مدرّسو المغرب يعانون أزمات نفسيّة

مدرّسو المغرب يعانون أزمات نفسيّة

13 نوفمبر 2016
تكثر الضغوط عليها (فاضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -
التعليم الذي يعدّه كثيرون "رسالة"، ليس بمهنة سهلة. فهؤلاء الذين يعملون فيه، يعانون من ضغوطات ومصاعب كثيرة، قد تخلّف لديهم أزمات نفسية مختلفة. مدرّسو المغرب لا يختلفون عن نظرائهم في البلدان الأخرى.

لسنوات طويلة، درّست نعيمة (58 عاماً)، في مدرسة ابتدائية في مدينة سلا (شمال غرب). وقبل فترة، طالبت بتقاعد نسبي وفق ما يمسح به القانون المعمول به في هذا المجال، بحسب ما تقول لـ"العربي الجديد". تضيف: "حاولت الفرار بجلدي من هذه المهنة العسيرة، بعدما رحت أشعر بأنّني جُننت". وتخبر كيف أنّها صارت أكثر ميلاً إلى العصبية مع أطفالها وزوجها، وصارت تصرخ أحياناً من دون سبب وجيه، وفي أحيان أخرى تتحدث إلى نفسها. وهذه المدرّسة ليست الوحيدة التي لجأت إلى متخصّص نفسي، فزميلات لها عانين كذلك، وقد أصيبت إحداهنّ، بحسب ما تخبر، بانهيار عصبي من جرّاء ضغط العمل، لا سيما شغب التلاميذ.

في هذا السياق، يقول المعالج النفسي محمد قجدار، إنّه استقبل "عدداً من العاملين في مجال التعليم الذين كانوا يعانون نفسياً، خصوصاً من المدرّسات". ويشير لـ"العربي الجديد"، إلى أنّهن "كنّ يعانينَ من أعراض مختلفة، ومن اكتئاب وشعور بالاضطهاد. هذه كلها مشاعر ناجمة عن اختلال في وظيفة المدرّس".

أزمات
من جهته، يقول الخبير التربوي محمد الصدوقي، إنّ "ملاحظات ودراسات مغربية وعربية عدّة ترى أنّ العاملين في التعليم أكثر عرضة لأمراض مهنيّة، منها أمراض نفسيّة محضة، مثل نوبات القلق والغضب المزمن والوسواس والهذيان والرُهاب الاجتماعي والإرهاق النفسي المزمن والاكتئاب واضطرابات النوم، بالإضافة إلى نزعات انتحارية". يضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ "من بين الأمراض الجسدية المرتبطة بالحالة النفسية، نجد اضطرابات التغذية التي تؤدّي إلى البدانة وقرحة المعدة وداء السكري وارتفاع ضغط الدم وآلام الرأس ومتلازمة القولون العصبي والإرهاق العصبي والأرق وفقدان الذاكرة. إلى ذلك، تأتي الاضطرابات السلوكية، من قبيل العدوانية والميل إلى العنف وإدمان التدخين أو الكحول".



يعزو الصدوقي الأزمات النفسية الناجمة عن مهنة التعليم إلى عوامل عدّة، "أوّلها أنّ مهنة التعليم هي مهنة نفسية عصبية بالدرجة الأولى بالمقارنة مع المهن الجسدية العضلية. أمّا ثانيها، فهي ضغوطات العمل المتمثلة في كثرة الواجبات، وتضخّم برامج المدرّسين، وكثرة المهام الإدارية، وساعات العمل الطويلة، وارتفاع عدد التلاميذ، وكذلك العمل في المنزل للتحضير والتصحيح وغيرها من المهام".

يتابع الصدوقي أنّ "من العوامل الأخرى التي قد تؤدي إلى أزمات نفسيّة لدى المدرّسين في المغرب، نجد غياب شروط العمل المريحة، من فضاءات وتجهيزات ووسائل لائقة. ولا ننسى شغب التلاميذ وعنفهم الذي يستهدف الكادر التربوي، بالإضافة إلى العلاقات المهنية العنيفة والمهينة أحياناً بين الرؤساء والمرؤوسين".

إلى ذلك، يشدّد الصدوقي على أنّ "عدم الرضا المهني هو من بين الظروف التي تتسبّب في الوضعية النفسية المزرية للمدرّس. وينجم ذلك عن ظروف العمل القاسية وغير الصحية، وعن غياب التحفيز والتكريم والاحترام والاعتراف المادي والمعنوي، علاوة على النظرة الدونية التي توجّه إلى العاملين في هذا المجال من قبل معظم المجتمع العربي".

وينتقد الصدوقي "الظروف الاجتماعية الصعبة وغير الكريمة لمعظم ممتهني التعليم، خصوصاً المتزوّجين منهم. فما يتقاضونه من أجور لا يكفي لمواجهة تكاليف العيش والأسرة التي ترتفع باستمرار، واحتياجات الحياة الأساسية". ويشير كذلك إلى "صعوبات العمل في الأرياف".

ويتحدّث الصدوقي عن "غياب الوعي النفسي والعلمي، وكذلك النضج النفسي الصحي، الذي يحول دون تحصين الذات ضدّ التهديدات النفسية وإيجاد حلول بديلة جديرة بالتصدّي للأسباب المهنية والاجتماعية التي قد تؤدّي إلى الإصابة بأزمات نفسية وإلى التأخّر في معالجتها".

ويوصي الصدوقي "لحلّ هذه المعضلة، بضرورة توفير متخصصين نفسيين مهنيين داخل المؤسسات التعليمية، بهدف اكتشاف الحالات مبكراً قبل استفحالها، ومراقبة المتضررين". كذلك يشدّد على "ضرورة استشارة المتخصصين النفسيين من قبل المسؤولين عن قطاع التعليم، قبل اتخاذ أيّ قرار تربوي أو إداري أو اجتماعي يتعلّق بهذا القطاع الحيوي والحساس".

المساهمون