عادات وتقاليد قطر في استقبال رمضان

23 مارس 2023
طقوس وعادات اجتماعية قديمة ارتبطت بهذا الشهر (الأناضول/ Getty)
+ الخط -
 ضيف عزيز، يتهيأ الجميع لاستقباله فرحاً بقدومه، فهو شهر الصيام والقرآن والجود والكرم والتراحم والترابط، لذلك يحظى باهتمام خاص من بين المناسبات الدينية والاجتماعية للدول الإسلامية.
وكان استقبال شهر رمضان الفضيل في المجتمع القطري قديماً يحظى باحتفاء خاص، إذ يترقب القطريون قدومه كل عام بلهفة وشغف كبيرين، ولهم طقوس وعادات اجتماعية قديمة ارتبطت بهذا الشهر من قبل قدومه وحتى وداعه.

طقوس وعادات قديمة

وفي هذا الصدد، أوضح خليفة السيد المالكي الباحث في التراث القطري، أن أهم ما يميز المجتمع القطري في شهر رمضان هو زيادة الترابط والتكافل الاجتماعي، مشيرا في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية إلى أن هناك ترابطا على كافة المستويات.
المجتمع القطري كان يستعد دائما لاستقبال الشهر المبارك من خلال عادات متوارثة وتقاليد متوارثة تنبئ عن اهتمام خاص بهذا الضيف العزيز
ولفت الباحث إلى أن المجتمع القطري كان يستعد دائما لاستقبال الشهر من خلال عادات وتقاليد متوارثة تنبئ عن اهتمام خاص بهذا الضيف العزيز، حيث تتهيأ له البيوت كلها، وأكثر ما يكون الاستعداد من ربات المنازل والنساء عموما اللاتي يقمن بالكثير من المهام قبل قدوم رمضان ربما بشهر كامل، فهن في الماضي كن يقمن بتجهيز الطحين، حيث تعد المرأة القطرية "خبز الرقاق" والذي يصنع منه الثريد، وتدق الحب والذي يصنع منه الهريس، حيث إن هاتين الأكلتين لا يخلو بيت منهما أغلب أيام الشهر الفضيل. وارتبطت العادات القطرية القديمة بأطعمة معينة في هذا الشهر مثل الهريس والثريد، والساقو واللقيمات، وبالتالي كان لا بد للنساء من أن يقمن بالتحضير لهذه الأكلات، حيث يستدعي إعدادها وقتا طويلا فضلا عن أن الكم المستهلك يكون مختلفا في رمضان.
وأضاف أن عادة النساء في الزمن القديم كانت طحن الحب في المنزل وكذلك دق حب الهريس وغيره وخبز الرقاق، بالإضافة إلى أن البهارات كانت تُجلب ومن ثم تُغسل وبعد ذلك يتم تجفيفها، ومن ثم طحنها وخلطها مع بعض، كما تهتم ربة المنزل بتجديد الأواني المنزلية مع بداية رمضان خاصة الأواني التي تحتفظ بالحرارة، وتختار الأجمل في التصميم، موضحا أن الزمن الماضي كان له استعداد من ناحية توفير وسيلة الطهو أيضا، فلم تكن تتوفر الطاقة قبل ظهور البترول والغاز غير الحطب، حيث كان جمع الحطب الذي يستخدم كوقود للطهو مهمة رئيسية فيتم جلبه وتجهيزه استعدادا للشهر الفضيل، وذلك بهدف توفير قسط وافر للعبادة وقراءة القرآن الكريم.

تجهيز المساجد لاستقبال المصلين

وأشار المالكي إلى أن الشباب عليهم مهام كذلك، فكانوا يتكاتفون من أجل تجهيز بيت الله لاستقبال المصلين ويقومون بتنظيفه وغسل الحصير، مشيرا إلى أن رمضان شهر يتميز باللقاءات الاجتماعية، ففيه يتجمع الناس عقب صلاة التراويح في المجالس ويتبادلون أطراف الحديث، فضلا عن الزيارات العائلية، حيث تقوم الأسر بتوزيع الطعام، فلا يمكن أن تصنع أسرة طعاما دون أن تعطي منه لجيرانها، مؤكدا أن كل هذه الأشياء على بساطتها ساعدت في زيادة اللحمة والترابط بين كامل فئات المجتمع.
وأوضح أن شهر رمضان يختلف الآن عن السابق، ففي وقتنا الحالي تتوفر فيه جميع الاحتياجات والأصناف الغذائية المتنوعة في الأسواق والمجمعات التجارية، وإن كان المجتمع القطري ما زال متمسكا بعاداته وتقاليده في الاستعداد للشهر الكريم وكذلك الكثير من العادات التي ارتبطت بشهر الصيام.

تبادل الطعام بين الجيران

وتحدث الباحث في التراث القطري عن واحدة من أهم العادات القطرية هي تبادل الطعام بين الجيران، وهي عادة خليجية قديمة تعرف بأسماء مختلفة تدور فحواها حول انتقاص جزء من الطعام أو استقطاعه للأهل أو الجيران تعبيرا عن المحبة والمودة، فكان الناس في الأحياء قديما يتقاسمون الطعام، وتعطي كل جارة جارتها من طعامها سواء في شهر رمضان أو غيره، لكن تزداد هذه العادة مع الشهر الفضيل، الذي يتميز بأكلاته الشعبية الخاصة مثل الثريد والهريس وغيرهما.

لحمة وترابط مجتمعي

يقول علي الفياض الباحث في التراث القطري، إن الاستعداد لاستقبال شهر رمضان له خصوصية وأهمية كبيرة، حيث هو الشهر الذي تجتمع فيه الأسرة بشكل دائم وكذلك ترتبط فيه العائلة الواحدة بلحمة تزيد من وشائج وترابط المجتمع، لافتا إلى أن الاستعداد من كافة النواحي التي توفر للأسرة الطريقة المثلى لتجهيز وإعداد الطعام، حتى تتفرغ فيما بعد لمهام دينية واجتماعية، فنرى التجهيز للأكلات مبكرا وتجهيز الطحين "الدقيق" الذي يتم داخل المنزل، وفي نفس الوقت يقام ما يشبه احتفالية تعني "دق الحب" من بذور القمح والذرة وغيرهما، فتجتمع السيدات سواء من العائلة الواحدة أو من الحي الواحد، في شهر شعبان في أحد البيوت ويقمن بدق الحب بأدوات خشبية، وسط مشاعر من الفرح والسرور والغناء حيث يدق "حب الهريس" وهو من أنواع القمح لعمل مجموعة من الأطعمة التقليدية.
وأشار إلى أن الاستعداد لإقامة مناسبة ضمن شهر رمضان كان موجودا قديما كذلك فكان هناك استعداد مبكر لاحتفالية القرنقعوة بشراء الحلوى والمكسرات ليتم توزيعها على الأطفال فرحا بمن صام وهو صغير.
وأضاف أن الاستعداد لشهر الصيام يختلف حاليا عن الزمن السابق، حيث تتوفر في المجمعات التجارية مختلف الأغراض مع توفر الطاقة ما يساعد على إعداد الأكلات الشعبية القطرية باستمرار وبمجهود أقل نظرا للتطور المستمر، مؤكدا أن الزمن القديم اتسم بالبساطة في حين أنه على الرغم من المحافظة على عاداتنا وتقاليدنا القطرية اليوم، فإنه قد تدخلت بعض مظاهر البذخ الذي يصاحب تلك العادات القطرية الأصيلة.
(قنا)
المساهمون