محبوبة سراج: العالم تخلى عن الأفغانيات

محبوبة سراج: العالم تخلى عن الأفغانيات

12 فبراير 2022
خلال مشاركتها في اجتماعات أوسلو (تيرج بيديرسون/ فرانس برس)
+ الخط -

منذ سيطرة حركة "طالبان" على الحكم في أفغانستان في أغسطس/ آب الماضي، زادت نسبة الفقر في البلاد وتدهورت أوضاع النساء وحقوق الإنسان، التي لم تكن مثالية أصلاً أو كما تطمح الناشطات النسويات والعاملون في مجال حقوق الإنسان. لكن هذا لا ينفي أنّ البلاد نجحت في تحقيق تقدم في مجالات عدة. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنّ أفغانستان تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة على الرغم من التحسن الأمني في ظل توقف الاقتتال في غالبية المناطق مع سيطرة "طالبان" على الحكم. ولم تعترف أيّ حكومة حول العالم بـ"طالبان" كحكومة شرعية حتى الآن. كما أنّ الدول الغربية جمدت أموال أفغانستان في المصارف والمؤسسات الدولية. وتربط تلك الدول أيّ اعتراف مستقبلي بحكم "طالبان" أو الإفراج عن تلك الأموال بالخطوات التي ستتخذها الحركة على الأرض بما فيها تلك المتعلقة بحوق المرأة والأقليات. وعلى الرغم من بحث وسائل الإعلام الدولية الأزمة الأفغانية على مستويات عدة، بما فيها أوضاع النساء والأقليات ومنظمات المجتمع المدني، قلّما نرى ممثلين عن تلك الشرائح تتحدث باسمها. 

وفي نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، عقد مجلس الأمن الدولي في نيويورك جلسة خاصة لمناقشة الوضع في أفغانستان، حضرها رئيس الوزراء النرويجي يوناس غار ستوره، الذي ترأست بلاده المجلس لذلك الشهر. بالإضافة إلى عدد من السياسيين ومسؤولين في الأمم المتحدة، دعت النرويج الناشطة والحقوقية محبوبة سراج، لحضور الجلسة والتحدث كممثلة عن منظمات المجتمع المدني الأفغاني، هي التي رفضت مغادرة أفغانستان بعد سيطرة "طالبان" على الحكم. كما حضرت سراج الاجتماعات التي عقدت مع الحركة في عاصمة النرويج أوسلو نهاية الشهر الماضي. وقدمت سراج إحاطتها أمام المجلس وركزت على الدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع الدولي للمضي قدماً من أجل النهوض في البلاد. 
وأبرز ما جاء في مداخلتها أمام المجلس مطالبتها المجتمع الدولي بوضع شروط واضحة عند تقديمها أي دعم اقتصادي وسياسي إلى "طالبان"، تأخذ في الحسبان حقوق الإنسان بما فيها حقوق النساء والأقليات. كما انتقدت الانسحاب السريع وغير المنسق للقوات الدولية، معربة عن استغرابها إرسال المجتمع الدولي وفوداً مكونة من رجال في الغالب للقاء "طالبان"، واصفة ذلك بالمؤشر الخطير ودليلاً على عدم "تقديركم لحقوقنا أو وجهات نظرنا". وأشارت إلى أنّ إرسال النساء الأجنبيات غير كافٍ مشددة على ضرورة أن تكون أيّ عملية حكم في أفغانستان تشاركية تشمل الأفغانيات من قلب البلد. وتحدثت عن تهجير مئات الآلاف من الأفغان ناهيك عن تهميش النساء "وشطبهن من الحياة العامة". وقالت: "يتحمل المجتمع الدولي المسؤولية عن تنفيذ وعوده وإبقاء حقوق المرأة الأفغانية على سلم أولوياته في تعامله مع طالبان"، مشيرة إلى تعطيل مدارس الفتيات وخوف النساء من الخروج من بيوتهن خشية استهدافهن وفرار أخريات، عدا عن خوف القاضيات من الجناة اللواتي حكمن عليهن بالسجن، وتقييد قدرة النساء على التحرك بحرية ولوحدهن. أضافت: "يبدو أن العالم تخلى عن الأفغانيات لكن لن نستسلم، وسنستمر بالاحتجاج في الشوارع على الرغم من التهديد والعنف".  

الصورة
محبوبة سيراج (ماركوس ييم/ Getty)
محبوبة سراج تنتقد شطب النساء من الحياة العامة (ماركوس ييم/ Getty)

وعن الخطوات التي يمكن للمجتمع الدولي اتخاذها لمحاسبة حركة "طالبان" في ما يتعلق بحقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص، تقول في حديثها لـ "العربي الجديد" إن الأمر يتعلق بعدد من القضايا منها على سبيل المثال قضية "المُحرم" أي أن يكون هناك مرافق ذكر للنساء في أي مكان يردن التوجه إليه. وتصف الإجراء بـ "السخيف الذي يجب أن يتوقف"، لافتة إلى أنه "نهج يجعل حياة النساء صعبة للغاية، إذ إن كثيرات مسؤولات عن تأمين لقمة العيش لعائلاتهن. وليس لدى غالبيتهن رجال يمكن أن يرافقنهن. كما أنّ هناك ملايين الأرامل في أفغانستان. فماذا يفترض بهن أن يفعلن؟ هل يجب أن يحتضرن أو يمتن في الوقت الذي لا يقدم لهن أحد أيّ عون؟". تضيف: "عندما يتفق المجتمع الدولي مع طالبان على أمر ما، يتوجب عليه أن يضع حاجات النساء في المقام الأول، والتأكيد على ضرورة أن تحترم حركة طالبان حقوق الإنسان وحقوق المرأة، بما فيها حقهن في التعليم والعدالة والتنقل وغيرها. يجب أن تحترم جميعها. انطلاقاً من هذه الثوابت، يكون التفاوض مع الحركة". كما ترى أنّه "يجب أن يتفاوضوا معها حول الإفراج عن الأموال الأفغانية أو تقديم المساعدات في المستقبل وغيرها. وهذا أمر يجب مراعاته بغض النظر عمن يحكم أفغانستان أو أي حكومة قائمة. وإلّا فإنّه لن يكون ممكناً تحقيق مسألة إشراك النساء الأفغانيات في جميع مجالات الحياة. لا يمكن أن نلغي نصف سكان أفغانستان. هذا غير عملي وغير صحيح ولا يمكن السماح به".  
سراج التي شاركت في المحادثات التي نظمتها الحكومة النرويجية مع "طالبان" وجهات أخرى، بمن فيها ممثلات عن المجتمع المدني، تقول إن "الهدف من هذه الاجتماعات لم يكن التوصل إلى شيء ما أو أتفاق ما. إذ تركز الهدف على فتح الباب من أجل أن نتمكن نحن من التواصل مع طالبان. خلال الأشهر الستة الماضية، لم نتمكن من التواصل مع الحركة على الرغم من كل محاولاتنا. ولم يكن ممكناً الوصول إلى صانعي القرار أو أصحاب المراتب العليا في الحركة. لكن أخيراً تمكنّا من ذلك في أوسلو، وقد استمعنا إلى بعضنا البعض". تضيف: "قدمنا لعناصر طالبان خريطة طريق تشمل توقعاتنا وكيفية حدوث ذلك" مشيرة إلى أنّ "خريطة الطريق التي قدمناها كانت بسيطة وتتعلق بعدد من الأمور من بينها الحكومة المستقبلية المؤقتة، والدستور، والانتخابات المستقبلية". 

الصورة
محبوبة سيراج (إيليز بلونشارد/ فرانس برس)
محبوبة سراج تطالب يوضع حاجات النساء في المقام الأول (إيليز بلونشارد/ فرانس برس)

وعن مطالبها والناشطات النسويات، تقول: "كان لدينا دستور خلال فترة الرئيسين السابقين حامد كرزاي وأشرف غني. وكان الدستور قوياً ومتقناً. إلّا أنّه جرى كسر بنوده وعدم الالتزام به أو تنفيذه. وتلفت إلى أن "دستوراً في الاتجاه على هذا الخط سيكون جيداً أو حتى دستور محمد ظاهر شاه، في العهد الملكي، وعلى ما يبدو فإنّ طالبان يحترمونه. لكن طبعاً يجب أن يكون بالإضافة إلى ذلك احترام لحقوق الإنسان وحقوق النساء الأفغانيات. لا بد من التذكير هنا أنّ أيّ مكان في العالم لا يسمح فيه للنساء في ذلك البلد بالمشاركة في مجالات الحياة المختلفة، فإنّ هذا سيعني أنّ ذلك البلد لن يصل إلى أي مكان ولن يحقق التقدم المنشود. هذا بغض النظر عمن يمسك مقاليد الحكم ونحن كنساء نفهم هذا وهذا ينطبق على أي بلد. وعدم مشاركة النساء تعني أنّ البلد لن يتقدم في أي مجال سواء المالي أو الاقتصادي أو الاجتماعي وغيرها. لا شيء. لذلك من الضروري أن تكون النساء جزءاً منه.   
لكن كيف يمكن أن تقدم النساء والناشطات حول العالم الدعم للنساء في أفغانستان؟ تقول: "لا يمكن أن أصف حجم التضامن والدعم الذي حصلنا عليه من النساء حول العالم. كان ذلك رائعاً حقاً وأريده أن يستمر. يجب ألّا يقتصر هذا على أفغانستان أو أي بلد بعينه، بل يجب أن يكون لدينا وبيننا كنساء تضامن ودعم بعضنا لبعض في جميع أنحاء العالم، وعلينا أن نقوم بهذا ونكثف جهودنا كنساء في كلّ مكان". 
ورداً على الحديث عن عمليات خطف وترهيب للنساء خصوصاً الناشطات، تقول: "في ما يتعلق بحياتي اليومية، هناك مخاوف طوال الوقت. لكنني لا أجعل ذلك يتحكم بي أو يصبح جزءاً من حياتي. لا يمكنني العمل بهذه الطريقة. أؤمن أنه مهما كانت الظروف فإنني سأقوم بعملي وأفعل كل ما في وسعي لتغييرها".  

يشار إلى أن سراج ولدت عام 1948 في كابول، ودرست في جامعة كابول قبل أن تغادر إلى الولايات المتحدة عام 1978 وتعيش هناك في المنفى لمدة 26 عاماً قبل أن تعود إلى أفغانستان عام 2003. شاركت في تأسيس عدد من المنظمات المدنية لمحاربة الفساد والدفاع عن حقوق المرأة وتمكين ضحايا العنف المنزلي والدفاع عن صحة وحقوق الأطفال. كما شاركت في تأسيس "شبكة النساء الأفغانيات" غير الربحية. وبعد سيطرة "طالبان" على الحكم، قررت البقاء في البلاد واختارتها مجلة "تايم" الأميركية واحدة من أكثر مائة شخصية مؤثرة حول العالم لعام 2021 في سبتمبر/ أيلول الماضي.  

المساهمون