عسل الجزائر... استثمار ناجح في مناحل الغابات

عسل الجزائر... استثمار ناجح في مناحل الغابات

30 يونيو 2021
الغابات حلّ بديل للنحّالين (ألفريدو إستريلا/ فرانس برس)
+ الخط -

مع الارتفاع الكبير في أسعار العسل في الجزائر، وزيادة الطلب عليه في السنوات الأخيرة نتيجة استخداماته المتعددة في الغذاء والعلاج وعلى شكل مكمّلات غذائية، توجّه كثر إلى الاستثمار في هذا المجال من خلال مشاريع ناجحة بتكاليف منخفضة. ولطالما شكّلت المساحات الخاصة بتربية النحل هاجساً وعائقاً حقيقيَّين للنحّالين، لا سيّما المستثمرين الذين يملكون أعداداً كبيرة من القفران. فيلجأ بعض هؤلاء إلى توقيع عقود تأجير وشراكة مع أصحاب البساتين لضمان توفّر الغذاء لنحلهم من جهة وضمان عدم تعرض القفران للسرقة من جهة أخرى. فيوضع المنحل بحسب الفصل أو نوع الفاكهة المنتجة في بستان دون آخر، لضمان التلقيح الطبيعي الذي يقوم به النحل في كلّ مرّة.
لكنّ صعوبة الحصول على مساحات تُخصَّص للمناحل في الأراضي الزراعية والبساتين في بعض المناطق، دفعت نحّالين إلى الاستفادة من مساحات في الغابات كحلّ بديل. ويقول عادل الذي حصل على شهادة من المعهد المتخصص في تربية النحل بمنطقة السلة في محافظة البليدة (جنوب الجزائر العاصمة)، إنّ التنوّع النباتي والطبيعي الذي تزخر به غابات الجزائر شكّل بيئة مناسبة لتربية النحل. ويخبر أنّه حصل على قرض في إطار أحد أنظمة الدعم المالي التي توفّرها الحكومة الجزائرية، فاشترى نحو 50 قفير نحل مع شاحنة صغيرة لنقلها وكذلك المستلزمات الضرورية لذلك. يضيف عادل: "كنت أرى أنّ تربية النحل أمر سهل وبسيط، لكن مع دخولي إلى الميدان اكتشفت العكس. ففي كلّ مرّة تتحوّل قفراني من منطقة إلى أخرى بحسب كلّ فصل، علماً أنّ منطقننا في الوسط وهي معروفة بوفرة الغذاء الخاص بالنحل منذ نهاية فصل الشتاء مروراً بفصل الربيع وحتى نهاية فصل الصيف". ويتابع أنّه "في بعض الأحيان، كنت أضطر إلى نقلها إلى الهضاب والصحراء، تحديداً في فصلَي الخريف والشتاء لضمان إنتاج وافر. وعندما أعجز عن ذلك، كنت أستأجر بستان برتقال أو ليمون أو لوز لوضع منحلي في فصل الشتاء. لكنّ صديقاً لي أرشدني إلى طريقة أخرى استفدت منها كثيراً، وهي الاستفادة من المساحات الحرشية. فتوجّهت إلى مديرية الغابات في محافظة البليدة وتقدّمت بطلب للحصول على ترخيص من أجل الاستفادة من مساحة حرشية وتسييجها في أعالي منطقة واد جر. كان الأمر مسهلاً، ومكّنني المسؤولون هناك من الاستفادة ممّا يقارب هكتارَين من غابة تتنوّع فيها الأشجار والنباتات والأزهار. وغرسنا كذلك أشجاراً يحبّها النحل وتساعده في غذائه. فأتى الإنتاج وافراً على مدى ثلاثة أعوام متتالية. كذلك ارتحت من الترحال. وأصبحت متخصصاً في إنتاج عسل الجبل وكذلك عسل الغابة الذي يُعَدّ ذا نوعية ممتازة وتصل قيمة الكيلوغرام الواحد منه إلى 50 دولاراً أميركياً".

بدورهما، أنشأ الأخوان سليم ومنير، المتقاعدان من الجيش، منحلاً في الغابة الواقعة في أعالي منطقة مناصر الجبلية في محافظة تيبازة (غرب الجزائر العاصمة). فعودتهم إلى أرض الاجداد لم تكن بغرض الزراعة بقدر ما كانت بهدف تربية النحل في الغابة. يقول سليم إنّ "فكرة المشروع راودتني مذ كنت في صفوف الجيش الجزائري. فبحكم عملي المتواصل في فرق مكافحة الإرهاب، لا سيّما في الجبال الجزائرية، نسجت علاقات مع مربّي النحل في سهول متيجة (جنوب الجزائر العاصمة) واكتشفت الأرباح الكبيرة التي تدرّها مشاريع مماثلة، خصوصاً أنّ التكاليف قليلة مقارنة بمشاريع النحّالين الناشطين في مناطق أخرى. فقفران النحل التي توضع في أعالي الجبال والغابات تكون أقلّ إصابة بالأمراض وتعرّضاً للسرقة". يضيف سليم أنّ مشروعهما، هو وأخيه، "بدأ بخمسة قفران فقط وراح يتطوّر تدريجياً حتى وصل إلى أكثر من 40 قفيراً حالياً. وهو عدد مرشّح للارتفاع بحسب الظروف. ونجاح المشروع مرتبط كذلك بعوامل أخرى من قبيل المناخ والبيئة الطبيعية ومتابعته يومياً". ويؤكد سليم أنّ "الغابات التي تشكل محيطاً طبيعياً ومتنوعاً في منطقتنا ساعدتنا كثيراً في هذا النشاط الذي نزاوله وسط أجواء هادئة بعيداً عن ضوضاء المدينة وصخبها".

الصورة
تربية نحل في الجزائر 3 (العربي الجديد)
عسل الغابة يُعَدّ ذا نوعية ممتازة (العربي الجديد)

ولا يقتصر هذا النشاط على الرجال فحسب، فثمّة نساء مقيمات في الريف قرّرنَ خوض هذه التجربة، على غرار الشابة لامية التي شاركت في معرض للعسل أقيم قبل أيام في زرالدة القريبة من العاصمة الجزائرية. ولامية من منطقة أغبال الجبلية الواقعة غربي محافظة تيبازة، وقد تركت عائلتها قريتها في تسعينيات القرن الماضي بسبب تدهور الوضع الأمني. وبعد الاستقرار الذي عرفته الجزائر، عادت العائلة إلى القرية وسعت إلى إعادة بعث الحياة في بساتين اللوز والتين والمشمش التي تدهورت بفعل التهجير والحرائق التي عرفتها المنطقة. فوجدت لامية الفرصة مواتية لتربية النحل. تقول إنّ "تعلّق عائلتي بالنشاط الزراعي زادني عزيمة على الدخول في هذا المجال بقوة، فاستفدت من إعانة من المديرية العامة للغابات في إطار دعم المناطق الجبلية الريفية. وقد حصلت بموجبها على عدد من قفران النحل وعلى رخصة للاستفادة من المساحة الحرشية الواقعة بالقرب من الأرض التي نملكها". تضيف لامية: "حصلت على شهادة تدريب خاص في المجال، وطوّرت نشاطي من عام إلى آخر. وقد تمكّنت من تشغيل ثلاثة أشخاص معي، يتكفّلون بالمتابعة اليومية والعمليات اللازمة لضمان أجود أنواع العسل".

الصورة
تربية نحل في الجزائر 2 (العربي الجديد)
النحّالون يستفيدون من مساحات الغابات (العربي الجديد)

تجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة هواجس عدّة تؤرّق مربّي النحل والمزارعين، أبرزها الحرائق التي صارت تهدّد مواقع المناحل في الغابات والوديان والبساتين، خصوصاً في فصل الصيف. فكثيرون من مربّي النحل تكبّدوا خسائر كبيرة بعد احتراق جلّ ما يملكونه، فيما تأخّرت الدولة عن تعويضهم. كذلك تأتي الخشية من السرقة التي تمثّل كذلك هاجساً حقيقياً، بعدما أضحت العصابات المتخصصة في هذا المجال تترصّد مواقع المناحل في الغابات للسطو عليها. تُضاف إلى هذَين الهاجسين، صعوبة الحصول على تراخيص للمناحل في المساحات الحرشية من قبل السلطات الوصية، إلى جانب الخسائر التي يتكبّدها النحّالون من جرّاء الاستخدام المفرط للمبيدات الكيميائية من قبل أصحاب البساتين.

وفي سياق متصل، تقول مسؤولة مصلحة استغلال وتثمين المساحات الغابية في محافظة تيبازة، وريدة دريب، إنّ "قطاع الغابات يقدّم كلّ التسهيلات لمربّي النحل من خلال منح تراخيص خاصة للاستفادة من الغابات لوضع المناحل، بالإضافة إلى تقديم المساندة من خلال توفير قفران في إطار دعم المناطق الجبلية والريفية. كذلك تُنظَّم لقاءات توعوية وتشاركية من أجل التعرّف إلى مخاوف وتساؤلات النحّالين". توضح أنّ "شعبة تربية النحل أضحت محلّ اهتمام كبير من قبل الشباب وربّات المنازل من خلال إنشاء مؤسسات عائلية ناجحة".