خبز وملح في عين الحلوة

خبز وملح في عين الحلوة

20 ديسمبر 2019
يأخذ الأطفال ما يحتاجون إليه (العربي الجديد)
+ الخط -
"خبز وملح. ما من داع للخجل إذا كنت محتاجاً. يمكنك أخذ ما أنت في حاجة إليه. إذا كان لديك بنطال أو كنزة لا تحتاجها، تبرع بها لمن يحتاجها". من هنا، انطلقت حملة خبز وملح في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا (جنوب لبنان)، بمبادرة شخصية من أحد أبناء المخيم الذي يعيش المعاناة مثل الآخرين.

باتَ واضحاً حجم الضغط الاقتصادي الذي يعيشه أبناء مخيم عين الحلوة، والذي يزداد يوماً بعد يوم، ويلقي بثقله على كاهل اللاجئ الفلسطيني في لبنان، في ظلّ أزمة اقتصادية خانقة ووضع معيشيّ صعب وارتفاع نسبة البطالة وغلاء الأسعار. وما زاد الطين بلة هو الأزمة السياسية التي يعيشها لبنان، والتي انعكست سلباً على الوضع الاقتصادي، الأمر الذي أثّر على اللاجئين الفلسطينيين كونهم جزءاً من هذا الشعب اللبناني الذي يعاني مأساة معيشية واقتصادية.

وصار هاجس الناس الوحيد كيفيّة تأمين رغيف الخبز لأولادهم. ولا يستطيع العديد من الناس تأمينه لأبنائهم. أم خالد، المرأة الفلسطينية التي لم يعد باستطاعتها العمل، علماً أن زوجها يحتاج إلى دواء دائم للأعصاب، تبكي بحرقة لعدم استطاعتها تأمين رغيف خبز لها ولأولاد ابنها الذين تركتهم أمهم بعد انفصالها عن زوجها.



"خبز وملح" مبادرة تكافلية بسيطة أطلقها شباب من مخيم عين الحلوة. وضعوا طاولات على جانب الطريق، وعليها خبز وملح ومواد غذائية متنوّعة، ورفعوا لافتات كتب عليها عبارات تَحثّ الناس وفاعلي الخير على التبرّع بمواد وملابس لا يحتاجون إليها، وعبارة أخرى تطلب من كل محتاج أن يأخذ ما يُريده عن الطّاولة، إضافة إلى توزيع المواد العينية وإيصالها لعدد من العائلات الفقيرة في بعض الأحياء.

جمال رفعت أيوب (32 عاماً)، هو فلسطيني من منطقة الرأس الأحمر (قضاء صفد)، يعيش في مخيم عين الحلوة، وقد طرح فكرة التبرع بالخبز والملح، وتطورت الفكرة إلى توزيع الملابس. جمال الذي تعلّم تلحيم الأنابيب النفطية في معهد سبلين، لم يجد عملاً في تخصصه لأنه فلسطيني، على الرغم من أنه عمل في إحدى الشركات مدة وجيزة. لكن بسبب إجراءات وزارة العمل، ترك العمل. وبقي شقيقه الذي يكبره سناً في العمل، وهو أب لخمسة أولاد ويتقاضى 600 ألف ليرة لبنانية (نحو 400 دولار أميركي بسعر الصرف الرسمي) راتباً شهرياً. لكن اليوم، وبسبب الوضع الاقتصادي في لبنان، يعمل خمسة عشر يوماً فقط في الشهر، ما يعني حكماً حسم نصف الراتب.

جمال يعمل سائقاً اليوم، ويتقاضى 450 ألف ليرة لبنانية (نحو 300 دولار بسعر الصرف الرسمي) كراتب شهري. يقول: "كنت جالساً في البيت أشاهد التلفزيون، فرأيت رجلاً يحمل كيساً كتب عليه تبرعات لأشخاص محتاجين. فسألت نفسي لماذا لا نطلق حملة في المخيم، نساعد من خلالها الأشخاص المحتاجين في ظل هذه الأزمة الخانقة، وغياب المسؤولين عن تلبية حاجات الناس في المخيم؟".

ربما تجد ما تحتاج إليه (العربي الجديد) 


يوضح أنّ "في المخيم الكثير من الأشخاص الذين لا يملكون ثمن ربطة خبز. خرجت من بيتي ووضعت الطاولات على الطريق، وكتبت لافتات مشجعة للآخرين. ثم صوّر صديقي ما صنعته وقد أعجبته الفكرة، ونشر الصور على وسائل التواصل الاجتماعي. وبعد مدة، عاد وقدم مبلغ 30 ألف ليرة (نحو 20 دولاراً)، وبعدها 25 ألف ليرة (نحو 15 دولاراً)، فاشتريت بالمبلغ الخبز والملح، وبالفعل صار آخرون يتبرعون بالمال. وتطورت الفكرة إلى التبرع بالملابس.

وبالفعل، صار بعض الناس يسألونني إن كان في إمكانهم أخذ ما يحتاجون إليه. هكذا استطعنا مساعدة بعض الأشخاص بما نقدر عليه، وأتمنى أن يكون هناك متبرعون أكثر حتى نستطيع مساعدة عدد أكبر من الناس".



يتابع جمال: "أنا أب لطفلين. راتبي لا يكفيني طبعاً. فكرت مرات عدة بالهجرة. وبالفعل، حاولت الهجرة. تعذبت كثيراً وعدت بعدما نفد مني المال، ومن دون أن أحقق هدفي بالهجرة. كنت قد سافرت عن طريق سورية إلى تركيا، ومنها إلى اليونان، لكن من دون نتيجة، وعدت إلى لبنان لأعمل سائق حافلة لنقل التلاميذ". ويوضح: "أستيقظ باكراً وأعمل طيلة النهار. كل هذا فقط من أجل 450 ألف ليرة. لست أنا الوحيد الذي يعيش حياة صعبة".

الأطفال كانوا أكثر سعادة من الكبار لحصولهم على ملابس، لأنهم بالفعل محرومون منها. أحمد، وهو في الثالثة عشرة من العمر، يقول: "أنا أحتاج للملابس. منذ مدة، لم تشتر لي أمي الملابس بسبب عدم قدرتنا على الشراء. اليوم صار الوضع أكثر صعوبة لأن أبي لا يعمل منذ وقت. وصودف أن مررت ورأيت الملابس واقتربت لأختار ما يناسبني منها".

المساهمون