ميثاق الهجرة الجديد... أوروبا تضحّي بحق الحماية للاجئين

ميثاق الهجرة الجديد... أوروبا تضحّي بحق الحماية للاجئين

19 أكتوبر 2020
تُنقل العائلة إلى مخيم جديد في اليونان (لويزا غولياماكي/فرانس برس)
+ الخط -

لن يكون مسار ميثاق الهجرة الجديد سهلاً في ظل غياب رؤية أوروبية موحدة. والخلاف ليس محصوراً بتفاصيل الميثاق فقط، بل إنه يهدّد مبادئ الاتحاد الأوروبي الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، بعدما قرر الأخير التضحية باللاجئين

فضح حريق مخيّم موريا للاجئين في اليونان، المماطلة المستمرة لإصلاح قانون اللجوء والهجرة الأوروبي. وما كان متعذراً أصبح ممكناً نسبياً، والسبب تهديد وباء كورونا لهؤلاء الناس القابعين في مخيمات تفتقر إلى أدنى الحقوق الإنسانية التي يتباهى بها الأوروبيون، وقبول تجاهل الحقوق الأساسية للمهمشين والأقليات داخل الحدود الأوروبية، ما يمهّد الطريق للتشكيك بمدى تبني هذه الحقوق، حتى لدى مجموعات أخرى.  
ومع طرح المفوضية الأوروبية أخيراً ميثاق الهجرة الجديد، لاقت بعض المقترحات التي تضمنها العديد من الاعتراضات، من منطلق أن الميثاق المطروح لا يقدّم حلاً مستداماً ولا إجابة فورية للعواقب الملحّة لسياسة الهجرة الفاشلة أو المفتعلة، مع الإشارة إلى أن الأرقام أثبتت أن الاتحاد الأوروبي حقّق هدفه المعلن المتمثل بتقليص أعداد اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا بشكل كبير. وفي حين وصل أكثر من مليون طالب لجوء إلى دول الاتحاد الأوروبي عام 2015، انخفض الرقم إلى 140 ألفاً خلال 2018. لكن في عام 2020، لم يتجاوز الرقم الـ 58 الفاً، بحسب ما ذكرت الصحيفة الألمانية الأسبوعية "دي تسايت" أخيراً.

ويتضمن ميثاق الهجرة الجديد ضبط الحدود الخارجية للاتحاد بالشكل الأمثل، وتسريع البت بطلبات اللجوء، وتعزيز وتفعيل عمليات إعادة من لا يستحقون الحماية الدولية من المهاجرين، والتعاون مع الدول التي يأتي المهاجرون منها والدول الشريكة. ويتضمن الميثاق "آلية تضامن إلزامية" بين الدول الأوروبية في حال حصول ضغط في هذا المجال وإعادة أعداد أكبر من الذين ترفض طلبات لجوئهم.

مقترحات خاطئة   
نقلت صحيفة "تاغس شبيغل" الألمانية عن الباحثة في معهد السياسة الاجتماعية في جامعة فيينا للاقتصاد والأعمال، يوديت كولنبرغر، والباحث السياسي المتخصص في قضايا اللاجئين والرئيس المشارك لمجموعة الديمقراطية ونقل الاستشارات السياسية في المركز الألماني لأبحاث التكامل والهجرة في برلين، أولاف كلايست، أنه خلال البحث عن قاسم مشترك بين دول الاتحاد الأوروبي، يتبين أنه كمبدأ أساسي، تمت التضحية بحماية اللاجئين. كما أن دول الاتحاد، وبالأخص مجموعة فيشغراد أو v4 (تحالف ثقافي وسياسي لأربع دول في وسط أوروبا هي التشيك، المجر، بولندا وسلوفاكيا)، تؤكد أنّه يتوجب على أي شخص يريد الحفاظ على سيادة القانون كأساس للمؤسسات والقيم الديمقراطية في أوروبا، التضحية بحقوق اللاجئين. ولا يجب أن يصبح التعامل مع أولئك الذين يلتمسون الحماية بمثابة الاختبار الأساسي لجوهر الديمقراطية الأوروبية، أي مبادئ الاتحاد الأوروبي الدستورية.  
واستناداً إلى ما سبق، يرى الخبيران أن مقترحات المفوضية خاطئة وغير عملية. لذلك، يجب مواجهة الاقتراح الفاشل بدوافع واضحة وعاجلة وإيجابية. كذلك، يتوجب على ألمانيا والنمسا أن تتوليا قيادة الطريق في تحالف حقوق الإنسان من أجل أوروبا ديمقراطية وإعطاء إشارة ثقة بالنفس للاتحاد بأكمله، من خلال قبول اللاجئين من المخيّمات، مع إشارتهما إلى انتهاك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، الذي يسجل بشكل دائم في مخيم كارا تيبي الجديد (تم بناؤه في كارا تيبي في ليسبوس بعد إحراق مخيم موريا)، وخصوصاً أن طالبي اللجوء ينامون على الأرض، عدا عن عدم قدرتهم على الوصول إلى المرافق الصحية أو الحصول على مياه الشرب، إضافة إلى صعوبة الحصول على الرعاية الصحية. 

الصورة
في مخيم كارا تيبي الجديد

كذلك، أفادت "دي تسايت" بأن الكنائس والمحامين ووكالات الإغاثة تخشى أن يدفع اللاجئون ثمناً باهظاً لسياسات اللجوء المثيرة للجدل خلال السنوات الأخيرة. في هذا الإطار، يصف الباحث في شؤون الهجرة هربرت بروكر مقترحات المفوضية بأنها "خروج جذري عن القيم الأوروبية الأساسية ومبادئ حماية اللاجئين الراسخة دولياً". 
وتحدثت الصحيفة عن الخوف من كيفية معالجة طلبات لجوء الأشخاص الذين لا تتوفر فيهم الشروط الأساسية للحماية، إذا ما اعتمدت إجراءات الحدود العاجلة. هنا، يحذر المحامون من أن الفحص المناسب لكل حالة على حدة، والذي ينص عليه قانون الاتحاد الأوروبي، يصبح تطبيقه في الواقع مستحيلاً في مثل هذه الإجراءات السريعة. 
بالإضافة إلى ما سبق، سيكون من الصعب مستقبلاً تقديم شكوى ضد قرار اللجوء السلبي. ففي الواقع، لا يتمتع الأشخاص في مخيّمات اللجوء عند الحدود الخارجية لأوروبا بالقدرة على الوصول إلى المحامين أو المشورة القانونية. وهناك خشية من أن تتعرض حقوق طالبي اللجوء إلى مزيد من التضييق، بهدف حماية الحدود الأوروبية وفقاً لخطط المفوضية، عدا عن التشكيك في ما إذا كانت مقترحات المفوضية يمكن أن تغير في حالة الطوارئ الإنسانية في مخيمات اللاجئين كتلك الموجودة في اليونان، خصوصاً وأن المقترحات مماثلة لنماذج الاستيعاب خلال السنوات السابقة، والتي غالباً ما تنتهك توجيهات الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى مدى إمكانية بقاء الدول الأعضاء ملتزمة بالقواعد بمجرد زيادة ضغوط الهجرة، في إشارة إلى ما ذكره الإعلام مؤخراً بدفع خفر السواحل اليوناني نحو 1000 مهاجر ولاجئ منذ مارس/ آذار 2020 إلى بحر إيجه، وهذا مخالف للقانون.  

في هذا الإطار، يرفض المدير التنفيذي لمنظمة "برو أزول" الألمانية، المدافعة عن حقوق اللاجئين، مقترحات المفوضية لأسباب مختلفة، ومن بينها مقترح الإجراء الحدودي لأولئك الذين يسعون للحصول على حماية من بين المهاجرين، باعتباره هجوماً على قانون اللجوء للأفراد. 
من جهته، انتقد وزير داخلية النمسا كارل نهامر، في حديث لـ "دي فيلت"، فكرة "رعاية الترحيل" المخطط لها في الميثاق واعتبرها "غير فعالة". وقال: "هذا هو النهج الخاطئ. الاتحاد الاوروبي منطقة اقتصادية يبلغ عدد سكانها 440 مليون نسمة، ويمكن لهذا المجتمع أن يمارس ضغطاً أكبر على دولة ثالثة، وفي الوقت نفسه يقدم حوافز للاتفاقيات".  يشار إلى أنه وفقاً للأمم المتحدة، هناك نحو 80 مليون شخص في حالة هروب في كل أنحاء العالم، وهو أعلى رقم منذ عام 1950.   

أولويات 
أظهرت المداولات التي حصلت أخيراً برئاسة وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر حول الميثاق الجديد، أن التركيز انصب على الجوانب الرئيسية مثل الإجراءات على الحدود الخارجية للاتحاد والتضامن. وقدم زيهوفر، خلال الاجتماع الأخير (7 أكتوبر/ تشرين الأول)، ورقة أراد من خلالها هيكلة النقاش بين وزراء الداخلية، وتحدث عن أولويات سياسية هي: إجراءات لجوء أسرع على الحدود مع تجنّب إساءة معاملة اللاجئين ومسألة التضامن الأوروبي. كما تطرقت صحيفة "فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ" الألمانية، إلى أصحاب الهجرة الثانوية، إذ من الضروري بحث كيفية منع التحركات غير المصرح بها، لا سيما وأن هناك مخاوف ألمانية من توسيع المخطط للم شمل الأسرة، ما يؤثر بشكل أساسي على البلد الذي استقبل معظم المهاجرين، لا سيما وأن الأهم بنظر سياسيي الحزب المسيحي الديمقراطي، ضمان عدم وجود أعباء خاصة على ألمانيا.  

الصورة
في مخيم كارا تيبي الجديد (نيكولاس إيكونومو/ Getty)

هنا، تجدر الإشارة إلى أن المفوضية، بحسب "فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ"، تعتزم الإبقاء على هذه النقطة وإبقاءها على ارتباط بنظام دبلن الحالي: بعد ستة أشهر من التسجيل الأول، تنقل مسؤولية إجراءات اللجوء إلى البلد الذي يقيم فيه مقدم الطلب، ما يحفز اللاجئين على الانتقال من اليونان إلى ألمانيا أو فرنسا. وتبين التقارير أن زيهوفر قرر عقد اجتماع ثان خلال نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، سعياً منه لمناقشة الأولويات المطلوبة وإنضاج اتفاق سياسي حول الإصلاح الجديد للهجرة واللجوء، وليصار لاحقاً، وخلال رئاسة البرتغال للمجلس الأوروبي، التفاوض على النصوص التشريعية مع التوضيحات المطلوبة بخصوص الأسئلة الفنية.  
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي وصفته بالمتمرس في الاتحاد الأوروبي قوله إن "ما يدور حول الهجرة يعتبر من المواضيع الأكثر تسمماً بين دول الاتحاد. وبرأيه، فإن التوصل إلى حل لن يستغرق أسابيع أو أشهرا بل ربما سنوات. على أية حال، فخلال فترة الرئاسة الألمانية، لن يتم وضع الغطاء على القدر".
 
مقاضاة زيهوفر 
بعد الحرائق المدمرة في مخيم موريا للاجئين في ليسبوس، زادت ولايات بريمن وبرلين وتورينغن، والتي تقودها أحزاب الاشتراكي الديمقراطي واليسار والخضر، ضغوطها على وزير الداخلية الاتحادي هورست زيهوفر، للسماح باستقبال المزيد من المهاجرين من اليونان بأعداد أكبر مما كان مخططا له سابقاً. ودعت الولايات الثلاث، في بيان مشترك، زيهوفر إلى دعم برامج القبول الحكومية، مهددة باتخاذ إجراءات قانونية في حال رفض عمليات القبول في الولايات الثلاث. وشدد البيان على أن برامج القبول علامة على التضامن في العمل وتعبير عن دولة المؤسسات بحسب المادة 30 من الدستور، وأن هناك إمكانيات في ألمانيا من أجل لم شمل الأسر بشكل سريع وغير بيروقراطي، ودعمت مواقفها بإمضاءات كتل هذه الأحزاب في برلمانات تلك الولايات. ولفت البيان إلى أن الحريق في موريا علامة على فشل سياسة اللجوء والهجرة على الحدود الخارجية الأوروبية، في ظل ظروف صحية غير ملائمة وسط الاكتظاظ الموجود، وحيث الخلل في بطء معالجة طلبات اللجوء لسنوات.

في المقابل، يثير زيهوفر مخاوف قانونية ضد برامج القبول الحكومية، بينها تعريض الحل الأوروبي للخطر. وتعتبر هذه الولايات أن الاتفاق مع وزارة الداخلية منح الأخيرة فقط الفرصة للتنسيق على المستوى الوطني، ومن أنّ الرفض التعسفي من قبل الوزير ما هو إلا تدخل غير قانوني في المسؤولية الفردية للولايات الفدرالية، كما يؤكد سياسيون من الأحزاب الثلاثة، مطالبين الوزير بالتخلي عن أساليب الرفض والمنع. وساندت الولايات الثلاث، في تصعيدها، المنظمات الداعمة للاجئين في ألمانيا، التي أعلنت ترحيبها بالتزام هذه الولايات تجاه اللاجئين.
وأشار يوهانس غايفرت من منظمة "سي بروكه" لـ "تاغس شبيغل" إلى أنه يجب على الولايات أن تواصل طريقتها في قبول الناس بشكل مستقل. أضاف: "صحيح أن الوضع في مخيمات اليونان اختفى عن عيون الرأي العام حالياً، لكن الوضع هناك ما زال صعباً".  

المساهمون