"رسوب جماعي" لطلاب "وديس" يعري أزمة التعليم في السودان

"رسوب جماعي" لطلاب "وديس" يعري أزمة التعليم في السودان

02 مايو 2017
أزمة التعليم في السودان (Getty/فرانس برس)
+ الخط -
"لم ينجح أحد"، تلك كانت نتيجة طلاب الصف الثامن بالمرحلة الأساسية بإحدى المؤسسات التعليمية بولاية الجزيرة وسط السودان (على بعد 186كلم من العاصمة الخرطوم)، حيث رسب جميع طلابها في امتحان الشهادة، ما عاق انتقالهم إلى المرحلة الثانوية وأرجأ حلمهم في الدخول إلى الجامعة.

وتحولت هذه الواقعة التي تعد الأولى من نوعها، إلى حديث الأوساط السودانية، باعتبار أنها تكشف عن واقع مرير يعيشه التعليم في البلاد. وقادت صحف محلية حملات تطالب بفتح تحقيق عاجل في الموضوع، وأخرى تدعو المسؤولين عن التعليم بالولاية والمركز عموماً إلى تقديم استقالاتهم وتحملهم مسؤولية الفشل الذي من شأنه أن يحبط التلاميذ وأسرهم ويقود إلى مغادرتهم الصفوف الدراسية".

جملة من الأسباب قادت لرسوب ما يزيد عن مائة طالب بمدرسة "ود يس" بولاية الجزيرة، لتأخذ بذلك شهرة مقرونة بالفشل، حالها حال مدرسة أخرى بذات الولاية نجح فيها طالبان فقط، لعدة أسباب أهمها غياب المعلمين، حيث تتقاسم المدرستان سبعة معلمين، بواقع ثلاثة إلى أربعة لكل منها، إلى جانب البيئة المتردية للمؤسسة التي تفتقر للسور والأسقف والمقاعد، فضلاً عن انعدام الكتب.

حال المدرستين يشبه حال مدارس كثيرة في السودان، يجلس طلابها على الأرض وتشتكي من غياب المعلمين، حيث عمد كثيرون منهم لهجرة المدارس الحكومية والانتقال إلى الخاصة، بالنظر لواقع المرتبات المتدنية وغياب البيئة الملائمة للعمل، فضلاً عن هجرة آخرين للمهنة ودخولهم في مهن هامشية، أو تفضيلهم التدريس خارج البلاد.

وأكدت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد "، أن هناك حاجة لتعيين ما يزيد عن عشرة آلاف معلم بصورة عاجلة بولايات البلاد المختلفة لسد نحو 50 في المائة، أو أقل من العجز الكلي في المدرسين، فضلاً عن ملايين الجنيهات لتأهيل المدارس وبيئتها، وأضافت أن الموازنة التي توفر لوزارة التربية بالكاد تكفي 30 في المائة من الالتزامات المطلوبة بالنظر لوضع الدولة التعليم في آخر الأولويات.



وفي إفادات سابقة، قدّر رئيس لجنة التعليم بتشريعي الجزيرة، أزهري يوسف أحمد، حجم العجز في المعلمين بولايته بنحو "13" ألف معلم، وحدد نسبة النقص في الكتاب المدرسي بين 40 إلى 70 في المائة مع غياب كامل لكتب الصف الثاني أساس ومادة الأحياء للصف الثالث ثانوي، وأشار لافتقار الولاية لعملية الإجلاس بنسبة 90 في المائة.

وحدد مدير مدرسة "ود يس" التي أخفق جميع طلابها، علي جبر محمد، أزمة مدرسته في تدني البيئة وافتقارها للمعلمين، فضلاً عن تسرب التلاميذ. وقال في إفادة صحافية، إن ما وقع كارثة لا يتحملها الطلاب، فالمدرسة لا تتوفر إلا على ثلاثة معلمين فقط يقومون بتدريس نحو "420" طالب بالفصول المختلفة، وأشار لاستقالة اثنين.

ورأى أن مجاورة المدرسة للسوق قاد معظم التلاميذ للتسلل والذهاب للعمل بالسوق يومي الثلاثاء والجمعة.

وفي إفادة صحافية، كذّب المدير العام بوزارة التربية والتعليم بولاية الجزيرة  بدر الدين عبد الصادق ما يتداول حول رسوب جميع الطلاب بمدرسة "ود يس"، وقال إن طالباً واحداً نجح بالمدرسة من أصل "145" طالباً رسبوا، وأشار إلى إجراء دراسة عاجلة لمعالجة بعض الأوضاع.

ويرى خبراء تربية، أن رسوب الطلاب أمر طبيعي بالنظر لتحول التعليم من مسؤولية الدولة إلى قدرة الأسر، حيث إن الأسر الميسورة من شأنها أن توفر تعليماً وبيئة جيدة لأبنائها عبر المدارس الخاصة، أما الفقراء فلا مفر لهم من  المدارس الحكومية بكامل علاتها، واعتبروا أنه من المفارقات غياب الكتاب المدرسي عن المدارس وتوفره في السوق السوداء.

واعتبر الكاتب السوداني محمد عبد القادر، أن رسوب طلاب مدرسة "ود يس"، ونجاح طالبين فقط بالمدرسة الأخرى بذات الولاية سابقة خطيرة تقود لفتح ملف التعليم بالولايات ومحاكمة تجارب الكم على حساب الكيف، ورأى أن الواقعة تشير إلى أن المؤسسات التعليمية في بعض الولايات توفر لها كل أسباب الفشل مقابل مطالبتها بالنجاح.

 وشدد عبد القادر على ضرورة إجراء تحقيق لتحديد المسؤولية، واعتبر الخطوة بمثابة سقوط لحكومة ولاية الجزيرة وإدارة التعليم ومن سماهم بأطراف الكارثة في امتحان المسؤولية والضمير" .

من جهتهم، يرى معلمون أن مهنة التعليم في السودان لا تشجع على الاستمرارية، ما جعلهم يفرون منها لا سيما وأنها لا تؤمن لهم أدنى مستويات العيش الكريم.

وتقول ريم (30 عاماً)، إنها دخلت كلية التربية برغبتها وكان حلم حياتها أن تصبح معلمة لتلتحق بالتدريس في إحدى المدارس الأساسية، لكنها صدمت بواقع الحال، فما تتقاضاه من مرتب هو أقل من 40 دولاراً جعلها تهجر مهنة عشقتها لأن واقع الحياة كان أصعب، وأشارت إلى أنها التحقت بإحدى شركات التسويق وتركت التدريس منذ ثلاثة أعوام".

أما محمد (50 عاماً) فيؤكد أن عدم تغطية مهنة التدريس لكافة مصاريفه، دفعه إلى أن يستثمر بقية اليوم في بيع الملابس بإحدى الأسواق في الخرطوم لتحسين وضعه والتمكن من توفير مصاريف الإيجار خاصة أن المرتب لا يكفي.

المساهمون