علموا أولادكم البرمجة... لماذا يهاجم السيسي الكليات النظرية؟

علموا أولادكم البرمجة... لماذا يهاجم السيسي الكليات النظرية؟

03 مايو 2024
تضم كليات مصر النظرية عشرات آلاف الطلاب (محمد حسام/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يشجع على تعلم البرمجة والحوسبة على حساب التخصصات التقليدية، مؤكدًا على أهمية التعليم الذي يلبي احتياجات سوق العمل، مما أثار جدلاً بين الطلاب وأولياء الأمور.
- منتقدون يرون في تصريحات السيسي سياسة لتحويل مصر إلى "ورشة" للشركات العالمية، محذرين من تأثير الذكاء الاصطناعي على مستقبل وظائف البرمجة ومشيرين إلى ضعف الرواتب وغياب الحقوق للمبرمجين المصريين.
- أكاديميون وخبراء يدعون إلى تطوير التخصصات النظرية لتواكب التقدم العلمي وتلبي احتياجات سوق العمل، مؤكدين على ضرورة تحديث المناهج والاستعانة بخبراء دوليين لرفع مستوى التعليم وتحقيق التنمية البشرية.

يكرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تصريحاته اعتقاداً جازماً بفكرة أنه لا قيمة للتعليم النظري الذي لا يحتاجه سوق العمل، لكنه لا يفعل شيئاً يذكر لتغيير هذا الواقع عبر قرارات رسمية تشمل تعديل نظام التعليم القائم في البلاد، محفزاً على تعلم البرمجة والحوسبة. وقد أثارت دعوته الأخيرة للمصريين بعدم الالتحاق بكليات التجارة والآداب والحقوق، جدلاً لا يزال صداه يتردد بين طلاب تلك الكليات وخريجيها وذويهم.
قبل عامين تقريباً، أثار السيسي الجدل ذاته حول انعدام جدوى دراسة التاريخ والجغرافيا، ليضيف إليها في تصريحاته الأحدث انعدام جدوى دراسة التجارة والحقوق والآداب، وينصح الطلاب بدراسة الحوسبة والبرمجة، لأنها، حسب قوله، مربحة، وأن "المبرمج يحصل على نحو مائة ألف دولار"، وهو رقم مبالغ فيه للغاية، ما دفع مؤيديه إلى تفسيره بأنه كان يقصد الدخل السنوي وليس الشهري، رغم أن هذا المبلغ السنوي يظل مبالغاً فيه بحسب المختصين في هذا المجال.

انتقادات لنصيحة السيسي بشأن البرمجة

واعتبر منتقدون للتصريح الخاص بعوائد البرمجة الخيالية أن الأمر يؤشر إلى طبيعة السياسة الرامية إلى جعل مصر "ورشة" للشركات العالمية التي ترغب في استقطاب العقول من دون أن تؤسس لصناعة حقيقية في البلاد، إذ يعمل غالبية المبرمجين المصريين عن بعد لدى شركات عالمية، ويتقاضون رواتب هزيلة، كما لا يتمتعون بأية حقوق. والأخطر حسب ما تؤكده بعض الدراسات هو تهديد الذكاء الاصطناعي لاستمرار وظائف عدة، على رأسها البرمجة، ما يعني أن السيسي الذي يطالب بعدم دراسة تخصصات لا مستقبل لها مثل الحقوق والآداب، ينصح الطلاب بدراسة تخصصات توشك أن تكون بلا مستقبل أيضاً.

وعبر أستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة، رشاد عبده، عن تحفظه الشديد على دعوة السيسي، مؤكداً أن "الدراسات الحديثة تظهر حاجة السوق إلى خريجي الكليات النظرية، مثل كلية الآداب التي توفر تخصصات اللغات الأجنبية. من الأولى محاسبة المسؤول عن وصول الكليات إلى هذه الهوة السحيقة، ودفع خريجيها نحو البطالة عبر إهمال تطوير مناهجها، والسماح بقبولها أعداداً كبيرة من الطلاب من دون حاجة سوق العمل إليهم".
ويضيف عبده لـ "العربي الجديد": "حكومة الهند كمثال، شجعت المبادرات الشخصية لإنشاء معاهد التكنولوجيا، والتي ساعدت في تحويل خريجيها إلى رقم صعب في هذا المجال عالمياً، ورغم أنها بدأت مع مصر في توقيت واحد، لكنها انطلقت كالصاروخ، فيما ما زلنا نراوح مكاننا، ونحمل المواطنين مسؤولية الفشل الحكومي في تطوير التعليم".
بدوره، يؤكد رئيس قسم أصول التربية في جامعة عين شمس، تامر شوقي، أن كليات الآداب والتجارة والحقوق شديدة الأهمية، ولا يمكن لأي مجتمع يبتغي التقدم والتنمية الاستغناء عنها، لكنها تحتاج إلى التطوير كونها لا تواكب التقدم العلمي والتطور التقني والمعرفي، فضلاً عن الانفصال بينها وبين متطلبات السوق. ويوضح لـ "العربي الجديد"، أن "كلية الآداب تحديداً شديدة الأهمية نظراً لتنوع أقسامها، في مقدمتها أقسام اللغات، فنحن بحاجة إلى مترجمين محترفين للتعرف على التقدم العلمي والمعرفي وترجمته للعربية".

الصورة
تحتاج جامعات مصر إلى ثورة في المقررات والمناهج (الأناضول)
تحتاج جامعات مصر إلى ثورة في المقررات والمناهج (الأناضول)

ويشدد شوقي على أهمية أقسام التاريخ والجغرافيا وعلم النفس، مضيفاً أن "التاريخ ضرورة للتعلم من الماضي واستشراف المستقبل، وعلم النفس يضمن التعامل مع المشكلات النفسية في عالم شديد التعقيد، والجغرافيا أساسية في علم المساحة ومشكلات الأراضي وغيرها. أهمية كليات الآداب والحقوق والتجارة تتصاعد عالمياً، فجامعة السوربون مهتمة بكليتي الآداب والحقوق، وتتوسع الجامعات الأميركية في التخصصات الأدبية، ما يعني ضرورة تطوير كلياتنا القائمة، وإعداد خريجيها بشكل يواكب احتياجات سوق العمل، والتوقف عن قبول أعداد كبيرة فيها، والكف عن  تكرار الحديث حول إلغائها".
في المقابل، يؤكد الأستاذ بكلية الدراسات العليا التربوية في جامعة القاهرة، عاصم حجازي، أن الدعوة إلى عدم الالتحاق بكليات الآداب والتجارة والحقوق تبدو واقعية ضمن مساعي إعادة تنظيم السلم التعليمي الجامعي لتتوافق مع متطلبات سوق العمل. مطالباً بضرورة إعادة النظر في أعداد المقبولين في كليات مثل الآداب والتجارة والحقوق باعتبارها باتت "بوابة للبطالة المقنعة"، و"تخريج كوادر تعمل بغير تخصصاتها".
ويثمن حجازي في حديثه لـ"العربي الجديد" الدعوة لدراسة تخصصات الحاسبات والمعلومات، نظراً لأنها "السوق الأوسع" حيث يستطيع الخريج العمل داخل البلاد وخارجها، مع استمرار حاجة المجتمع إلى دارسي الطب والهندسة، بينما هناك تخصصات يجب ربطها بسوق العمل لأنها تخرج الآلاف "من دون فرص عمل حقيقية".

بدوره، يرى وكيل كلية الحاسبات والمعلومات السابق في جامعة بني سويف، أسامة سعيد، أن دعوة السيسي يجب استغلالها لإحداث ثورة في المناهج والمقررات، وربطها بسوق العمل، والتوجه إلى دراسة الحاسبات والذكاء الاصطناعي بهدف مواكبة متطلبات العصر، وتجنب تحول الجامعات إلى مكان يطلق آلاف الخريجين الذين ينضمون إلى جيش العاطلين.

يضيف سعيد لـ "العربي الجديد": "يتعين على المجلس الأعلى للجامعات وقيادات القطاع التجاري الاستجابة للدعوة، والعمل على تحقيق ثورة في مناهج الكليات النظرية، وتزويد طلابها بالمهارات التكنولوجية الحديثة لتصبح محركاً للتنمية البشرية، مع ضرورة الاستعانة باستشاريين دوليين لتقديم الإرشادات، نظراً لانخفاض قدرات المؤسسات المحلية على تطبيق المعايير العالمية".
من جانبه، يؤكد المستشار الاقتصادي، أحمد خزيم، أن "حديث السيسي يكشف حجم الكارثة التي تعاني منها مصر، حيث لا يلبي التعليم الجامعي متطلبات سوق العمل"، معرباً عن دهشته من تجاهل مسؤولية الحكومة التي لم تقم بتنظيم القبول في الكليات النظرية، وتركته لمكتب التنسيق الذي يدفع بأعداد كبيرة من الطلاب إليها من دون الحاجة إليهم.
ويوضح أن "حديث السيسي حول تحقيق المبرمجين دخولاً عالية ليس واقعياً، إذ إن المبرمجين لا يزيد دخلهم السنوي عن 25 ألف دولار، في حين أن خريجي مصر في هذا المجال يفتقرون إلى القدرات والإمكانات مقارنة بالمعايير العالمية، فضلاً عن كون الانقطاع المستمر للكهرباء، وبطء سرعة الإنترنت في مصر لا يوفران مناخاً ملائماً للتعلم أو العمل".

المساهمون