"مسجد تينمل"... الزلزال يُدمّر مهد الدولة الموحدية

"مسجد تينمل"... الزلزال يُدمّر مهد الدولة الموحدية

15 سبتمبر 2023
ما تبقى من مسجد تينمل التاريخي (فيسبوك)
+ الخط -

على مدار أكثر من 9 قرون، ظل "مسجد تينمل" التاريخي، والذي يطلق عليه محلياً اسم "الجامع الأعظم"، شامخاً في وسط جبال الأطلس الكبير الشاهقة، وعلى ضفاف نهر "نفيس"، في الجزء الغربي من مدينة تينمل، التي تبعد نحو مائة كيلومتر من مدينة مراكش المغربية.
قاوم المسجد عوامل الزمن وتقلبات المناخ منذ كان شاهداً على حقبة ذهبية شكلت مهد الدولة الموحدية، قبل أن يتحول معظمه إلى ركام من جراء الزلزال الذي ضرب المغرب، قبل أسبوع، وألحق أضراراً كبيرة بمناطق واسعة، كما كان سببا في طمس جزء من إرث معماري فريد.
شُيّد المسجد التاريخي في عام 1148، بأمر من الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن علي، تخليداً لذكرى المهدي بن تومرت، في الموقع الذي انطلقت منه الدعوة الموحدية، ويصف مختصون المسجد بأنه "من بين أهم ما أنجزه المعمار الإسلامي" في ما يتعلق بأحجامه المتوازنة، وتناسق تركيبه وزخرفته، وصولاً إلى مستوى الترابط الهندسي، فضلاً عن المكانة الخاصة التي اكتسبها الدينية والعسكرية.
يقول المؤرخ المغربي أحمد البوزيدي لـ "العربي الجديد": "يمكن اعتبار مسجد تينمل من أيقونات العمارة الموحدية التي حرصت عبر تاريخها على التميّز، واعتُبرت نموذجاً معمارياً فريداً في التاريخ الإسلامي".
كان المسجد يتميز كغيره من مساجد الموحدين في المغرب والأندلس، بمئذنته التي تتوسط أحد أضلاعه، وجرى بناؤه وفق تصميم مستطيل الشكل على مساحة طولها 48.10 مترا وعرضها 43.60 متراً، وهو محاط بسور مرتفع تعلوه شرفات، وتتكون قاعة الصلاة من تسعة أروقة موجهة نحو القبلة، كما يشكل التقاء البلاط المحوري والرواق الموازي لجدار القبلة شكلا هندسياً مميزاً.
وقد تم ترميم المسجد خلال السنوات الأخيرة، ليصبح قبلة للمهتمين بالعمارة الإسلامية والسياح على حد سواء، إذ تشير الكتابات التاريخية إلى الدور الدعوي والتعبدي الذي كان يحتله، إلى جانب اعتباره صرحاً للتعلم، فكان العلماء يأتون إليه من سائر جهات المغرب، ومن الأندلس، لتدريس مئات الطلاب الذين يتوافدون عليه، كما كان يحتوي على خزانة كتب كبيرة.
ويعتبر المؤرخ والباحث المغربي عبد الواحد أكمير، أن "المسجد الذي دمره الزلزال، تأَسَّسَت فيه أعظم إمبراطورية في تاريخ المغرب الإسلامي، إذ أقام الموحدون إمبراطورية كبيرة امتدت من إسبانيا شمالاً إلى الحدود المصرية الليبية شرقاً في القرن الثاني عشر الميلادي، وكان ذلك انطلاقاً من مسجد تينمل الذي قاوم الزمن لأكثر من تسعة قرون، قبل أن يدمره الزلزال مؤخراً".
ويقول البوزيدي: "يمكن اعتبار الدمار الذي أصاب مسجد تينمل ضربة موجعة للتراث العمراني المغربي. أكثر من 9 قرون طمستها كارثة طبيعية".

الصورة
مسجد تينمل التاريخي في المغرب (هيو هاستنغز/Getty)
هكذا كان مسجد تينمل التاريخي قبل الزلزال (هيو هاستنغز/Getty)

ويصف مسؤولون ما لحق بمسجد تينمل من دمار، بأنه "كارثي"، وقامت لجنة معاينة تابعة لمديرية الثقافة بجهة مراكش بزيارة إلى المكان لمعاينة حجم الضرر، وطالب مؤرخون ونشطاء بالعمل على إعادة ترميم المسجد، لما له من مكانة في التاريخ المغربي، إذ يمثل النموذج الأمثل لدولة الموحدين، وأحد النماذج التي ارتكز عليها تشييد المساجد طوال العقود اللاحقة، كما أنه نموذج هندسي للمبادئ المعمارية والزخرفية التي جعلت منه مرجعاً من المراجع الأساسية للفنون في الغرب الإسلامي.
ويؤكد المؤرخ أحمد البوزيدي لـ "العربي الجديد"، أن "ما لحق بالمسجد من جراء الزلزال سيفرض تضافر الجهود بين الحكومة والباحثين في التاريخ والتراث والعمارة من أجل ترميمه، وإعادته إلى ما كان عليه قبل الزلزال، والخبراء المغاربة قادرون على العناية بالتراث الثقافي الذي يعكس جذور الهوية المغربية".

بدوره، طالب الأكاديمي المغربي عبد السلام بلاجي، بتكاتف الجهود لترميم مسجد تينمل الذي أنشأه المهدي بن تومرت، والذي انطلق منه لبناء دولة الموحدين التي وحدت بلدان شمال أفريقيا، وامتد نفوذها إلى أعماق أفريقيا، واستجابت لنداء صلاح الدين الأيوبي لتحرير القدس، مشيراً في تدوينة على "فيسبوك" إلى "الحاجة إلى تعاون عربي وعالمي لإعادة ترميم هذا التراث الإسلامي العربي الإنساني".
من جهتها تواصل لجنة من منظمة "اليونسكو"، في مدينة مراكش، العمل على تنسيق الجهود مع السلطات المختصة من أجل وضع خطة لإعادة الأماكن الأثرية المتضررة إلى حالتها الأولى، فيما تعهدت وزارة الثقافة المغربية بالعمل على إعداد برنامج عاجل لترميم وصيانة جميع المباني والآثار التاريخية المتضررة من الزلزال، ومن بينها "الجامع الأعظم".

المساهمون