كارثة الحر

كارثة الحر

07 يونيو 2023
يعاني بسبب درجات الحرارة المرتفعة (إبراهيم حامد/ فرانس برس)
+ الخط -

في عيادة أحد الأطباء جلست أراقب ردة فعل أحد المسنين حين انقطع التيار الكهربائي، وانطفأت ملطفات الجو، فبعد أقل من دقيقة بدأنا نغرق في العرق. نزع الرجل عمامته، وصار يمسح بها على وجهه تارة، ويحرك بها الهواء تارة أخرى وهو يتمتم لاعناً.
أطلقت تعليقاً كأني لا أعنيه "هذا الحر لا يُطاق... ربما حدث في سنوات خلت، وعرف أجدادنا كيف يتكيفون معه". بيد أنه أدرك قصدي ليواجهني: "لا لم يحدث، ولم يحدّثنا أسلافنا عن أن كارثة مثل هذه قد حلّت بهم". كارثة؟... هذا الشيخ يصنف حالتنا الراهنة بأنها كارثة، فهل يعني ما يقوله؟ هل هي حقاً كارثة بيئية؟
الكوارث البيئية هي تلك الحوادث ذات الأثر البيئي الواضح، وما يميزها عن الكوارث التي تنجم عن قوى الطبيعة أنها مفاجئة، طويلة الأمد، وتخلّف خسائر آنية، ولاحقة. ويتسبب فيها البشر بشكل مباشر، مثل كارثة بوبال الهندية (1984) المتسببة في تسمم نصف مليون إنسان، مات منهم الآلاف على مدى أسابيع، فيما فقد الآلاف بصرهم. وتشيرنوبيل (1986) التي بلغ ضحاياها الآلاف كذلك.
نشرت دورية "جيوفيزيكال ريسيرش ليترز" قبل عام دراسة أعدتها وكالة ناسا، مع الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (نوا)، حذرت من كارثة بيئية قادمة. فقد ذكرت أنه ومنذ العام 2005، بدأ كوكب الأرض يختزن في غلافه الجوي كميات كبيرة من الحرارة، الأمر الذي أدّى إلى تضاعف اختلال الطاقة الأرضية، ذلك بسبب تضاعف الأنشطة البشرية المنتجة للحرارة، مع ما يصلنا من أشعة الشمس، ما فاقم من حدة التغيرات المناخية.

موقف
التحديثات الحية

الدراسة أحالت الأمر إلى "ضعف قدرة المحيطات على امتصاص الحرارة". والمعروف أن المحيطات تمتص حوالي 30 في المائة من ثاني أكسيد الكربون الموجود على سطح الأرض، وتساهم في إنتاج 50 في المائة من حاجتنا للأكسجين. لكنها أصبحت الآن "تمتص فوق طاقتها في ظل الارتفاع الكبير في كميات الطاقة الحرارية، وقد لا تحتمل أكثر، ما يعني أن كوكبنا يتجه نحو كارثة بيئية لا يمكن تصور حجمها".
هل كان ذلك الشيخ يعي أن موجة الحر الحالية وُصفت بأنها تاريخية؟ إذ تسببت بموت العشرات في بلدان باردة مثل كندا وبعض الولايات الأميركية، حين زادت عن الـ45 درجة التي نعرفها هنا. 
قبل 6 سنوات كتبنا هنا عن موجة الحر غير المسبوقة في ظل حصول ما لا يزيد عن الـ35 في المائة من السودانيين على خدمة الكهرباء، وبات هؤلاء أنفسهم يتلقون نصف الخدمة أو أقل حالياً، ومع ذلك لم تحدثنا الأخبار عن وفيات كما حدث في العالم الأول... فهل نحن محصنون ضد الموت حراً أم أن لأجسادنا قدرة على التكيُّف أكثر من سوانا؟
(متخصص في شؤون البيئة)

المساهمون