زحمة.. زحمة.. ويضيع عمر المصريّين على الطرقات

زحمة.. زحمة.. ويضيع عمر المصريّين على الطرقات

30 أكتوبر 2015
الازدحام يرهق الناس (جون مور/Getty)
+ الخط -

تبدو شوارع القاهرة في ساعات الذروة التي لا يمكن لأحد توقّعها، أشبه بخليّة نحل. أبطالها هم المشاة والقابعون في سياراتهم الخاصة، و"المحشورون" في وسائل المواصلات العامة المختلفة. لكن اعتياد ملايين المصريين على هذه المعاناة، لا يمكن أن تخفّف من المخاطر الصحية والنفسية والاقتصادية، التي تتعدّد مظاهرها.

ولا يقتصر الازدحام المروري على التوتّر العصبي والنفسي للمواطنين، بل يشكّل خطراً كبيراً على الاقتصاد المصري. وفي دراسة حديثة أجرتها وزارة النقل بدعم من البنك الدولي، تبيّن أن زحمة السير تؤدي إلى هدر نحو 47 مليار جنيه (نحو 6 مليارات دولار) بسبب زحمة السير في القاهرة فقط، ما يمثّل 3.6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للمحافظة. ويتوقع أن يرتفع هذا المعدل إلى 501 مليار بحلول عام 2030، فيما يتحمل إجمالي الاقتصاد المصري خسائر تصل إلى أكثر من 500 مليون دولار سنوياً، بسبب الوقت الضائع على خلفية الازدحام المروري.

لا يقتصر الأمر عند هذا الحد. ويرى الخبير الاقتصادي رشاد عبده أن المواطن المصري يقضي نصف يومه في وسائل المواصلات بسبب الازدحام. وفي العمل، يحكي لزملائه عن مغامراته. هذا الواقع أجبر المصريين على اعتياد عدم الانضباط في المواعيد، حتى بات هذا الأمر آخر ما يفكرون فيه. ويعزو عبده السبب إلى إرجاء تقديم الخدمات للجمهور وتعطيل مصالحهم، ما يكلف خزينة الدولة مليارات الجنيهات.
يمكن رصد حالة الازدحام المروري بصورة شبه يومية. تصطف السيارات عند كوبري ميدان التحرير الممتد من الكورنيش البحري إلى ميدان عبد المنعم رياض ورمسيس وشوارع طلعت حرب. وليس مبالغاً القول إن الشلل المروري قد يمتد لأكثر من خمس ساعات. أيضاً، يُعاني المواطنون من الازدحام في منطقة وسط البلد، وفي كوبري أكتوبر الممتد من مدينة نصر إلى ميدان رمسيس.

ربو وتحرّش

في محافظة القاهرة، التي يشكّل عدد سكانها نحو 19 مليون نسمة (خمس سكان مصر)، يمكن رصد ثلاثة آلاف إلى سبعة آلاف سيارة في الساعة الواحدة، بحسب دراسة أُجريت عام 2014 بإشراف البنك الدولي. في السياق، يقول محمد، وهو موظف في إحدى الشركات الخاصة، إنه اضطر لتناول الطعام في الشارع بسبب الازدحام المروري. يضيف أنه على الرغم من أنه يحتاج نصف ساعة فقط للوصول إلى بيته، إلا أن الازدحام جعله يتأخر ساعة إضافية، ما حرمه من تناول الطعام مع عائلته.

بدورها، تشكو زينب سعيد، وهي موظفة حكومية، من الازدحام المروري الذي أثّر على صحة ابنها. تقول: "ابني في الرابعة عشرة من عمره. نعاني يومياً من الازدحام المروري. بعد فترة، فوجئت بظهور أعراض الحساسية والسعال عليه. وعندما استشرت الطبيب، أخبرني أنه أصيب بمرض الربو بسبب استنشاقه عوادم السيارات". أما ياسمين صبحي، وهي طالبة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، فتلفت إلى أن الازدحام المروري يصيبها بالتوتر ويؤثر على نفسيتها. يكفي السباب الذي تسمعه يومياً، عدا عن المشاحنات بين سائقي "الميكروباص"، ما يجعلها تعود إلى البيت باكية يومياً. تضيف أن الأمر يؤثّر على امتحاناتها، لافتة إلى أن إحدى صديقاتها أُصيبت بالإغماء بسبب تأخرها عن الامتحان.

اقرأ أيضاً: شرطية مكافحة التحرش في مصر متهمة بالتحرش

طالبة أخرى في جامعة عين شمس، وتدعى بسنت إبراهيم، تقول إنه "كلّما زاد الازدحام المروري، ارتفعت نسبة التحرش". تضيف "حاول شاب أن يتحرش بي خلال الازدحام. وعندما اعترضت وهددته بإبلاغ الشرطة، أنكر فعلته وادعى أنني مجنونة، فلامني الناس كأنني أنا من تحرشت به. حتى أن أحدهم قال لي اركبي تاكسي إذا كان الميكروباص لا يريحك، كأنهم يشترطون علي القبول بالتحرش. ربما أزال الازدحام الرحمة من قلوب الناس".
من جهتها، ترى هبة س.، وهي طالبة في كلية الإعلام في جامعة القاهرة، أن الفوضى هي السبب الرئيسي للازدحام المروري. تقول: "إذا كان هناك نظام أمني حقيقي، لكانوا لاحظوا المشاكل وعالجوها قبل حدوثها. الفوضى هي السبب الرئيسي للازدحام الذي يؤدي إلى السرقة والتحرش وغيرها". تُضيف أن "الطرقات تحتاج إلى إعادة تأهيل، عدا عن عدم قيام شرطة المرور بعملها كما يجب، باستثناء تسجيل الغرامات وجمع المال من السائقين".

عجز متواصل

أما كمال موسى، وهو موظف حكومي، فيرفض تحميل السائقين مسؤولية الازدحام. يرى أن "الدولة تتحمل المسؤولية الأكبر. على سبيل المثال، لا تهتم بتأهيلهم للقيادة. فالرخصة هي مجرّد وسيلة تجمع من خلالها الحكومة المال، ولا توجد ضوابط حقيقية".
في السياق، يقول خبراء الطرقات إن الأزمة باتت أكبر من قدرة المصريين، وخصوصاً في القاهرة الكبرى (تضم القاهرة والجيزة والقليوبية). ويوضح مدير معهد الطرقات والخبير الدولي في هذا المجال خالد عبد العظيم أن "الحكومات المتتالية عاجزة عن حل الأزمة، وكل ما تطرحه مجرد حلول مسكنة". ويقول إن مصر تخسر نحو ثمانية مليارات جنيه سنوياً بحسب بيانات الأمم المتحدة، نتيجة الازدحام المروري في القاهرة الكبرى، ما يُعادل نحو 3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. يضيف أن مصر تُصنف ضمن الدول صاحبة أعلى معدلات لحوادث الطرق في العالم، بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية.

ويتحدّث عبد العظيم عن دراسة للبنك الدولي حملت عنوان "الازدحام المروري في القاهرة"، مشيراً إلى أنها قدرت التكاليف السنوية للازدحام في القاهرة بنحو 50 مليار جنيه أو ما يعادل 8 مليارات دولار. ويُشكِّل هذا أربعة في المائة من إجمالي الناتج المحلي لمصر. هذه الكلفة ترتبط بالنقص في الإنتاج بسبب قضاء أوقات طويلة في وسائل المواصلات، وزيادة استهلاك الوقود، عدا عن الآثار البيئية الناجمة عن زيادة الانبعاثات من السيارات. هناك أيضاً تكاليف غير مباشرة مثل التأثير على الصحة العامة.
ما لا يقل عن ألف من سكان القاهرة يموتون سنوياً بسبب حوادث مرورية، أكثر من نصفهم من المارة. بينما يتعرض أكثر من أربعة آلاف آخرين لإصابات. وتعدّ هذه المعدلات أعلى بكثير من تلك التي سجلت في معظم المدن الكبرى الأخرى في العالم.

اقرأ أيضاً: رحلة عذاب في مواصلات القاهرة