارير مرتبطة بتعذيب معتقلين وموقوفين في السجون اللبنانية ومراكز التوقيف والاحتجاز، في حديثه لـ"العربي الجديد" افتقاد السجون أدنى معايير السلامة الصحية، "ففي سجن رومية الذي يضم أكثر من 3 آلاف سجين لا يتوافر مستشفى ميداني للحالات الطارئة، وكل منهم معرّض في أي لحظة لعارض صحي طارئ".
ويُلخّص الوضع في السجون اللبنانية بأنه "غارق في الإهمال الطبي، وسوء الإدارة الطبية، والعناية الصحية، والافتقار إلى أطباء ذوي خبرات". ويتحدث عن أن سجيناً تعرض لحالة صحية طارئة واجه مشكلة تأخير الروتين الإداري إصدار إذن بنقله إلى المستشفى الذي توفي على بابه لاحقاً، والذي يبعد دقائق عن سجن رومية.
ويلفت إلى أنه قدم دعوى ضد إدارة السجن أمام النيابة العامة التمييزية بتهمة الاستهتار، فحُفِظت من قبل المدعي العام للتمييز، باعتبار أن لا أولوية للسجون في لبنان.
ويشير إلى أنه بعد انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 والأزمة الاقتصادية، تراجعت كل الخدمات في السجون، وأهمها الصحية والاستشفائية، وبات السجين متروكاً لمواجهة مصيره، أو لتلقي العلاج على نفقة أهله. ونحن حاولنا مساعدة السجناء في تأمين التبرعات لتغطية تكاليف الاستشفاء، وفعلنا ذلك لسجين جمعنا له أكثر من 700 دولار من أجل إخضاعه لعملية قلب مفتوح، لكنه توفي".
ويتحدث صبلوح أيضاً عن سوء تشخيص الحالات المرضية، "فقد يعطى السجين المريض أدوية خاصة بآلام المعدة، فيما يكون قد تعرض لذبحة قلبية. وقد زادت هذه الحالات، والوفيات، وطالبنا بفتح تحقيق حول الاسباب، وهو ما لم يحصل"، مشيراً إلى أنه خلال أقل من سنة توفي حوالى 19 سجيناً.
ويلفت إلى وجود استهتار كبير بأوضاع السجناء والأسباب التي تؤدي إلى وفاتهم، ويقول: "في وقت تتجنب السلطات السماح بدخول منظمات دولية إلى السجون، لتفادي فضح الوقائع، تجمع ممثليها على طاولة لطلب مساعدات، بعدما تفاقم الوضع كلياً، وأنا أعمل على إعداد ملف كامل متكامل في الخارج لمحاسبة المسؤولين، إذ ليس مقبولاً الاستهتار بأرواح الناس بهذا الشكل، وترك السجناء لمصيرهم".

إصلاح القضاء قبل السجون؟
من جهته، يقول رئيس المركز اللبناني لحقوق الانسان، وديع الأسمر، لـ"العربي الجديد": "نواجه أزمة خطرة اليوم بسبب تقاعس الدولة واستقالتها من القيام بدورها وواجبها، رغم أن القانون يوجب على القضاء إجراء زيارات شهرية للسجون للوقوف على وضعها ومراقبتها". ويشير الأسمر إلى أن الوفيات التي سجلت في الفترة الأخيرة مرتبطة بالمرض أو بانعدام الرعاية الصحية، أو بنقص الطبابة.
ويعتبر أن "مقاربة وزير الداخلية للمشكلة شعبوية، فالموضوع الأهم يتعلق بعدد الأشخاص المحرومين الحرية في السجون، أي الموقوفين قيد التحقيق. وهنا على القضاء التحرّك، فهو يستخدم التوقيف الاحتياطي كأداة للضغط والعقاب في وقت ينص القانون على أن الإجراء استثنائي، لكنه بات القاعدة في لبنان. أما الحل، فيتمثل بجعل التوقيف الاحتياطي استثناءً وليس قاعدة، ولا يحصل بتخفيض السنة السجنية، فهؤلاء هم أصلاً غير محكومين بعد، وهم يشكلون أكثر من نصف عدد السجناء".
ويرى الأسمر بالتالي أن "مشكلة السجون متشابكة، ولا يمكن حلّها إلا بتطبيق خطة واضحة تتصل بالدرجة الأولى بإصلاح القضاء قبل السجون"، لافتاً إلى ضرورة اتخاذ الكثير من الخطوات لحل الاكتظاظ، منها تفعيل العقوبات البديلة، أي العمل الاجتماعي مثلاً بدلاً من السجن في أفعال جرمية معينة، وتخفيف استخدام السجن في جرائم مالية معينة، وغيرها من التدابير الإصلاحية.

المساهمون