المسلّح والشرطي

المسلّح والشرطي

13 ديسمبر 2015
كشف عن التزام حزبي ومذهبي (حسين بيضون)
+ الخط -
وقف مزهواً ببندقيه على الحاجز العسكري. بدا وكأن هذه البندقية قد أعطته شعوراً بالقوة والسلطة لم يملكهما من قبل. ومع أن ملامحه لم توحِ أنه مقاتل متمرّس، وأنّه حُمّل البندقية على عجل، إلا أنه ظلّ يحاول أن يصطنع هيبة أمام رفاقه المسلّحين ومسؤوله العسكري. فالمشهد الحربي قد أعاد هذا الأخير إلى أيام سابقة كان يحكم سيطرته على المنطقة فيها.

قبل هذه اللحظة لم يعرف أحد أنّ الفتى مسلّح، أو مقاتل، أو مليشيوي. لم يكن شهيراً، ولم يكن وجهه مألوفاً، ولم يترك أي أثرٍ يذكر. لم يذهب إلى مدرسة ولم تعرف له مهنة. كان وجهاً عادياً آخر من تلك الوجوه التي نراها في الشارع طوال الوقت، من دون أن ننتبه لها ومن دون أن نتوقف عندها.

لكنّ الحرب الأهلية الخاطفة، في ذلك اليوم من أيار، قبل سنوات، جعلت منه نجماً فترة قصيرة. وقد أحبّ أن يفيد من لعبة النجومية هذه، والتي كان مدركاً أنها لن تطول. أراد أن يستهلك لحظة السلطة تلك إلى آخرها، إذ يعرف أنّها قد لا تتكرر.

وقف على الحاجز، رافعاً كمّي قميصه حتى الزندين، كي يعرض عضلات لا يملكها. وعلّق العلم الحزبي فوق دعامة حديدية في وسط الشارع، ونفخ صدره بثقة، ليصنع من نفسه "بطلاً" في عيون المارين من أمام الحاجز، الذي نصبه أبناء المنطقة الواحدة لبعضهم بعضاً.

صار يطلب الهويات وبطاقات التعريف من المارة. كان من بينهم جيران له. مع ذلك، حاول أن يكون جدّياً أمامهم كمن يؤدّي مهمة دقيقة، وقد كشف عن التزام حزبي ومذهبي كان يخفيه بعناية وأطلقه عند أول معركة. حاول جاهداً أن يبدو كعسكري منضبط، سواء أمام مسؤوله، أو أمام شبّان الحاجز الآخرين، أو أمام المارة.

بالأمس أوقفه حاجز للشرطة وهو عائد من عمله. طلب منه الشرطي أوراقه الثبوتية وأوراق الدراجة النارية. انصاع بكل أدب وتهذيب بحثاً عن المطلوب في محفظته. بحث كثيراً من دون أن يجد ما سأل الشرطي عنه، فقرّر هذا الأخير حجز الدراجة النارية.

كادت الدموع تسيل من عينيه. صار يرجو الشرطي، مثل طفل يكاد يخسر لعبته المفضلة، ألا يحجز الدراجة النارية باعتبارها وسيلة نقله الوحيدة. قال أشياء كثيرة تبعث على الحزن والشفقة. ثم فجأة راح يصفع وجهه ويندب حظّه كمن فقد عزيزاً. عندها رأف به الشرطي وقرّر أن يسمح له بالمغادرة، شرط معالجة مسألة الأوراق الرسمية في أقرب فرصة ممكنة.

عندما سمع ما طلبه الشرطي منه، جمع قبضتيه ورفعهما في الهواء كمن فاز بمباراة رياضية. ثم صرخ بصوتٍ مسموع: "الله يخلّي لنا الدولة".

اقرأ أيضاً: الصعلوك والبندقية

المساهمون