سلع رمضانية خارج الحسابات في المغرب

سلع رمضانية خارج الحسابات في المغرب

07 ابريل 2023
حيرة أمام خيارات التبضع المكلفة في المغرب (فاضل سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -

حلّ شهر رمضان في المغرب مختلفاً هذا العام، بعدما أرخت موجة الغلاء التي تضرب البلاد بظلالها على استعدادات المواطنين للشهر الفضيل، واضطرتهم إلى التخلي عن عادات كثيرة ألفوها، وتقاليد دأبوا عليها.
تقول فاطمة الزهراء العماري، وهي ربّة بيت لـ"العربي الجديد": "ارتفعت بشكل لا يطاق قبل أشهر أسعار معظم المواد الغذائية والاستهلاكية الأساسية، وما زالت تداعياتها قائمة، ما أثّر في استعدادات العديد من العائلات المغربية لشهر رمضان".
تضيف: "نعيش يومياً على وقع ارتفاع الأسعار، ما دفعنا إلى الاستغناء عن العديد من احتياجات شهر رمضان، أو على الأقل إلى الحدّ من شرائها. لا توجد العديد من الأطباق على موائدنا، ونحن نفكر فقط في كيفية توفير أساسيات الحياة عبر الاكتفاء بشراء احتياجاتنا بكميات نصف كيلوغرام أو كيلوغرام واحد. وإذا شعرنا بأن غلاء سلعة يفوق قدرتنا نتركها".

ويؤكد متسوقون كثيرون تحدثوا لـ"العربي الجديد" أن "كل السلع والمستلزمات الضرورية متوافرة لكن موجة الغلاء في البلاد انعكست سلباً على حركة الأسواق". ويقول مصطفى، وهو بائع خضار في سوق شعبي بحيّ اشماعو في مدينة سلا المجاورة للعاصمة الرباط: "ارتفعت أسعار الخضار والفواكه وباقي المستلزمات الرمضانية كثيراً، ما جعل العديد من المواطنين يجدون صعوبة كبيرة في اقتناء ما يلزمهم. وهذا الوضع أفقد المواطنين نكهة التسوق، وأثّر بحجم الإقبال، وبالتالي على مداخيل البائعين".
يتابع: "استناداً إلى تجربتي الشخصية كبائع للخضار، أرى أن عدداً من المواطنين يستطيعون بالكاد تأمين احتياجاتهم الضرورية بعدما ارتفعت الأسعار كثيراً. وعلى سبيل المثال، ارتفع سعر الكيلوغرام الواحد من البصل إلى أكثر من 15 درهماً (1.5 دولار) والطماطم إلى 13 درهماً (1.3 دولار) والبطاطس إلى 9 دراهم (نحو دولار واحد). وبدلاً من شراء كميات كبيرة من هذه الخضار لطهو الأطباق الرمضانية، يكتفي العديد من المواطنين بكميات محدودة، ويخصصون ما بقي من مال لمواجهة تكاليف الحياة، بعدما باتوا يعيشون تحت رحمة الغلاء والمضاربين والسماسرة".
وبلغت أسعار الخضار والفواكه واللحوم بمختلف أنواعها والأسماك والتمور مستويات قياسية في المغرب خلال الأيام الأولى لشهر رمضان. ورغم أن الحكومة طمأنت الناس إلى توافر المنتجات وانخفاض الأسعار، إلا أن واقع الأسواق الحضرية والقروية خالف المعطيات الاقتصادية الرسمية التي أصدرتها الوزارات المعنية.

الصورة
استقبل المغاربة الأسبوع الأول من رمضان بأسعار أعلى (جلال مرشدي/ الأناضول)
استقبل المغاربة الأسبوع الأول من رمضان بأسعار أعلى (جلال مرشدي/ الأناضول)

وكان المغاربة قد أبدوا تفاؤلهم، قبل حلول رمضان، ببداية انحسار موجة ارتفاع الأسعار التي ضربت البلاد، بعدما كلّفت الحكومة لجان المراقبة مهمات الحدّ من المضاربين والوسطاء، وألغت الضريبة على القيمة المضافة، مع وقف استيفاء الرسوم الجمركية على استيراد الأبقار المخصصة للذبح بهدف خفض أسعار بيع اللحوم، وقررت مواصلة دعم أسعار النقل، وجمّدت تصدير الخضار والفواكه. لكن ذلك لم يغيّر الوضع كثيراً، إذ استقبل المغاربة الأسبوع الأول من شهر رمضان بارتفاع متزايد في الأسعار، رغم تبريرات الحكومة.
وبينما فرض الغلاء المعيشي سطوته على فئات اجتماعية عدة، شهدت الأيام الأولى من شهر رمضان الحالي تقليص الخيام وموائد الإفطار التي ينظمها محسنون بهدف تعزيز التكافل والتضامن في المجتمع، مقابل تنفيذ مؤسسة محمد الخامس للتضامن (رسمية) وجمعيات خيرية وخاصة مبادرات لمساعدة الأشخاص والفئات الاجتماعية الهشة.
ويخبر أحمد المرجاني "العربي الجديد" أنه أرجأ تنظيم موائد الرحمن التي اعتاد إقامتها سنوياً إلى منتصف شهر رمضان، بعدما واجه صعوبات في توفير موارد مالية إضافية لمواجهة تحديات ارتفاع الأسعار المواد الاستهلاكية. ويقول: "راهنا منذ اليوم الأول لشهر رمضان على تقديم وجبات إفطار يستفيد منها 150 شخصاً يومياً، لكن نقص الموارد وتكاليفها الأكثر ارتفاعاً هذه السنة جعلانا نرجئ إطلاق المبادرة التضامنية إلى منتصف شهر رمضان كي نستطيع جمع مزيد من التبرعات والمساهمات من المحسنين، التي تسمح بدعم برامجنا لاقتناء مواد غذائية كافية".

الصورة
أصبح مغاربة يستطيعون بالكاد تأمين احتياجاتهم الضرورية (فاضل سنّا/ فرانس برس)
أصبح مغاربة يستطيعون بالكاد تأمين احتياجاتهم الضرورية (فاضل سنّا/ فرانس برس)

من جهة أخرى، حافظ المغاربة هذا العام على عاداتهم في استقبال شهر الصوم، وعادت الأجواء الروحانية والإيمانية المتمثلة باستقطاب آلاف المساجد في المدن والقرى ملايين المصلين منذ أول ليلة رمضانية، من أجل أداء صلاة التراويح.
ويقول المرشد الديني عبد الرحمن آيت الطالب لـ"العربي الجديد": "المشاهد في المساجد مهيبة. فرح في وجه الصغار والكبار معاً يعكس معاني ارتباط المغاربة الخاص بشهر رمضان وصلاة التراويح. وهم يقبلون في هذا الشهر المبارك بشكل كبير على مدارس القرآن وقراءته في المساجد، ويحضرون المجالس العلمية والدروس الرمضانية التي تتخذ شكل خطابات تهدف إلى تعزيز التوعية بالعديد من المسائل الدينية والاجتماعية وتلك المرتبطة بالحياة اليومية".

ويعتبر آيت الطالب أن "الإقبال على المساجد يعكس مدى تمسك المغاربة بدينهم، وحرص العديد منهم على أن يجعلوا الشهر الفضيل مناسبة للتفرّغ للعبادة والتقرب إلى الله، ما يوفر لهم راحة نفسية وسكينة خلال هذه الأيام المباركة". ويلفت إلى أنه إلى "جانب كونه مناسبة روحية، يشكل رمضان بالنسبة إلى المغاربة مناسبة اجتماعية للتقارب الأسري وإحياء صلة الرحم وزيادة الأواصر المحبة. وقد حرص عدد كبير منهم في الأيام الأولى على التمسك بعاداتهم وتقاليدهم الخاصة بدعوة بعضهم البعض إلى الاجتماع على مائدة إفطار واحدة".

المساهمون