نصف جسد غزي يلخص تحدي الإعاقة

نصف جسد غزي يلخص تحدي الإعاقة

12 مارس 2015
أحمد السوافيري بين طلابه (عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -
بين الجدران الأربعة لإحدى فصول مدرسة حطين للتعليم الابتدائية، يجول الفلسطيني أحمد السوافيري (25 عاماً) على كرسيه المتحرك بين مقاعد الطلبة، شارحاً للطلبة درساً جديداً من منهاج التربية الإسلامية، ترافقه ابتسامة هادئة تكمن خلفها حكاية تجمع بين الألم والنجاح المصحوب بالتحدي.

ونسجت أولى فصول حكاية أحمد، في شهر أبريل/نيسان عام 2008 عندما باغتته طائرة إسرائيلية حربية بصاروخ، أثناء سيره في أحد شوارع حي الزيتون بمدينة غزة قاصداً حضور درس في منهاج الثانوية العامة "التوجيهي"، قبل شهرين من بدء امتحاناتها، ليغرق مع كتبه في بركة من الدماء، تناثرت من حولها أطراف جسده النحيل.

وما زال أحمد يستذكر تفاصيل الإصابة، فيقول لـ"العربي الجديد" "بقيت لبضع دقائق ملقى على الأرض، وأنا أردد يا رب، إلى أن جاء الإسعاف، ونقلني إلى غرفة العمليات، ثم دخلت في غيبوبة استمرت قرابة الشهر، من هول الإصابة، التي استفقت عليها بشكل تدريجي، فعلمت أولاً بأمر يدي ثم قدمي".

ويضيف أحمد بكلمات قوامها التحدي، ولحنها الثقة، "حمدت الله أولاً وعزمت على مواصلة مسيرة الحياة دون أي اختلاف، والتمسك بسلاح العلم والثقافة الذي حاول الاحتلال أن ينزعه مني عندما استهدفني بصواريخه المتفجرة دون ذنب، إذ عزمت على تقديم امتحانات الثانوية العامة، التي لم يتبق لها إلا بضعة أيام".

ورفض السوافيري عرض وزارة التربية والتعليم بتخصيص لجنة خاصة له في مستشفى الشفاء، لتقديم الامتحانات فيه بدلاً من الذهاب إلى المدرسة، رغم أن جراحه لم تلتئم بعد، ليلتحق في ما بعد بزملائه ويقدم كافة الامتحانات في موعدها، ولكن بمساعدة شخص كان يكتب له الأجوبة.

اقرأ أيضا:
شاب فلسطيني يرسم ويلوّن الجدران متحدّياً إعاقته

وفي خضم رحلة العلاج التي انقسمت بين المراكز الصحية في قطاع غزة والمستشفيات المصرية، زُفّ لأحمد خبر نجاحه في اختبارات الثانوية العامة، وعلى الإثر أعلن عن قرارين، أولهما التسجيل في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقة بمدينة غزة، لدراسة تخصص تأهيل دعاة ومحفظين، والثاني رغبته في الزواج.

ويذكر السوافيري أنه اتخذ القرارين السابقين ليثبت لنفسه ولمن حوله أن الحياة لم تتوقف بسبب الإصابة وإنما الحياة معركة يتحدى فيها الإنسان كل الظروف لكي ينجح ويثبت مكانته بين الجميع، مبيناً أنه عندما انتهى من دراسة دبلوم تأهيل دعاة ومحفظين، التحق بجامعة الأمة للتعليم المفتوح لإكمال البكالوريوس في قسم التربية.

ويجاهد الشاب السوافيري كثيراً في تطوير مهاراته في التصوير الصحافي، وممارسة الرياضة التي تتناسب مع إصابته، بجانب خوض غمار الحياة الاجتماعية كما المعتاد، إذ يشارك أصدقاءه في كافة المناسبات ويقود سيارته التي جهزها بما يتناسب مع إصابته، بكل ثقة ودون معيقات.
اللافت أن زملاء أحمد يتعجبون من الهمة التي يتحلى بها صديقهم الجريح، والروح الفكاهية التي تلازمه على مدار الساعة، فيخبرونه أنه "حقق نجاحات ووضع بصمات في الحياة تُخجل كل الشباب الأصحاء".

صديق أحمد في جامعته وبالحي، عبد الرحمن أبو سمعان، أشاد بحجم العزيمة والتحدي الذي يتمتع به أحمد، والذي يحاول من خلالهما تجاوز كافة العقبات التي تواجهه في طريق تحقيق طموحاته، مبيناً أن أحمد من الأسباب الأساسية لنجاحه في التعليم الجامعي، لأنه كان يشجعه على الدراسة والالتزام بالمحاضرات.

ويقول الشاب أبو سمعان لـ"العربي الجديد" هناك اختلاف شاسع بين أحمد قبل الإصابة وبعدها، فهو لم يعد يكتفي ببعض النجاحات التي حققها، منذ إصابته، بل يطمح للمزيد، دون النظر إلى إصابته، أو الشعور بوجود عجز وإعاقة حركية تمنعه من استكمال حياته كما كان يطمح منذ الصغر.

ويأبى السوافيري أن يضع حداً لأحلامه، التي حاول الصاروخ الإسرائيلي قتلها، فيشير إلى أنه نهاية العام الجاري سيحصل على درجة البكالوريوس، ليشرع بعدها في التحضير لنيل شهادة الماجستير بصحبة زوجته، التي أنجب منها طفلين، بينما تبقى رغبته في تركيب أطراف صناعية معلقة بفتح معبر رفح البري.


اقرأ أيضا:
غزة.. دمج المعاقين في ألعاب الأصحاء
21 أسيراً فلسطينياً معاقاً في سجون الاحتلال

المساهمون