أسوأ الأوقات

أسوأ الأوقات

16 مايو 2017
ماذا تنتظر؟ (شارلي تريبالو/ فرانس برس)
+ الخط -
يمرّ شاب أمام آخر. الأول الذي يعيش في بلده ويحلم بالهجرة يلعن حظه صبحاً ومساءً، وحين يفرغ من ذلك يلعن كلّ الظروف المحيطة والحياة التي انتبه ذات يوم أنّه يعيشها. الثاني يجلس بعيداً عن بلده الأصلي آلاف الكيلومترات.

الثاني يحلم بالعودة يوماً ما، ولعلّه لو كان في بلده في اللحظة نفسها لفكّر كما يفكر الأول. لكن، ما لا يريد أن يعرفه الأول أنّ ذلك المهاجر موجود هنا بالذات واضعاً نفسه في أسوأ الظروف الحياتية وأقسى الأوضاع المهنية ومعها كثير من القهر والظلم والانتهاك لأنّه ربّما نظر بطريقة مختلفة إلى الأمور سمحت له بفعل ما، أي بإجراء تغيير ربما كان بسيطاً في بدايته لكنّه مؤثر.

في الدول الفاشلة تنموياً، تلك التي يتغذى أبناؤها الشعارات منذ مائة عام وأكثر بينما يزداد الأثرياء ثراء من دون أن تزداد نسبتهم من المواطنين، كثيراً ما نجد أنفسنا - نحن الذين لسنا من الأثرياء- في أوضاع سيئة. هي سيئة بالفعل وليس مجرد توصيف نابع من أسباب ذاتية خالصة لمن يختبرونها. الأوضاع السيئة منشأها عوامل اقتصادية واجتماعية تقهر الفرد، وتقولب تفكيره وسلوكه اليومي وحتى أحلامه وطموحاته في اتجاهات محددة.

هذه القولبة تجعله عالقاً في مكان محدد، وفي تفكير محدد. المحدد يدلّ على الحدود وهي غالباً ما تكون ضيقة على الفرد الذي يدركها ويعيها لكن لا جرأة له على تجاوزها. يخالفه في ذلك من هو داخلها نفسها لكنّه لا يدركها ولا يعيها، فهذا الأخير يعيش حياته بالطول والعرض ولو كان في علبة كبريت.

ليس المطلوب أن يكون المدرك كغير المدرك، في النهاية هي خطوة مستحيلة إلى الوراء، لكنّ المطلوب أحياناً أن يتجاهل إدراكه بالذات. تلك الحدود التي يحوّلها إلى جدران وسواتر وحصون لا إمكانية لاختراقها أو القفز فوقها، فلتكن موجودة إلى الأبد، لا مانع. هي سيئة والأوقات التي تكتلت فيها حوله سيئة كذلك، لكن، من يدري؟ ربما تكون هناك أوقات أسوأ.

تلك الفكرة وحدها كفيلة بجعل الوقت السيئ ليس بهذا السوء. وبعيداً عن المقارنة الزمنية تلك التي قد لا يوافق كثيرون عليها، فإنّ وعي الحدود وتجاهلها بالكامل أفضل من انتظار زوال الحدود، فالتجاهل نفسه قد يزيلها كأنّها لم تكن، أما الانتظار فخادم مطيع لأسوأ الأوقات، لا يساهم إلاّ في زيادتها سوءاً.

تنصح الصديقة الأقرب بترك التفكير مع كامل احتياطاته جانباً والمبادرة إلى الفعل في وجه ما هو مجهول حتى. قد تناقض هذه اللمعة أسس التخطيط الاستراتيجي، لكنّها لا شكّ جديرة بالملاحظة تبعاً لواقع اجتماعي نعلق فيه تبعاً لتخطيط استراتيجي بالذات يقوم على تعداد الفرص والتحديات وتكرارها عاماً بعد عام إلى ما لا انعتاق. فلنفعل.

المساهمون