"الحَلفاء" مورد رزق عائلات تونسيّة

"الحَلفاء" مورد رزق عائلات تونسيّة

06 أكتوبر 2015
ما زالت تعمل في صناعة السلال والقفف (العربي الجديد)
+ الخط -
على مدى أكثر من 30 عاماً، كانت نبتة "الحَلفاء" مورد رزق آلاف العائلات التونسية، خصوصاً في الأرياف والمناطق الداخلية والمدن العتيقة في تونس العاصمة ومحافظة نابل. كثيرون هم الذين استخدموها حرفياً وصنعوا منها مكملات أثاث يستفيدون منها في حياتهم اليوميّة في بيوتهم، من قبيل الحصائر والقفف وابتكارات أخرى.

تنتشر نبتة الحلفاء في تونس بشكل كبير في الجبال والوسط الغربي الذي يشمل محافظات سيدي بوزيد والقصرين وقفصة والقيروان، على مساحة تقدّر بـ 350 ألف هكتار، أكثر من 180 ألف هكتار منها في محافظة القصرين حيث أكبر مصنع لصناعة الورق من تلك النبتة. يُذكر أن موسم الحلفاء يبدأ في شهر سبتمبر/ أيلول وينتهي في أبريل/ نيسان، حين تصبح خضراء اللون ويصل طولها إلى نحو متر واحد. بعد حصادها، تجفّف تحت أشعة الشمس لتصبح ذهبية اللون. عائلات تونسية كثيرة تعيش في المناطق الجبلية والصحراوية، تشتغل موسمياً في حصادها لتبيعها للحرفيين الذين يصنعون الحصائر في دكاكينهم الصغيرة، ويبيعونها لتستخدم في البيوت أو المساجد.

في السياق نفسه، حين تدخل دكاكين هؤلاء الحرفيين في العاصمة، تجدهم وهم يطوّعون خيوط الحلفاء بخفة بين أصابعهم لصناعة الحصائر. ويوضح مختار الشريف وهو صاحب أحد تلك المحال أنّ "صناعة الحصيرة الواحدة تحتاج إلى حرفيَّين اثنَين، وقد تحتاج إلى أكثر من 12 ساعة للحصول على واحد متقن". وهو يدلّ على الرسومات في الحصائر، يقول: "طوّرنا العمل أكثر وصبغنا أعواد الحلفاء. نضع الخيوط في قدر على النار، ثمّ تضاف إليها ألوان مختلفة لتمتصّها، فيتغيّر لونها من الذهبي إلى ألوان أخرى قبل أن تجفف. بعدها، نستطيع إدخال رسومات إلى السجاد أو الحصائر أو القفف أو غيرها". وغالباً ما يختار الحرفيون رسم أشجار نخيل وجمال في الواحات، أو العلم التونسي، أو بعض الحلي التقليدية التونسية.

في دكان آخر في العاصمة، يصنع منجي بن رجب ضفائر من الحلفاء بخفّة على شكل دائري، لتتحوّل إلى سلة صغيرة توضع فيها الغلال وحاجيات المطبخ. أما على جدران محلّه الصغير، فقد علّق حقائب نسائية التي صنعها بعدما صبغها بألوان زاهية تجذب النساء، كذلك أضفى عليها بعض الزينة الأخرى من قماش وإكسسوارات".

تقول امرأة وهي تقلب حقيبة بيدَيها إنّ "التونسيين جميعهم كانوا يستعملون في القدم منتجات من الحلفاء. وبمرور الوقت، حلّت الصناعات الحديثة محلّ كل ما هو تقليدي. لكن بعض الحرفيين ظلوا يبدعون وراحوا يضيفون جمالية على ما يصنعونه، حتى النساء في أكثرهنّ يقبلن على بعض هذه المنتوجات".

يلفت منجي إلى أنّ طلبة فنون جميلة يقصدونه لتعلم بعض تلك الصناعات البسيطة وتطويرها إلى إبداعات فنية لتزيين البيوت، أو يشاركون بها في معارض وطنية وعالمية تعرّف بإنتاج تونس التقليدي.

المنتجات المصنوعة من الحلفاء والتي ظهرت قبل أكثر من ثلاثة عقود هي من أبرز الصناعات التقليدية التي ميّزت تونس، خصوصاً وأنّ العائلات في أكثرها كانت تفرش الحصائر المصنوعة من الحلفاء، لا سيّما في الأرياف أو في دور العبادة. وهي كانت تُعَدّ كذلك، رمزاً للبذخ في بعض منازل المدن، لأنّ بعضاً من السجاد أو الحصائر المصنوعة من الحلفاء كانت باهظة الثمن.

إلى ذلك، أشهر أسواق تلك المنتجات هو سوق "الحلفاوين" (نسبة لحرفيي نبتة الحلفاء) في المدينة العتيقة في العاصمة التونسية، وسوق "الحصايرية" (نسبة للحصائر) في محافظة نابل. وفي حين لم يحافظ سوق "الحلفاوين" الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 30 عاماً، اليوم، إلا على اسمه بعدما اندثرت تلك الحرفة، حافظ سوق "الحصايرية" على بعض دكاكينه حيث ما زال بعض الحرفيين يعملون في صناعة القفف والسجاد والحقائب اليدوية والسلال بالأدوات والوسائل البدائية نفسها".

عمار الفلالي (82 عاماً) من سكان المدينة العتيقة بالقرب من سوق "الحلفاوين"، يقول إنّ "السوق كانت تضمّ أكثر من مائة محل، لكن المنتجات الحديثة غزت كل الدكاكين، بعدما توفي أكثر الذين كانوا يتقنون تلك الحرفة قبل أن يورثوها أبناءهم". يضيف أن "هذه السوق كانت الأكبر للمنتجات المصنوعة من الحلفاء، من قبيل الحبال وشباك جمع المحاصيل الزراعية لا سيما القمح والشعير، والسلال لاستخراج التراب والطين عند حفر الآبار. كذلك، كانت تضفر حزم الحلفاء على شكل دائري لصناعة أطباق تستعمل في معاصر الزيتون التقليدية لتصفية الزيت. لذا كانت الصناعة الأكثر رواجاً من بين الصناعات التقليدية" الأخرى.

إقرأ أيضاً: فتيات قاصرات في سوق الشغل التونسي

دلالات