مهن الموت.. مرارة أكل العيش

مهن الموت.. مرارة أكل العيش

01 فبراير 2015
مدفن قصبة الوداية في الرباط (Getty)
+ الخط -


يتصف مزاولو مهن الموت في المغرب بكثير من الشجاعة والقدرة على مواجهة "قاهر اللذات"، إذ إنهم يشاهدون ويلامسون جثث الموتى بوتيرة يومية، تجعل منهم أحياء يعيشون بين ظهراني العالم الآخر، دون أن يؤثر ذلك كثيراً على حياتهم التي يعيشونها في المجتمع. 

حفار القبور. مهنة ليست كباقي المهن، هي ترتبط بحفر القبور حتى تتسع لجثث الموتى، فذلك ما يقوم به محمد الشاهدي كل يوم، منذ أزيد من ثلاثين عاماً، في مقبرة "الشهداء" بالعاصمة الرباط، وهو يراقب النعوش المحمولة على الأكتاف، والتي تدخل إلى المقبرة تباعاً.
ويقول الشاهدي لـ "العربي الجديد" إن مهنته ليس لها أجر محدد أو راتب شهري معين، فهي تقاس بمدى كرم عائلة الميت، وترتبط بسخاء أسرة الفقيد، إذ إنه ليس هناك سقف متفق عليه يتم تعويض الخدمة التي يقوم بها الحفار عند الانتهاء من حفر اللحد.
وتابع الحفار بأن مهنته شاقة نفسياً وجسدياً أيضاً، فهي تتطلب مشاهدة آلام الناس ونحيبهم، وأيضاً بعض الغرائب التي تحدث للبعض عند حفر قبورهم، دون أن يفتت ذلك من عزم الحفار في مواصلة عمله، مبرزاً أن الحفر شاق أيضاً لأنه يتطلب قوة بدنية معتبرة.
وبخصوص ما شاهده من "غرائب"، أفاد الشاهدي بأنه حدث له مرة أن جثة ميت كانت تبدو في نعشها ضئيلة الحجم، لكن اللحد الذي حفره لم يتسع للجثة، حيث تم إدخالها بصعوبة بالغة، مشيراً إلى جثة أخرى كانت تفوح منها رائحة زكية حتى بعد أن أهال التراب عليها.

مغسل الموتى
أمينة المغسلة هو لقب سيدة في الأربعينيات من عمرها، يعرفها القاصي والداني في العديد من أحياء العاصمة الرباط، حيث راكمت تجربة سنوات طويلة في تغسيل الموتى من النساء، وتقول لـ "العربي الجديد" إن ما تقوم به لا تعتبره مهنة، بل تطوعاً لوجه الله.
وتردف أمينة بأنها لا تتخذ غسل الموتى مهنة، وتكتفي في غالب الأحيان بطلب الدعاء من أهل الميتة، أو قبول دعوتهم عند إقامة وليمة الجنازة في اليوم الثالث بعد وفاة الهالكة، كما هو متداول في المجتمع المغربي، ونادراً ما تقبل أعطية تحت إلحاح أسرة الفقيدة.
وإذا كانت أمينة تتحدث عن تفرغها لغسل الموتى كونه تطوعاً وليس كمهنة تأخذ عليها أجراً، فإن عدداً من مغسلي الموتى بالمغرب يحرصون على نيل التعويض المادي على عملهم، بل يحددون سقف التعويض مع أسرة الميت قبل الشروع في العمل.
محمد الهبوج، أحد هؤلاء الذين اتخذوا تغسيل الموتى حرفة لهم، فهو بعد أن تقاعد من عمله الإداري البسيط، تعلم بسرعة طريقة غسل الموتى بطريقة إسلامية صحيحة، وبات يترقب حالات الوفيات في مدينته، وبات ينادي عليه الكثيرون لتغسيل موتاهم.
وقال الهبوج لـ "العربي الجديد" إن تغسيل الموتى أضحى مهنته بسبب قلة اليد، خاصة بعد تقاعده من عمله البسيط، مشيراً إلى أنها مهنة صعبة تتطلب التحكم في المشاعر، حيث يتعين على المغسل أن يكون حازماً، وألا يتأثر بالبكاء والعويل، ويُتم عمله باحترافية".

شركات المآتم
انتشرت في المجتمع المغربي شركات تخصصت في تنظيم وإقامة مآتم العزاء من جميع الجوانب التي تتطلبها مثل هذه المناسبات، على غرار شركات الأفراح التي تهتم بتفاصيل حفلات الزفاف والأعراس وأعياد الميلاد وحفلات العقيقة، وغيرها من المناسبات السعيدة.
وتعمد مثل هذه الشركات التي تتبع القطاع الخاص إلى التفاهم المسبق مع صاحب العزاء حول كل تفاصيل المناسبة، وهل تتكلف الشركة بوجبات الأكل والشرب التي تقدم للمعزين خاصة في اليوم الثالث، أو الذكرى الأربعينية، كما هو جار في عادات المغاربة، أم فقط بتوفير المكان لإقامة العزاء.
ويقول أحد مسيري شركة متخصصة للأفراح، تعمل أيضاً في مجال إعداد وتنظيم مناسبات العزاء، لـ "العربي الجديد" إنه بالنسبة للشركة ليس هناك فرق بين إقامة حفل زفاف أو مناسبة عزاء، حيث تتقارب أحياناً وجبات الأكل التي تقدم للمعزين مع تلك التي تقدم للمهنئين بالعرس.
وكشف المتحدث بأنه مرت على شركته طلبات لتنظيم مناسبات عزاء، من طرف بعض الأسر الثرية، تتسم بكثير من البذخ والفخامة، حتى يخيل للحاضر أنه لا يشهد مأتماً، بل حفلاً بهيجاً، إلى حد اشتراط إحضار مجموعات غنائية للطرب الأندلسي مثلاً.
وفي هذا الصدد، تؤكد الباحثة في علم الاجتماع، ابتسام العوفير، للجريدة بأن سبب ظهور مثل هذه الظواهر الغريبة في المجتمع المغربي هو انقلاب سلم القيم داخله، حيث لم يعد لمشاعر الحزن تلك السلوكيات الخاصة بها، بل تحولت إلى مجرد طقوس تتسم أحياناً بالتباهي والمفاخرة بين العائلات والجيران.

دلالات

المساهمون