جويس أنيلاي.. لإنصاف ضحايا الاغتصاب في الحروب

جويس أنيلاي.. لإنصاف ضحايا الاغتصاب في الحروب

08 ديسمبر 2015
تؤكد أنيلاي على أهمية كسر الصمت (أحمد الداوودي)
+ الخط -

تبدو متفائلة. فوزيرة الدولة للشؤون الخارجية والكومنولث وحقوق الانسان في بريطانيا، والممثلة الخاصّة لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، البارونة جويس أنيلاي، ترى نتائج إيجابية لما تقوم به، هي التي تسعى إلى إحداث تغيير على مستوى العالم لناحية كيفيّة التعامل مع ضحايا العنف بشكل عام، والعنف الجنسي بشكل خاص خلال فترة النزاعات. تتحدّث إلى "العربي الجديد" عمّا أنجزته، وما تهدف إلى تحقيقه في مجال حقوق الإنسان.

تقول أنيلاي إنّها عُيّنت هذا الصيف لتكون الممثّلة الخاصة لكاميرون، وتسعى إلى الحد من العنف الجنسي خلال النزاعات، وقد عملت على تطوير عملها منذ يونيو/حزيران الماضي. تشير إلى أنه حين ناقش مجلس الوزراء الأزمة السورية قبل فترة قصيرة، تطرّقت إلى ما يجري في العراق، وتحدّثت إلى كاميرون خارج المجلس عن محاولتها وفريقها مساعدة ضحايا العنف الناتج عن ممارسات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هناك، وتعاونهم مع أطباء ومنظمّات حقوقية في سورية، لمساعدة أولئك الذين عانوا بسبب ما يرتكبه "داعش" ونظام (الرئيس) بشار الأسد.

تحكي أنيلاي عن جولتها إلى إسطنبول. هناك التقت سوريين عانوا كثيراً جرّاء العنف الجنسي والجسدي. لذلك، ركّزت على أهمية جمع معلومات حول أفعال "داعش"، علماً أنّ الأهم بالنسبة لها هو "كسر الصمت" والإفصاح عن العنف حتى يعرف الناس أنّهم ضحايا ولم يرتكبوا أي خطأ، بل هم بحاجة إلى من يستمع إليهم ويجمع الأدلّة. وأكدّت أنها تعمل وفريقها على جمع الأدلة بهدف تحقيق العدالة في المستقبل، والتأكّد من حصولهم على علاج صحي ونفسي ودعم، حتى تكون لديهم حياة في المستقبل.

تبدي أنيلاي عزمها على إكمال مسيرتها في مساعدة ضحايا العنف الجنسي، حتى في الحالات التي تعجز فيها الضحية عن التعرّف إلى مغتصبها، الذي قد يكون أكثر من شخص واحد في بعض الأحيان. تقول إنها التقت الكثير من الضحايا، وتروي أن إحدى النساء تعرّضت للاغتصاب قبل نحو 20 عاماً، وما زالت ترى مغتصبها يتجوّل في قريتها يومياً. لكن ماذا فعلت العدالة بشأنه؟
توضح أنيلاي أنه حتى بعد مرور فترة زمنية طويلة، يمكن مساعدة المتضررين من العنف الجنسي، من خلال إقناع الحكومة بتعديل القوانين. ويجب أن يكون هناك نظام عدالة يعوّض الأشخاص الذين اغتصبوا، حتى لو عجزت الضحية عن معرفة المجرم. وبهدف تحقيق هذا الهدف، تعمل مع منظّمات وأطباء في تلك المناطق، مشيرة إلى أنها زارت منطقة إربيل (شمال العراق)، ولفتها تغيير الحكومة القوانين لحماية النساء ضحايا العنف.

وتؤكّد على أهميّة كسر الصمت وإقناع المجتمعات بأنّ من حقّ المرأة التبليغ عن تعرّضها للعنف الجنسي، لأنّه حينها فقط يمكن مساعدتها. وتشير إلى تنظيم مؤتمر دولي بداية هذا العام في بريطانيا، ضم شخصيات من ديانات مختلفة، بهدف التحدث عن التسامح الديني وكيفية العمل معاً لحماية ضحايا العنف، وضمان عدم تعرّض أحد للإهانة أو الاغتصاب بسبب جنسه، وأنّ من يقع ضحيّة العنف الجنسي لم يرتكب جريمة أو مخالفة قانونية.

ليست عاراً

في ما يتعلّق بإنجازاتهم في مجال حقوق الإنسان، تقول أنيلاي إنهم ضغطوا على المجتمع الدولي "ليدرك أنّنا نلعب دوراً في منع العنف الجنسي خلال الصراعات". وتحدّثت عن الدور الفاعل الذي يقوم به الناشطون في دول عدة مثل كرواتيا، حيث عدلت تشريعات عدة لمساعدة ضحايا العنف، بالإضافة إلى أميركا والبحرين وأستراليا وغيرها.
وعن المرحلة المقبلة، تشير إلى وجود نيّة للقيام بمشاريع هامّة، وتمويل منظمّات إنسانية لمساعدة المتضررين خلال النزاعات. وتلفت إلى أنهم يدعمون المنظمات، وخصوصاً في جمهورية الكونغو الديموقراطية، مشيرة إلى تحقيق إنجازات عدة في شرق الكونغو، حيث تعمل الشخصيات الدينية على توعية الجميع حول العنف الجنسي، والتركيز على فكرة أن المرأة التي تُغتصب ليست الجانية، ولا ينبغي عزلها أو وصمها بالعار.

هذه هي الأهداف التي تسعى أنيلاي إلى تحقيقها، عدا تقديم تسهيلات طبيّة لمساعدة النساء اللواتي تعرّضن للاغتصاب، ولم يتلقين العلاج الطبي المناسب أو أي مساعدة على الصعيد النفسي. وفي ما يتعلق بعملها في منطقة الشرق الأوسط ولبنان، تشير إلى دعم مؤسسات عالمية تساعد النازحين السوريين.
وبصفتها الممثّلة الخاصة لرئيس الوزراء، تعمل مع هيئات حكومية أخرى لدعم الاستقرار في جميع الدول التي تحصل على مساعدات من بريطانيا. وتذكّر أن الحكومة قدّمت أكثر من مليار باوند للسوريين، وقد خصص جزء من هذا المبلغ لمساعدة اللاجئين السوريين في لبنان.
وعن زيارتها إلى مخيّم للاجئين في شمال العراق أخيراً، تقول "إنهم أرادوا التحدّث عن تأمين التعليم والعلاج الطبي لأطفالهم". وتلفت إلى أهمية الاستماع إلى ضحايا العنف الجنسي، وتتحدث عن امرأة إيزيدية جاءت لمقابلتها في البرلمان على انفراد، لتحكي عن معاناتها جراء
اغتصابها من قبل "داعش". تضيف أن "الاستماع إلى أشخاص عانوا من تلك التجربة يحثّ الإنسان على بذل جهود أكبر للتأكّد من أنّهم لن يوصموا بالعار أو يعزلوا عن المجتمع".

عنف في المنازل

تُعلّق على تعديل القانون في أربيل وتضمينه نصوصاً لحماية المرأة، قائلة إن "الوزراء يدركون أن العنف حيال المرأة لا يحدث فقط خلال النزاعات، بل يتكرّر الأمر في البيوت". وعن تغيير نظرة المجتمع للمرأة، تشير أنيلاي إلى أنها اجتمعت مع وكالة "كير" الإنسانية الدولية في نيويورك في سبتمبر/أيلول الماضي، لافتة إلى تمويل الحكومة البريطانية جزءاً من أعمال الوكالة. وتوضح أن "كير" تعمل مع الفتيان وتشرح لهم أن معاملة المرأة باحترام لا تؤذي ذكوريتهم. كذلك، تشير إلى أنهم يؤمّنون، من خلال مكتب الخارجية والكومنولث، مساعدة تربوية ضمن النظام التعليمي، بهدف تدريب المدرّسين على تعليم احترام التلاميذ في المدارس، علماً أن هذا المشروع بدأ في شمال العراق.
 
اقرأ أيضاً: "كائنات جديدة" في بريطانيا

وتلفت أنيلاي إلى أن أوضاع المرأة في بريطانيا لم تتبدل إلا بعد مرور وقت طويل، وتحديداً بعد الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر. تشرح أن العادات والتقاليد تبدلت خلال الحرب العالمية الأولى بين عامي 1914 و1918، "لأنّ النساء توجّهن إلى المعامل.
وساهمت العوامل السياسية والاقتصادية في تبديل النظرة إلى المرأة، وقد واجهت هذه المسألة عقبات عدة خلال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات لتحقيق مساواة تشريعية". وتقول إنه حتى في بريطانيا، ليس هناك مساواة كاملة بين الجنسين. على سبيل المثال، لا تتساوى المرأة والرجل في الرواتب. وبهدف ضمان المساواة على جميع المستويات، عيّنت الحكومة اللورد ميفن ديفيس من حزب العمّال، للتأكّد من أنّ جميع الشركات العامة في البلد لديها تمثيل مناسب للمرأة في مجلس الشركة.

لم تنس العراقيين

وبالانتقال إلى قضية تجنّب المدنيين خلال قصف "داعش" في سورية والعراق، تقول أنيلاي إن كاميرون أوضح أن من واجبهم حماية ضحايا التنظيم من المدنيين، لافتة إلى أن مقاتلي "داعش" في الرقّة لا يكترثون بالمدنيين، بل يستخدمونهم كدروع واقية.
ربّما أرادت أنيلاي أن تقول للعراقيين إنّها ما زالت تعمل لأجلهم، حين روت كيف طلبوا ألاّ تنساهم خلال عملها مع سورية، لأنّهم بحاجة إلى أن يعيشوا في دولة مستقرّة في المستقبل. وفي شمال العراق تحديداً، سألوها ألاّ تنسى الجماعات الأخرى أيضاً كالسريان وجميع الأقليات التي تعيش في البلد، بالإضافة إلى الإيزيديين الذين يعانون الأمرّين.

وتختم حديثها قائلة إن هذا الصيف كان المرحلة الأهم في حياتها لأنّها عملت بصفتها الممثلة الخاصة لرئيس الوزراء حول منع العنف الجنسي خلال فترة النزاعات، وتمكنت من مقابلة أشخاص عانوا كثيراً ونبذتهم مجتمعاتهم، واستطاعت مساعدة البعض وحثهم على التغلب على معاناتهم.
وعلى الرغم من أن الأزمات حول العالم كثيرة، تقول: "علينا الاستمرار في مساعدتهم وألاّ نستسلم أبداً". هي متفائلة، وتأمل أن تتمكن من المساعدة قدر المستطاع.

شجاعة السوريين

"في سورية، تبقى المملكة المتحدة ملتزمة بدعمها لمن رفضوا وحشية الأسد وبربرية وغوغائية داعش. بالإضافة إلى 1.1 مليار جنيه استرليني التي خصّصتها للمساعدات الإنسانية منذ بدء الأزمة، تقدّم أيضاً أكثر من 85 مليون جنيه استرليني من لدعم الاستقرار والصمود ومكافحة التطرّف والترويج لحقوق الإنسان والمساءلة. التقيت سوريين ينفذّون بعضاً من هذه المشاريع، وليس لدي أدنى شك بشجاعتهم وتفانيهم لتكون سورية أكثر استقلالاً، وهو ما تهدف بريطانيا وشركاؤها إلى تحقيقه". هذا ما قالته أنيلاي في زيارتها الأولى إلى العراق وتركيا، وقد أعربت عن سعادتها في الاطلاع بنفسها على الجهود المبذولة لمساندة الفتيات والنساء وحماية حقوق الإنسان.

وقد زارت مدن بغداد وإربيل واسطنبول بين 8 و12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بهدف مساعدة المتضررين من الصراع في تلك المناطق، وشملت جولتها مخيم هرشم للنازحين في إربيل. كما التقت بالائتلاف الوطني السوري ونشطاء المجتمع المدني في اسطنبول. كذلك، أعلنت عن دعم بريطانيا مشاريع تساند حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين.

اقرأ أيضاً: بريطانيا تلغي الطبابة المجانية لغير الأوروبيين