ليست كبيسة

ليست كبيسة

28 فبراير 2017
في قلب الشمس وتقويمها (فرانس برس)
+ الخط -
هذه السنة ليست كبيسة. لا يقضم فيها شهر فبراير/ شباط يوماً إضافياً من اللامكان، فيلصقه بأيامه الثمانية والعشرين المتمايزة عن شهور السنة الباقية.

هذه السنة إذاً لا تتميز بشيء. لكنّ السنة الماضية كانت كبيسة، فيها دفع شباط يومه التاسع والعشرين دفعاً في وجوهنا. فهل تميزت؟ ربما كان مجرد يوم إضافي حوّل أيام السنة إلى 366 بدلاً من 365. سلّمنا منذ زمن طويل بهذا الترتيب، وسلّمنا مع السنة الشمسية ودقتها التي تجمع الأرباع وتكبسها في يوم إضافي كلّ أربع سنوات. لم يكن هذا دأبنا في معظم تاريخنا البشري، وربّما لا يكون ذلك الترتيب، كما هو اليوم، في المستقبل. قد يُكتشَف شيء ما يحيلنا جميعاً إلى نظامه ويسخر مما كنّا عليه. اليوم بالذات نتّبع ذلك ونعتبره "قانوناً" غير قابل
للنفي والدحض والانتهاك أو حتى الشكّ.

المسألة الأولى تتعلق بالتميّز نفسه، فما هو؟ هل يكون مقصوداً أم غير ذلك؟ من يحدده؟ وهل في التميّز كسباً للمتميّز أم خسارة؟ بالحديث عن الزمان والمكان لا بدّ من تذكّر ألبرت إينشتاين في نسبيته وتطبيقها الاجتماعي. فالمتميّز لك ليس متميزاً لغيرك. والمتميّز في مجتمع ما قد يكون نظيراً لا يخالف غيره في مجتمع آخر. أين التميّز إذاً؟ هو ببساطة في الارتباط الاجتماعي له الذي يجعله كذلك. هو متميز في عيون آخرين، ومهما كان تميزه سلبياً أم إيجابياً بالنسبة لهم فإنّه متميّز لأنّهم هم اعتبروه كذلك، فلو كان وحده لما اعتبر نفسه متميزاً لأنّ الطرف الذي يسبغ عليه هذه الصفة غائب. ربما يكون المهرب الفردي هو تقدير الذات الذي يحيل الشخص وذاته إلى مجتمع مصغّر يعترف فيه جزء لجزء بالتميّز أكان مشجعاً أم محبطاً.

المسألة الثانية تتعلق بجدلية التميّز الإيجابي والتميّز السلبي. فالحالة واحدة، لكنّ تصنيفها يختلف نسبياً. التميّز السلبي سهل جداً يدمنه الضمير الجمْعي ويتهم من يخالفه بالمروق والشذوذ والعمالة والعداوة وسلسلة طويلة من الأوصاف التي تؤدي إلى عزل المتميز "الزنديق". فما التميّز الإيجابي الذي يبقى؟ هو ربما ليس تميّزاً إلاّ بالدرجة عندما يوافق ولا يخالف. وفي مستوى آخر أخطر يبرز التميز الإيجابي الذي يُسقَط على المجتمع من علٍ حيث يتربع الزعيم الأيديولوجي وهو يرسم نموذج التميز الإيجابي، فحتى لو خالف الضمير الجمْعي، انتقل الضمير نفسه نقلة واحدة إلى ما رسمه الزعيم تأييداً له. كم مرة بدّل الزعيم مواقفه تجاه وضع ما، ألم يضع شخصاً ما رمزاً أسطورياً ثم خلعه ووضع بدلاً منه رمزاً آخر؟ ألم يحوّل العدو إلى صديق والصديق إلى عدو؟ والسؤال الأصعب، بل الأسهل: كم مرة اعترض أحد مناصريه عليه؟

المساهمون