موجة الحرّ الحالية تذكّر أوروبا بكارثة عام 1540

14 يوليو 2022
بريطانيا من بين الدول التي تواجه موجة حر شديدة (جوستين طاليس/Getty)
+ الخط -

يعيد الطقس الحار الذي تواجهه بريطانيا وأوروبا حالياً إلى الأذهان تحدّيات صيف عام 1540، الحدث الأكثر خطورة في تاريخ الجفاف والحر الذي عانت منه أوروبا، وراح ضحيته الآلاف بعد إصابتهم بالزحار أو الديزنطاريا (التهاب واضطراب في الأمعاء وخاصة في القولون يؤدي إلى إسهال شديد) من شرب المياه الملوثة.

كما نفقت العديد من الحيوانات، إما من العطش أو من ضربة الشمس، وأغمي على عمال الزراعة في الحقول وكروم العنب. وكان من الطبيعي أن يتدنى الحصاد، وهو ما أدّى إلى قفزة عالية في أسعار الحبوب والخبز، حتى عجز معظم الناس عن شرائه.

كذلك، اندلعت الحرائق في الغابات، وفي كل مكان حتى وصلت إلى المدن وغطّى الدّخان القارّة، ليتّهم الكاثوليك والبروتستانت بعضهم البعض بالحرق العمد. ووقعت عمليات خطف وأعمال قتل انتقامية، وتحصّن القرويون في منازلهم خوفا من العنف.

ومنذ سنوات فقط، استطاعت مجموعة دولية مؤلفة من 32 عالماً، أن تظهر أنه في عام 1540 عانت أوروبا من موجة حر وجفاف كبير، في ورقة بحثية بعنوان "الحر والجفاف الأوروبي غير المسبوق في عام 1540- أسوأ حالة" التي نشرت في مجلة التغير المناخي في 28 يونيو/حزيران 2014.

وبالاستناد إلى أكثر من 300 مصدر تقرير وثائقي مباشر عن الطقس، يبدو أن أوروبا تأثرت بجفاف ضخم غير مسبوق استمر 11 شهراً. وكان العدد التقديري لأيام هطول الأمطار في أوروبا الوسطى والغربية في عام 1540 أقل بكثير من الحد الأدنى لمدة 100 عام لفترة القياس الآلية لفصلي الربيع والصيف والخريف.

تدعم هذه النتيجة أدلة وثائقية مستقلة تشمل الانخفاض الشديد لمستوى المياه في الأنهار وحرائق الغابات والمستوطنات البرية في جميع أنحاء أوروبا. ويعتقد العلماء أنه لا يمكن محاكاة حدث بهذه الخطورة حتى بواسطة أحدث النماذج المناخية.

قلق من درجات الحرارة

اليوم، تثير الحرارة المرتفعة حالة من القلق، خاصّة في ظلّ الاهتمام ورفع مستوى الوعي بقضايا التغيّرات المناخية والاحتباس الحراري. لكنهاّ لا تصل إلى حالة الهلع، التي عاشها أسلافنا عام 1540 حين عانوا من الصيف الأعلى حرارة في أوروبا، واعتقدوا أنّ نهاية العالم قد اقتربت. وذلك لأنّنا نعيش في عصر حديث ونستطيع فهم ما يجري مع وجود خبراء يفسّرون الأسباب ويقدّمون التعليمات اللازمة لتفادي كارثة مناخية مماثلة.

بدأ الجفاف في أوروبا في جنوب جبال الألب في عام 1539، وفق الأدلة التي جمعها العلماء من أكثر من 300 وثيقة بما في ذلك السجلات التي يحتفظ بها المزارعون والكنائس وحراس الأقفال (الموظفون الذين يحافظون على قفل نهر أو قناة). وبحلول شهر أكتوبر/تشرين الأول، كانت مواكب الدعاء لله من أجل المطر منتشرة في إسبانيا. كذلك، يصف التاريخ الإيطالي الشتاء ذلك العام بأنه كان جافاً ودافئاً كما كان في يوليو/تموز. وانتشر الجفاف شمالاً في أوائل عام 1540. وجفّت التربة وتشقّقت بشكل كبير. فنتج عن ذلك دورة ردود فعل، إذ أدّت قلة المياه المتاحة للتبخر إلى تبريد أقل للهواء وبالتالي إلى مزيد من الجفاف في التربة.

وكانت موجة الحر كارثية، فكان عدد الأيام التي تزيد فيها درجات الحرارة عن 30 درجة مئوية (86 درجة فهرنهايت) ثلاث مرات على الأقل، أعلى من المعتاد. وجفّت الآبار والينابيع بشكل لم يسبق له مثيل من قبل.

وفي هذا الشأن، أفاد المؤرخ السويسري كريستيان فيستر بأنه كان لا يمكن العثور على قطرة ماء حتى عمق متر ونصف تحت طبقات العديد من مجاري الأنهار. حتى أن بعض الأنهار الرئيسية انخفض مستوى المياه فيها بما يكفي لعبورها سيراً على الأقدام. ففي عام 2003 تدّنى حجم المياه في نهر إلبه (من أهم أنهار أوروبا الوسطى، ينبع من جبال الكركونوشه في جمهورية التشيك ويخترق التشيك وألمانيا قبل أن يصب قرب مدينة هامبورغ في بحر الشمال) إلى حوالي نصف الكمية المعتادة.

بيد أنّ الباحثين يقدّرون أنه في عام 1540 وصل حجم مياهه إلى عُشر الكمية المعتادة. وتشير التقديرات إلى أن أوروبا الوسطى ككل، تلقت حوالي ثلث كمية الأمطار المعتادة.

أسباب الكارثة غامضة

حتى اليوم، لا تزال أسباب كارثة عام 1540 غامضة. لكن يبدو جلياً أن مواجهة العالم لمثل موجات الحر الشديدة، أصبح اليوم مرجّحاً أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البشرية.

في السياق، يلاحظ كريستيان فيستر من جامعة برن، أن عودة الجفاف وموجة الحرارة التي حدثت عام 1540، سيكون لها عواقب وخيمة اليوم على الزراعة والنقل وصحة الإنسان، ويحذّر أن كارثة عام 1540 يجب أن تكون تذكيرا لما يمكن أن تواجهه البشرية.

ولا أحد قادر على تخيل حجم وشدة الأحداث ذات الاحتمالية المنخفضة وعالية التأثير التي من المتوقع تكرارها في المستقبل كنتيجة لاستمرار الاحتباس الحراري.

غالبا ما تُعتبر موجات الحر لعام 2003 في أوروبا الغربية و2010 في روسيا، أنها شذوذ مناخي نادر خارج التجربة السابقة ونذير لظواهر متطرفة أكثر تواترا في المستقبل المتأثر بالاحترار العالمي. مع ذلك، وجد العلماء أنّ درجات حرارة الربيع والصيف في عام 1540 كانت أعلى، بالاستناد إلى تقديرات درجات الحرارة في سويسرا، حيث يُفترض من عدد كبير من الأدلة الوثائقية النوعية المتماسكة حول الجفاف الحراري البارز في عام 1540، أن درجات الحرارة كانت على الأرجح أكثر تطرفا في المناطق المجاورة لأوروبا الغربية والوسطى مقارنة بعام 2003.

المساهمون