معلبات الفول سيدة موائد غزة

معلبات الفول سيدة موائد غزة

07 يناير 2021
الفول في المقدمة (محمد الحجار)
+ الخط -

الأزمات المعيشية المتعاقبة في قطاع غزة الفلسطيني المحاصر حدّت من قدرة السكان على شراء اللحوم، فحلّت معلبات الفول بديلة عمّا افتقدوه من غذاء

تنتشر عروض التخفيضات على معلبات المأكولات في المتاجر والأسواق والمولات في قطاع غزة. وبينما تكثر العروض على كلّ شيء لاجتذاب المتسوقين، فإنّ ما يختص منها بمعلبات الفول يغري الجميع، تبعاً لرخص ثمنها بالدرجة الأولى، كما قيمتها الغذائية الجيدة.
جميع المتاجر والمولات تقريباً تضع شعارات العروض بالقرب من علب الفول لجذب المتسوقين إلى سلعة أرخص بكثير من الخضروات، عدا عن الفارق الشاسع مع اللحوم، إذ إنّ بعض الأنواع لا يتجاوز سعر العلبة الواحدة منه شيكلاً واحداً (0.30 دولار أميركي)، وتكفي هذه العلبة لإعداد طبق كبير، ربما يكفي وجبة أسرة صغيرة. محمد النجمة، صاحب متجر كبير في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، يقول إنّه يبيع يومياً ما بين 400 و600 علبة فول، مما يضعه ضمن عروض متجره. ويلفت إلى أنّ معظم المتاجر تبيع علب الفول بسعر موحد، لأنّها سلعة يومية تباع بشكل أسرع من المعلبات الأخرى، وهي أرخصها ثمناً. ويقول إنّ أسراً كثيرة تخلت مرغمة عن مأكولات عدة مكلفة في ظلّ الفقر الذي تعيشه واستبدلتها بالفول، حتى إنّها في كثير من الأحيان لا تتمكن من شراء الصعتر، وهو من العناصر الأساسية لوجبات الإفطار عند الفلسطينيين. ويلفت إلى أنّ بعض زبائنه يشتري تلك العلب، دَيناً، في بعض المرات، على أن يتم يسدد بعد تقاضيه راتبه إذا كان موظفاً، أو وصول مساعدة وزارة الشؤون الاجتماعية، مرة كلّ ثلاثة أشهر. ويقول النجمة لـ"العربي الجديد": "كنا نشاهد الطبقات الفقيرة في الأفلام المصرية، كيف تعتمد على الفول في الإفطار والعشاء، واليوم باتت الحال نفسها في غزة، حيث الفقر عمّ معظم السكان. والفارق الوحيد في فول القطاع أنّه من المعلبات التي يسهل إعدادها، كما أنّها أرخص ثمناً من الفول الاعتيادي المجفف". وتستورد عشرات الشركات المحلية في غزة معلبات الفول بأنواعها المختلفة، من مصر وغيرها، كما تعبّأ محلياً أنواع فول مستوردة أخرى.

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويعدّ الغزيون الفول بطرق عدة، منها الطريقة الغزية التي تمتزج مع زيت الزيتون والفلفل الأخضر الحار، وأخرى بالطريقة الفلسطينية التي تلحظ وجود الحمص المطحون مع الفول، في الطبق الفخاري المعروف بـ"الزبدية"، وهناك الطريقة المصرية، عبر طحنه تماماً في الطبق مع إضافة طحينة السمسم إليه.

الصورة
معلبات الفول في غزة - محمد الحجار

من جهته، يقول شعبان جودة إنّ الظروف المعيشية الصعبة قلبت موازين الغزيين في تناول الطعام، فقبل عشرة أعوام، كان يتسوق في أكبر أسواق مدينة غزة لشراء أجود أنواع الطعام، لإعداد ولائم لأسرته المكونة من 11 فرداً، لكنّه عاطل من العمل، منذ خمسة أعوام، بعدما أقفل متجره للأدوات الكهربائية، فبات يتسوق بحسب ما يتوفر معه من مال. يضيف لـ"العربي الجديد": "كنت، مثلاً، أشتري اللحوم والدواجن، يومياً، لكنّني في الوقت الراهن، لا أشتريها إلّا مرة واحدة في الشهر. وعندما أدخل إلى السوق، أقصد المعروضات من معلبات الفول، ومن بعدها العدس ثم الأرزّ والخضروات. بتنا من الفئة المطحونة في المجتمع للأسف، فالمهم لدينا أن نجد غذاء مهما كان، وهكذا باتت معلبات الفول مقدسة لدى كثير من سكان غزة". الاعتماد على معلبات الفول، يذكّر جودة بأيام طفولته عندما كان يعيش حياة الفقر في مخيم الشاطئ، غربي مدينة غزة، قبل أن ينتقل إلى منطقة الكرامة، شمالي القطاع، قبل عشرين عاماً. وفي أيام الفقر تلك، كانوا يحصلون على معلبات فول كبيرة ضمن المساعدات الغذائية للاجئين من وكالة "أونروا".

الصورة
معلبات الفول في غزة - محمد الحجار

أما عبد الله الفلاح، فيشتري أسبوعياً سبع علب فول، من نوع معين من العروض، قيمتها جميعاً 10 شيكلات (3 دولارات)، وذلك منذ عامين. يعدها بنفسه بطرق عدة، ولا تزعجه المسألة، على العكس من أبنائه الخمسة الذين يكرهون الفول ويخفون كرههم ذاك عن والدهم، لمعرفتهم بأنّه غير قادر على توفير غذاء آخر لهم. الفلاح موظف تابع للسلطة الفلسطينية لا يتقاضى سوى 150 دولاراً من راتبه شهرياً، لأنّه يسدد قروضه المصرفية التي أخذها لسداد تكاليف دراسة ابنته الكبرى يمنى، وبناء سقف منزله، إلى جانب ديون أخرى تقتطع من راتبه إلى الدائنين مباشرة. ويشير إلى أنّهم خلال الشهرين الماضيين اعتمدوا  على البقوليات، وأبرزها الفول، في جميع وجباتهم الغذائية. يتمنى أن تتحسن الظروف ليتقاضى راتباً كاملاً، يمكّنه من جلب اللحوم والدواجن وكثير من المأكولات لأبنائه.

قضايا وناس
التحديثات الحية

بدوره، يبيع نايف العطار معلبات الفول، على بسطته في سوق جباليا، شمالي قطاع غزة. يقول لـ"العربي الجديد": "ما أسمعه من الزبائن عن فقرهم واضطرارهم لشراء الفول، يحزنني بشدة. أعيش في صراع طموحي إلى البيع الوفير والإنصات إلى هموم الناس. وفي كلّ الأحوال، أعتقد أنّ الفول بات وجبة رئيسية سواء عند الإفطار أو العشاء".

المساهمون