هكذا تأثرت حياة سكان بريطانيا بفيروس كورونا

هكذا تأثرت حياة سكان بريطانيا بفيروس كورونا

17 ديسمبر 2020
شهدت الحياة عدة تغيّرات إثر الفيروس (Getty)
+ الخط -

منذ بدء تفشي فيروس كورونا، تغيرت الحياة بشكل كبير في جميع أنحاء العالم. التكلفة البشرية والمالية كانت هائلة، وكذا التأثيرات النفسية. في المملكة المتحدة، التي لا تزال حتى اليوم تحت الإغلاق وتضع القيود منعاً لانتشار العدوى، تشهد الحياة هناك تغيرات على مستويات عديدة، بحسب تقرير نشرته شبكة "بي بي سي".

يتجلى أول التأثيرات في ارتفاع أعداد الوفيات، إذ إن الطريقة الأكثر وضوحاً لقياس تأثير الفيروس هي معرفة عدد الأشخاص الذين ماتوا خلال هذا العام. فبين مارس/آذار ونهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كان هناك أكثر من 79000 حالة وفاة زائدة فوق متوسط ​​الخمس سنوات، والتي كانت مدفوعة بشكل حصري بفيروس كورونا.

صحيح أنه ليست كل حالة وفاة مرتبطة بكورونا، لكن الفيروس كان سبباً في حدوث الوفاة، فقد أشار تحليل مكتب الإحصاءات الوطنية إلى أن ما يقرب من تسع حالات من كل 10 حالات في إنكلترا وويلز، كان سببها المباشر الفيروس.

المملكة المتحدة، لا تزال حتى اليوم تحت الإغلاق وتضع القيود منعاً لانتشار العدوى

وتظهر الأرقام أن نسبة الوفيات بين الفئات العمرية الأصغر كانت نادرة نسبياً، إذ إن معظم الأشخاص الذين توفوا كانوا من بين الفئات العمرية الأكبر سناً، أي من ضمن فئات يفوق عمرها 80 عاماً.

وشهدت لندن زيادة في عدد الحالات أولاً، تلاها شمال إنكلترا، حيث أشار القادة هناك إلى أن الإغلاق الأول قد تم رفعه مبكراً جدًا بالنسبة لهم. الآن، هناك إشارات إلى أن الموجة الثانية في جنوب إنكلترا تتزايد مع تراجع الموجة بالشمال.

ولكن بتقسيم هذه البيانات إلى شرائح أبعد، ستظهر أنماط مختلفة. فالأشخاص الذين ينتمون إلى خلفيات فقيرة وأولئك الذين ينتمون إلى الأقليات العرقية، هم أكثر عرضة بشكل كبير لخطر الموت.

ويعود السبب في تضرر المناطق المحرومة مرتين من فيروس كورونا، إلى عوامل عديدة معقدة تلعب دوراً، إذ من المرجح أن يقوم الأشخاص من هذه المجتمعات بما يلي:

- العمل في وظائف مباشرة مع الجمهور.

- العيش في مساكن مكتظة بالسكان.

- الصحة السيئة، مع حالات مثل الإصابة بمرض السكري وأمراض القلب والسمنة ومشاكل الجهاز التنفسي.

كوفيد-19
التحديثات الحية

تأثيرات على الصحة العامة

لم تكن تداعيات الفيروس محصورة فقط بارتفاع أعداد الوفيات، فقد عطل كورونا خدمات الصحة الوطنية الأخرى، مع تحذيرات بشأن الأشخاص الذين لا يتلقون العلاج أو التشخيص لحالات أخرى.

الصورة
انفوغراف كورونا

كما تعطلت خدمات مراكز السرطان بشدة، ولم تعد مستويات النشاط إلى طبيعتها حتى وقت قريب. وتقدر مؤسسة Macmillan Cancer Support المتخصصة بأبحاث السرطان، أنه قد يكون هناك ما يصل إلى 50000 تشخيص مفقود، بسبب عدم تمكّن المرضى من زيارة المستشفيات.

الصورة

وعلى سبيل المثال، تظهر إحصاءات الصحة الوطنية، أن نسبة الأشخاص الذين لم يتمكنوا من زيارة المستشفيات لتلقي علاجات السرطان ارتفعت من 17% في شهر يناير/كانون الثاني الماضي إلى 35% في شهر سبتمبر/أيلول الماضي. يقول الأطباء: "إن الناس كانوا قلقين بشأن مخاطر الفيروس، وشعروا بأنه لا ينبغي لهم إزعاج الخدمة الصحية، كما أن بين الذين لم يتقدموا لتلقي العلاجات، العديد من الأشخاص الذين لديهم أعراض أو أمراض تتعلق بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية".

القانون والمجتمع

قبل عام، لم يكن أحد يعتقد أن الشرطة ستخبر الأشخاص الذين يأخذون حمامات الشمس بأن ذلك مخالف للقانون، أو أن "الاختلاط" يمكن أن يعاقب عليه بغرامة فورية قدرها 200 جنيه إسترليني. لكن إحدى أكبر التكاليف التي كبدها فيروس كورونا كانت القيود غير المسبوقة على الحريات المدنية في وقت السلم.

وفي إطار الاندفاع لفرض عمليات الإغلاق والقيود الأخرى، دخل أكثر من 20 بندًا من القانون حيز التنفيذ، التي جرمت السلوك الطبيعي، لم تتم حتى مناقشة أو التصويت على معظمها من قبل السياسيين المنتخبين.

أثر الإغلاق على المحاكمات القضائية، إذ لا يزال ينتظر الكثير من البريطانيين محاكمات تم تأجيلها

بحسب إحصاءات الشرطة، فقد تم إصدار 27 ألف مخالفة بحق المواطنين في المملكة المتحدة، نتيجة خرقهم قواعد الإقفال. وقد تم تحرير المحاضر بطريقة غير متساوية جغرافياً بين المناطق البريطانية، إذ خضعت مقاطعة ليستر وسط إنكلترا، لأطول فترة من القيود - ومع ذلك فإن معدل الغرامات لديها أقل بكثير من شمال غربي إنكلترا الذي واجه تحديات مماثلة، يعود جزء من ذلك إلى قرارات الشرطة المحلية.

الصورة
انفوغراف كورونا

أضف إلى ذلك، فقد أثر الإغلاق على المحاكمات القضائية، إذ لا يزال ينتظر الكثير من البريطانيين محاكمات تم تأجيلها. فعندما ضرب الوباء، توقفت المحاكمات أمام هيئة المحلفين لأن المحاكم لم تستطع ضمان مسافة آمنة لمنع خطر انتشار الفيروس.

تقدر شركة Crest- وهي شركة استشارية في مجال الجرائم والعدالة- أنه ما لم تتضاعف القدرات للبت في القضايا، فإن تراكم قضايا "محاكم التاج" وهي التي تنظر في أخطر القضايا، سيقترب من 200000 بحلول عام 2024.

يأمل القضاة أن تكون هناك 300 محكمة تاج في العام الجديد- لكن ذلك سيظل أقل من الحد الأقصى الممكن.

لكن هذه التأخيرات الهائلة في العدالة- التي تؤثر على المتهمين والضحايا والشهود- لا تعود فقط إلى فيروس كورونا وحسب، فقد كان لدى إنكلترا وويلز بالفعل عدد هائل من القضايا المتراكمة لأن الحكومة خفضت عدد الأيام التي يمكن للقضاة العمل فيها.

تقول وزارة العدل "إنها تمول 40 غرفة إضافية للمحكمة- يطلق عليها اسم محاكم نايتنجيل- للمساعدة في معالجة تأثير كوفيد على الأسرة والقضايا المدنية والجنائية".

التربية والأسرة

من أكثر القطاعات تأثراً بفيروس كورونا، قطاع التعليم وانعكاساته على الأسرة. عادة ما تعمل المدارس كمكان آمن وروتيني للأطفال، إلا أن ذلك، قد انقلب رأساً على عقب في عام 2020، مع إغلاق المدارس ثم انقطاعها بشكل متكرر بسبب العزلة الذاتية في فصل الخريف.

انخفضت الأرقام الوطنية الرئيسية للالتحاق بالمرحلة الثانوية، لكنها لا تعكس الاختلافات الجغرافية الهائلة في إنكلترا. في منتصف أكتوبر/تشرين الأول، انخفض عدد الطلاب إلى 61% في منطقة "كنوسلاي" في ميرسيسايد في المملكة، وفي أوائل ديسمبر/كانون الأول في مدينة ميدواي في مقاطعة كينت، كان هناك 42% فقط من التلاميذ الذين يتلقون التعليم في الفصل الدراسي.

الصورة
مدارس بريطانيا (Getty)

ومن انعكاسات الفيروس على صحة المجتمع، الآثار التي خلفها على الصحة العقلية، إذ تعد الصحة العقلية الجيدة أمراً حيوياً لازدهار الأطفال والشباب، لكن أبحاث مركز الخدمة الصحية تشير إلى أنه خلال الوباء ساءت الحالة في إنكلترا. وتظهر الأرقام، تأثر الفتيان والفتيات على حد سواء، مما يشير إلى أن حالة عدم اليقين والوحدة والاضطراب التي حدثت هذا العام قد أثرت عليهم.

من جهة أخرى، فإن الضغط على العائلات التي تشعر بالقلق بشأن مواردها المالية، كان أحد العوامل لزيادة أمراض الاكتئاب. ويطالب أكثر من نصف مليون أسرة معيشية إضافية لديها أطفال بالائتمان الشامل مقارنة ببداية الوباء، وهو مؤشر على زيادة مخاطر فقر الأطفال.

أبلغت المدارس عن زيادة كبيرة في عدد الآباء الذين يسعون للحصول على وجبات مدرسية مجانية لأطفالهم، لعدم تمكنهم من تأمين الوجبات.

ارتفاع في طلبات الإعانة

تظهر الأرقام أيضاً، ارتفاع طلبات إعانة البطالة، إذ يطالب حوالي 6.3% من الناس في المملكة المتحدة بضمان إعانة البطالة، مع مخاوف من أن يزيد هذا في المستقبل.

تظل النسبة الأكبر من الأشخاص الذين يحصلون على إعانات البطالة، في مناطق مثل شمال إنكلترا وجنوب ويلز ووسط اسكتلندا. لكن الوباء أجبر الناس في أماكن أخرى ممن لم يكونوا بحاجة إلى مساعدات من الدولة، إلى المبادرة والتسجيل في طلبات الإعانة.

عندما بدأ العمل من المنزل على نطاق واسع، فقد تأثر عمال النظافة والمقاهي والخياطون، إذ لم يعد لديهم عمل ويحتاجون إلى المساعدة، من خلال نظام الرعاية الاجتماعية أو الإجازة. كما أن تأثر قطاعات عديدة، منها قطاع الطيران، وقطاع السياحة، أدى إلى تسريح العمال، الذين وجدوا أنفسهم بلا معيل.

 

المساهمون